أكراد بغداد يعيشون حالة خوف بسبب محاولة الانفصال الفاشلة

أزمة هوية خلقتها الأحداث المتصاعدة

رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني الذي أعلن تنحيه عن الرئاسة - أرشيف (رويترز)
رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني الذي أعلن تنحيه عن الرئاسة - أرشيف (رويترز)
TT

أكراد بغداد يعيشون حالة خوف بسبب محاولة الانفصال الفاشلة

رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني الذي أعلن تنحيه عن الرئاسة - أرشيف (رويترز)
رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني الذي أعلن تنحيه عن الرئاسة - أرشيف (رويترز)

بعد أسابيع من التوترات في شمال العراق بسبب إجراءات الحكومة العراقية في بغداد ردا على استفتاء الاستقلال الذي أجراه إقليم كردستان العراق، قدم الزعيم الكردي مسعود بارزاني استقالته لبرلمان الإقليم معلنا تنحيه من منصب رئاسة الإقليم الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي. لكن على بعد 250 كيلومترا جنوب إقليم كردستان، وتحديدا في شارع تسكنه مئات العائلات من الطبقة العاملة في بغداد، أثارت محاولة الإنفصال أزمة هوية للأكراد العراقيين.
ويقع حي الأكراد وسط بغداد، حيث عاشت حوالى 200 أسرة كردية لأجيال عدة. ويؤكد بعضهم أن جذورهم هناك قديمة مثل العاصمة نفسها.
وفي مقابلات مع صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية قال بعض الأكراد الساكنين في هذا الحي، إنهم لأول مرة منذ عقود، يجبرون على التفكير في هويتهم "المزدوجة".
يتكلم معظمهم اللغة العربية مع لكنة كردية مميزة، ولم يسبق لهم أن وصلوا إلى المنطقة الكردية شبه المستقلة في الشمال، ومع ذلك، فإن النزعة القومية العراقية ألقت بظلالها على موقفهم من الانتماء العرقي الكردي.
يقول صباح مكي، البالغ من العمر 66 عاما، وهو مدرس متقاعد "نحن جميعا هنا مرعوبون مما قد يحدث لنا بسبب تبعات الاستفتاء"، وأضاف أنه يشعر بالقلق من أن العرب، الغالبية الساحقة من سكان بغداد، سيعتبرون الأكراد في أنحاء العاصمة أهدافا سهلة إذا تفاقمت المواجهة السياسية أو العسكرية، على حد قوله.
يعمل العديد من الأكراد في قطاع الخدمات العامة في العراق أو يعيشون على المعاشات البلدية، وهم الآن أكثر قلقا من المعتاد بشأن مخاوف من حدوث تمييز ضدهم، فيشعرون "بالقلق إزاء طردهم من ديارهم أو شن هجوم عليهم من قبل بعض الفئات المسلحة"، على حد قول بعضهم.
وقد راقب محمد عبد الله، وهو رجل أعمال عراقي كردي يبلغ من العمر 54 عاما، الوضع غير المستقر، خاصة التصعيد بعد إجراء الاستفتاء من حرب سياسية كلامية إلى مواجهة عسكرية فعلية بين القوات العراقية وقوات البيشمركة الكردية على أماكن يزعم الأكراد أحقيتهم فيها مثل مدينة كركوك.
وقال عبد الله إنه مستعد لنقل عائلته إلى الأردن إذا وصل "الغضب العراقي إلى ذروته". مضيفا "الأكراد هم أقليات هنا في بغداد، ليس لدينا أي شخص يحمينا، ومع هذه الموجة من الغضب حول الاستفتاء، سوف نتعرض للأذى". مؤكدا أن معظم الأكراد في هذه المنطقة عاشوا حياتهم كلها في بغداد "عشنا ودرسنا وعملنا هنا، ونحن نعتبر أنفسنا أكرادا عراقيين، ولسنا أكرادا بلا هوية".
لا يخفي حي الأكراد طابعه الكردي، فتظهر إعلانات اللحوم الكردية المشوية والسلع الكردية الصنع على عربات الطعام، كما تحمل المطاعم والمقاهي أسماء أصحابها الكرد وشعاراتهم القومية.
من جهته، أفاد سمعان علي بأننا "نعيش أياما صعبة بين حلم وجود دولة لنا كأكراد وبين مستقبل مجهول ينتظرنا كأكراد يعيشون في بغداد"، وأضاف: "إنه أمر معقد جدا لأن الشعب الكردي يستحق بلدا خاصا به".
كما وجه بعض الأكراد، لا سيما الشباب منهم، اللوم لقادة المنطقة الكردية بسبب وضعهم في موقف محفوف بالمخاطر ببغداد، وهي المدينة العراقية الوحيدة التي يشعرون داخلها بانتمائهم لوطنهم.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.