ليبيا: خطة لتوحيد الجيش... ودخول مصراتة «بلا قتال»

دمج الإدارات والاستخبارات والحسابات العسكرية في طرابلس وبنغازي... وإنشاء مجلس أعلى للقوات المسلحة

TT

ليبيا: خطة لتوحيد الجيش... ودخول مصراتة «بلا قتال»

بين كميات من الملفات وهواتف التي لا تتوقف عن الرنين، وعشرات الضباط الداخلين والخارجين في مكتبه الملحق بمقر إقامته في إحدى ضواحي بنغازي، يدير العميد أحمد المسماري الذي يحظى بثقة قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، مرحلة دقيقة تتضمن محاولة مهمة لتوحيد الجيش الذي تفرقت به السبل بعد إطاحة حكم معمر القذافي في 2011.
ولا تنقطع فناجين الشاي صغيرة الحجم التي تعلوها رغوة داكنة، عن الدوران حول ضيوف المكتب، من ضباط ورجال مخابرات وممثلي قبائل ومدن. ويُعرف المسماري في وسائل الإعلام بأنه المتحدث باسم الجيش، لكن مسؤولياته الأخرى وغير المعلنة كثيرة. وهذا يُمكن أن تلحظه بمجرد الاقتراب من أسوار مبنى المكتب من الخارج.
باختصار، يُعد المسماري من أحد أهم العُقول التي تتشاور يومياً تقريباً مع حفتر، واليد التي تنفذ تعليماته في نهاية المطاف. ويبدو جل وقته مشغولاً بخطة لتوحيد القوات المسلحة الليبية وتحديد مستقبل عمل الجيش في الشهور المقبلة.

كانت بين يديه تقارير استخباراتية تتحدث عن حجم الأسلحة التي حصلت عليها ميليشيات متطرفة من جهات خارجية عدة، لمقاومة تقدم الجيش في الجنوب والغرب. وبينما كان يراجع معلومات واردة من ضواحي بنغازي التي طُرد المتطرفون منها أخيراً، تلقى الرجل ذو البشرة السمراء والشارب الأسود المنسدل على جانبي فمه، اتصالات هاتفية جديدة من ضباط في القوات البحرية، كانوا يستعدون لتنفيذ أول مناورة بالذخيرة الحية على السواحل المحيطة بمدينة درنة، وهي مدينة ما زالت تتحكم فيها مجموعات متطرفة.
من الصعب معرفة الضابط من الجندي من المتطوع المدني. فالكل يعمل ويتحرك كأنه ضمن خلية نحل كبيرة لا تتوقف عن الشغل، رغم أن المعارك توقفت في بنغازي، باستثناء منطقة «سيدي خريبيش» المحاصرة التي تقع على مرمى حجر من الميناء البحري، في ثاني أكبر المدن الليبية. وتعرضت بنغازي لدمار واسع بسبب الأسلحة الفتاكة التي كان يملكها المتطرفون وهم يستميتون للاحتفاظ بالمدينة.
الآن، وبعد نحو ثلاث سنوات من الحرب المستعرة في الشرق والجنوب، تنفس الجيش الصعداء. ودخل مرحلة جديدة. عينه على أكبر مدينتين بعد بنغازي، وهما طرابلس ومصراتة غرباً. ويعوّل حفتر على ترتيب أوضاع العسكريين هناك للعمل تحت مظلة الجيش، وبالتالي تجنب الصدام والتدمير والاقتتال. وتوجد اتصالات بالفعل لتفادي هذا المصير.
حمل المسماري ملفات، وشد مقعده بعيداً عن مكتبه، وبدأ يشرح بطريقة تلقائية خطة توحيد الجيش. إنها تتضمن، بشكل لا لبس فيه، إحالة ضباط شاركوا في حروب ضد القوات المسلحة إلى محاكم عسكرية. واستبعاد أحد الضباط الليبيين في مصراتة، ممن سافروا أخيراً إلى قطر، من المشاركة في جهود توحيد الجيش الجارية عبر لقاءات تعقد في القاهرة.
وتركت الحملة التي شنها حلف شمال الأطلسي لمساندة المظاهرات ضد القذافي، الجيش مدمراً ومنقسماً على نفسه. وأعلن حفتر في 2014 «عملية الكرامة» بهدف جمع شتات الجيش ومحاربة الجماعات المتطرفة. ورغم الحظر الدولي على تسليح قواته، إلا أن حفتر تمكن من طرد المتطرفين من مناطق واسعة من البلاد، خصوصاً في الشرق، بينما ظلَّ أمر دخوله إلى العاصمة ومدينة مصراتة القوية، معلقاً، لكن يبدو أن هناك خطة معدة لهذا الغرض.
ويقول المسماري إن مفتاح دخول الجيش إلى طرابلس سيبدأ من مدينة الزاوية التي تقع غرب العاصمة، وإنه «لن يكون هناك قتال في مصراتة». ومعلوم أنه يتنازع على التحكم في طرابلس وما حولها، منذ شهور، قوات موالية لرئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، وأخرى معادية له.
قطع سيل الحديث دخول شاب بملابس عسكرية، ليهمس في أذن المسماري بما بدا أنه بلاغ عاجل من جبهة ما. وحين استأنف المسماري كلامه، تذكر أن يشير إلى أن «لدينا ضباطاً من الأمازيغ والطوارق والتبو يعملون من أجل دولة موحدة، على عكس ما يُشاع بين حين وآخر، من أن هذه المكونات الثقافية تسعى إلى تقسيم ليبيا... إنهم ضباط وطنيون. وبعض منهم يشارك في لقاءات القاهرة لتوحيد المؤسسة العسكرية». وأضاف: «توجد شعارات غير صحيحة عن أن الأمازيغ يريدون الانفصال، وأنهم لا يريدون العربية، لكن هذا كله لا أساس له، ومحاولة لتشويه أهلنا الأمازيغ، وهم براء من ذلك... وفدُنا الآن إلى القاهرة يتألف من ضباط من القيادة العامة، بينهم خمسة ضباط من منطقة الأمازيغ».
وتابع: «لقد اختلطت دماء العسكريين الليبيين والمتطوعين المدنيين الذين معهم، على طول محاور بنغازي الحصينة، والتي كانت تتمركز فيها، لأكثر من عامين، جماعات جرى تصنيفها عربياً ودولياً كمنظمات إرهابية، بعضها مرتبط بدولة قطر... المحاربون تحت راية الجيش كانوا من كل أنحاء ليبيا. عربي، أمازيغي، طوارقي، تباوي. لا فرق. نقاتل معاً بإمكانيات محلية شبه معدومة. فقدنا أكثر من 5600 في معارك بنغازي ودرنة والهلال النفطي وفي الجنوب والمنطقة الغربية، ولدينا آلاف المصابين بينهم ما يزيد على 1200 أصبحوا مبتوري الأطراف وفاقدي البصر والسمع».
وهزّ المسماري رأسه كأنه ينفض ذكريات مريرة من ذهنه عن أيام الحرب وفقد الرفاق على الجبهات. وبعد لحظة صمت استعاد فيها رباطة جأشه، انبرى يتحدث في ثقة عن المستقبل الجديد لبناء أركان جيش قادر على خوض «معارك السيطرة» على عموم البلاد. وقال: «نعمل الآن على إنشاء المجلس الأعلى للقيادة العامة للقوات المسلحة، ومجلس أعلى للأمن. ودمج الهيئات العسكرية في طرابلس وبنغازي في منظومة واحدة».
لكن ما العمل؟ ماذا سيفعل الجيش، إذا استمرت الانقسامات وجلسات الحوار التي لم تنته منذ خريف 2014؟ يجيب المسماري بحزم: «لقد أعطينا مهلة مدتها 6 أشهر، لكي يحل السياسيون خلافاتهم. هذه المهلة تنتهي في مارس المقبل. وبعد ذلك ستكون لنا كلمة لإنقاذ البلاد... المواطنون يرون أن أمن ليبيا يتحقق بالجيش». وعن الخطوة المقبلة إذا انتهت هذه المهلة من دون حل الخلافات، قال: «أكيد معلوم ماذا سيفعل الجيش... وهو حسم الأمور بالقوة... وإذا اضطر الجيش لتولي المسؤولية السياسية بنفسه، فستكون عبئاً لكن لا بد منه، وإذا كانت هناك مطالب عامة بتولي حفتر رئاسة الدولة، فلا مانع».
تنتشر صور حفتر في شوارع بنغازي مقترنة بكلمات الفخار. بدأت المدينة أخيراً تتذوق طعم الهدوء، وتتخلص من أصوات انفجار القذائف الصاروخية. وعلى جانبي الطرقات يكنس العمال بقايا الفوضى وركام الحرب، ويعيدون ربط كابلات الكهرباء وتوصيل مواسير المياه التي دمرتها القنابل.
على مدى تاريخ قبائل ليبيا، يعد الشعر الشعبي الوسيلة الأكثر شجناً للتعبير عن مآسي الحروب والحب وشظف العيش. وحتى المسماري نفسه كان يردد مقاطع من هذا النوع من القصائد أثناء فترات التقاط الأنفاس. ولديه كتب كذلك من تأليفه عن التراث الليبي، يحوي بعضها مقطوعات شعرية تفخر بأيام الجهاد ضد الاستعمار.
اليوم. في كل منعطف وغرفة ضيافة وخيمة عرس تقريباً، هناك قصص أسطورية عن مقاتلين ضحوا بأرواحهم وهم يتقدمون بين الحواري الضيقة وعلى شوارع مزروعة بالألغام الأرضية، من أجل طرد المتطرفين. وفي خيمة عُرس في بلدة برسس القريبة، حيث مئات الحضور، دخل الشاعران الشعبيان الكبيران نصيب السكوري ومحمد بوستة في مناجاة عن حرب الجيش ضد تنظيم «أنصار الشريعة» في محيط مطار بنغازي المعروف باسم «مطار بنينا».
وتدعو أبيات هذين الشاعرين كل من لم يحضر الحرب في بنينا إلى أن يذهب ويشاهد آثار الرصاص على الأسوار. أو كما يقول مقطع من القصيدة باللهجة المحلية: «اللي ما حضر حفر الرصاص بعينه... تعاته يبهت في أسوار بنينا».
ويجد المسماري في انتصارات الجيش في المناطق الشرقية والجنوبية، عزاء لمن انطلقوا لتحرير بنغازي من جبروت المتطرفين في ظروف صعبة. «المعركة استغرقت، حتى الآن، نحو أربع سنوات متواصلة. كانت في البداية معركة تعبوية داخل بنغازي. معركة كانت صعبة جداً. كان التفوق العددي وفي العدة والعتاد لصالح الجماعات الإرهابية التي كانت في بنغازي نتيجة لتحالف كبير جداً بين تنظيم القاعدة وتنظيم الإخوان المسلمين... أقصد فريق الإخوان الذي رفع السلاح ودخل في تحالف مع أنصار الشريعة ومع القاعدة ومع الجماعة الإسلامية المقاتلة. وبعد ذلك ظهر تنظيم داعش في 2014. وانضموا جميعاً في خندق واحد ضد القوات المسلحة».
خلال السهرة الطويلة في مكتبه، عرض المسماري مقاطع مصورة لمعارك أدارها رجال قضوا نحبهم وهم يقاتلون بأبسط الإمكانيات، أمام ترسانة حديثة يملكها المتطرفون، من قذائف صاروخية ومفخخات ومناظير رؤية ليلية إلى بنادق قنص، بينما الجيش يعاني من حصار دولي يمنعه من شراء الأسلحة ومستلزمات ميادين القتال. وقال وهو يعرض مقطعاً: «لقد كان محاربونا يفتقرون حتى للملابس العسكرية. انظر... هذه مجموعة تقوم بتفكيك ألغام بأيادٍ عارية. ومع ذلك انتصرنا».
وفي غرفة مجاورة، ارتفعت أصوات مناقشات بين مجموعة ضباط بشأن الإعداد لمناورات القوات البحرية على الساحل الشرقي. ثم دخل إلى المكتب وفد عسكري من الزوار لترتيب السفر إلى لقاءات القاهرة. ودارت صينية الشاي مرة أخرى.
وبعد أن رشف من فنجانه، ورحب بالضيوف، واصل المسماري قائلاً، وهو يقاوم إرهاق هذا اليوم الطويل: «أقول لك... لقد تحقق الهدف من عملية الكرامة. كانت حين انطلقت في 2014 مجرد عملية، وأصبحت اليوم قيادة، وأصبحت اليوم جيشاً، وأصبحت اليوم شعباً. وبالتالي نحن الآن دخلنا في مرحلة أخرى».
ومنذ بداية إعلان الحرب على المتطرفين من جانب المشير حفتر، قسمت القيادة العامة للجيش المعركة إلى ثلاثة أهداف رئيسية. ويقول المسماري إن «الهدف الأول كان تعبوياً ميدانياً، والحمد لله وفقنا في ذلك. والهدف الثاني هو السيطرة على هدف التحكم في اللعبة السياسية (أي التحكم في النفط)، خصوصاً مع الأطراف الخارجية. لقد سيطرنا على الهلال النفطي بالكامل، والآن بدأ الهدف الاستراتيجي. الآن نعمل على الهدف الاستراتيجي، ألا وهو الوصول إلى العاصمة ودخولها. والسيد المشير (حفتر) يؤكد أن الدخول إليها سيكون سلمياً من دون سلاح أو استخدام لأي قوة عسكرية».
وعن الطريقة التي يخطط بها الجيش لدخول العاصمة سلمياً، يوضح المسماري: «حققنا استفادة في الشهور الأخيرة... أي بعد معارك صبراتة وزوَّارة وغيرهما (في غرب طرابلس)، بأن تمكنّا من فصل معركة منطقة غرب طرابلس عن طرابلس نفسها. وبدأت المناطق الخلفية هناك تقف مع القوات المسلحة، وتشكل مناطق داعمة لها، ومنها مناطق الجبل (الأمازيغية)». وأضاف: «تاريخياً وعسكرياً من قدم الزمان، مفتاح طرابلس هو مدينة الزاوية (40 كيلومتراً غرب العاصمة). الزاوية الآن فيها حراك كبير جداً. وفيها كثير من الشباب الذين كان مغرراً بهم، والذين دخلوا في هذه الميليشيات بدأوا الآن يتخلون عن سلاحهم. وبالتالي عندما تتم معركة الزاوية، ستتم معركة طرابلس».
أما عن دخول الجيش إلى مدينة مصراتة، فيقول: «بإذن الله لن يكون فيها قتال أيضاً... إنها مدينة ليبية وطنية كانت مُختطفة. الآن بدأ التحرك الوطني فيها بشكل كبير جداً. وأحيي الوطنيين في مصراتة. لقد بدأت فيها عمليات ضد الإرهاب والإرهابيين. نحن نثمن ذلك. ونؤيد وندعم ونساعد أي قوى تحارب القوى الظالمة أو القوى الإرهابية. وأوجه التحية إلى القيادات العسكرية والمدنية الوطنية في مصراتة. أقول لهم: نحن لا نقاتل وطنياً على الإطلاق. هذا من المحرمات. نحن جميعاً في خندق واحد لمحاربة من يتسترون باسم الدين لحكم ليبيا بالحديد والنار والسلاح. كل إرهابي وكل داعشي نعده عدواً للقوات المسلحة».
وعُرف اسم مصراتة في وسائل إعلام عالمية أثناء الانتفاضة المسلحة ضد حكم القذافي. حاصرتها دبابات النظام السابق. وحين ردت، نكلت بجثث القذافي ونجله المعتصم ووزير دفاعه أبو بكر يونس، وجلبتهم إلى المدينة بعد مقتلهم في سرت. ودفنتهم في أماكن غير معلومة حتى اليوم. لكن بعد أكثر من ست سنوات على إطاحة نظام القذافي، ضربت الخلافات قوات المدينة التي كانت قد استحوذت على كميات كبيرة من عتاد الجيش. وأصبحت فيها اليوم ميليشيات معادية لحفتر وأخرى تعتنق الفكر المتطرف. ويقاتل بعضها بعضاً.
وتحركت قوات في مصراتة خلال الأسابيع الماضية، وشنت حملة واسعة ضد مراكز لجماعات متشددة، وتم ضبط مخازن أسلحة ومتفجرات. ويقول المسماري إن «مصراتة ساهمت بهذه العلميات القوية جداً ضد المجاميع المتطرفة، في تراجع العمليات الإرهابية في بنغازي، باعتبار أن من قُبض عليهم في مصراتة، رؤوس تعلم بمخازن الأسلحة والذخائر والمتفجرات ومخابئها... هذا توصلنا إليه الآن عن طريق مصراتة».
ويوضح المسماري صورة مصراتة اليوم بشكل أكثر تفصيلاً: «ضباط مصراتة كانوا محكومين، حسب ما تحدثوا، بأربعة أنواع من الميليشيات... كانت لديهم ميليشيات مؤدلجة، والآن تم القبض على بعض منها وتتم محاربتها، وما زالت الحرب طويلة في هذا المجال. وهناك ميليشيات جهوية، وهناك ميليشيات للإيجار... وهناك ميليشيات وطنية يمكن التعويل عليها كقوة مساندة (للجيش). وبالتالي بدأت مصراتة الآن تتحرر».
بعد مداولات مع أطراف عسكرية ليبية من مشارب مختلفة، لا توجد مشاكل قانونية تمنع توحيد هذه المؤسسة. والجروح العميقة التي أصابت قادة عسكريين عقب مقتل القذافي تسببت في أغلبها جماعة «الإخوان» حين هيمنت على حكم البلاد في ذلك الوقت، بحسب المسماري الذي يقول: «في الجيش نحن تراتبية واحدة، وأقدمية عسكرية واحدة، ومدارس واحدة، وكليات واحدة... ليست لدينا فوارق».
وبحسب المسماري، فقد نجحتْ جماعة «الإخوان» بعد 2011 في إدخال ضباط للجيش كانوا خارج الخدمة. وهؤلاء الضباط «أغلبهم مؤدلجون ولهم أهداف، وفيهم من كان قد ترك الخدمة في عهد القذافي على أساس أن الجيش كافر. وهناك من خرج في قضايا أخلاقية. كل هؤلاء رجعوا إلى الجيش على يد الإخوان. واستطاع الإخوان بإرجاع الآلاف وإخراج الآلاف من العسكريين النظاميين بالتقاعد وبالاستقالات وبقانون العزل السياسي، إخلاء الساحة لهذه الفئة التي عبثت بالوطن».
وبسؤاله عما ترمي إليه الاجتماعات التي تعقد في القاهرة، يقول: «هذه الاجتماعات تُركز على أشياء تنظيمية فقط... مثلاً هناك هيئة تنظيم وإدارة تابعة للجيش في طرابلس، وأخرى هنا في بنغازي. يجب أن تُدمج هذه الهيئات في منظومة واحدة. أيضاً العمل على دمج هيئة الحسابات العسكرية، ودمج هيئة الاستخبارات. وإن شاء الله سنعمل على إنشاء المجلس الأعلى للقيادة العامة للقوات المسلحة، وسيادة المشير أصدر توجيهاته وتعليماته لنا كلجنة للبدء في التشاور والتحاور من أجل إنشاء مجلس أعلى للأمن في الدولة الليبية».
وعلى عكس ما يتداول لدى بعض الأوساط بأن أطراف الجيش الليبي «تتحاور» في القاهرة، يوضح المسماري أن ما يجري «ليس مرحلة حوار، لكن اجتماعات للجان الفنية... لقد بدأنا العمل». وأضاف بعدما انتهى من استقبال مكالمة هاتفية بدت، من تعبيرات وجهه، مهمة للغاية، أن «كل لجنة ستنبثق من هذه اللجان الفنية ستقوم بجمع الأفراد... مثلاً لدينا أفراد في مصراتة وفي طرابلس في الاستخبارات العسكرية. كيف نجعل كل هؤلاء في منظومة واحدة. هم أصلاً الآن أقدميتهم واحدة وتراتبيتهم واحدة. لكن من ناحية العمل فقط. كيف نجمع ملفات هؤلاء على بعضها بعضاً. وكذلك الأمر بالنسبة إلى هيئة التنظيم والإدارة والحسابات العسكرية. وبعد ذلك سنأتي لكل الإدارات. إدارة التوجيه المعنوي في طرابلس، وإدارة التوجيه المعنوي في بنغازي، يجب أن تكون إدارة التوجيه المعنوي واحدة».
وبمزيد من التوضيح لطبيعة تفاصيل توحيد المؤسسة العسكرية بين الشرق والغرب، يؤكد: «ببساطة... الأمر يحتاج إلى أن تقول لي ماذا لديك أنت، وأن أقول لك ماذا لدي أنا. لا بد من أن تكون هناك تصفية للموضوع. هُناك ضباط خدموا في ميليشيات. هؤلاء لا بد من أن يكونوا خارجاً. مثل هؤلاء لا يشملهم هذا الاتفاق. الضباط الذين شاركوا في حرب ضد الجيش، وفي حرب فجر ليبيا، وفي حرب البنيان المرصوص، وشاركوا مع الدواعش، وعملوا تحت قيادات مدنية، مثل هؤلاء لا يمكن ضمهم إلى القيادة العامة، إلا بعد عرضهم على المحاكم العسكرية». وأشار إلى أن أحد القادة العسكريين في مصراتة قام مؤخرا بزيارة لقطر، وتم إبعاده من إجراءات توحيد الجيش.
أحياناً يقول خصوم الجيش إن حفتر يسعى لأن يكون رئيساً وحاكماً لليبيا. وحين ظهرت بعض الأصوات، خصوصاً في شرق البلاد، تطالب بترشيحه للرئاسة أخيراً، تم تسليط الضوء على هذا الموضوع مرة أخرى. وعن الكيفية التي يفسر بها المسماري هذا الأمر، يقول إن «هذا الموضوع يتكون من شقين... الشق الأول هو أنه في البداية حين انطلقنا، لم يكن لدينا طموح للرئاسة ولا الوصول لمنصب. كان الطموح الأوحد هو القضاء على الإرهاب... ولم ندخل في أي حوار على الإطلاق من حوارات جنيف والصخيرات وغيرهما، على رغم أن الغرب حاول إدخال القوات المسلحة في هذا الأتون».
ويشير إلى أنه «بعد أن دخلت مصر والإمارات على الخط، وهما دولتان نحترمهما ونقدرهما، تواصل السيد المشير مع السيد السراج، ولكن لم يصلا إلى نتيجة. لقد وافق السراج على كل شروط المشير في الإمارات، وبعد ذلك تملص منها، وفي باريس وافق أمام المجتمع الدولي، وبعد ذلك تملص، وبالتالي نحن لدينا قناعة أن السراج لا يستطيع السيطرة على شيء، ولا يتحكم في أي شيء على الإطلاق، ولكن هناك قوى أخرى تعمل خلف السراج».
ويُكمل قائلاً: «حتى هذه اللحظة، يجري الحوار في تونس بمشاركة البرلمان الليبي، لكن نحن كعسكريين مهمتنا حماية الوطن والمواطن. المواطن بدأ وضعه الآن يتردى جداً. وبالتالي أعطيناهم 6 أشهر، ستنتهي في مارس المقبل، وبعد ذلك ستكون لنا كلمة لإنقاذ الوطن وكف العبث بأمن المواطن. والشعب الآن، في كل أنحاء البلاد، لا يرى مستقبلاً لليبيا إلا بين يدي الجيش». وأضاف: «أقول لمن يحملوننا المسؤولية، ورغم أن المسؤولية السياسية مسؤولية جسيمة، وليست مثل المسؤولية العسكرية، أقول: نحن مستعدون لتنفيذ أمر الشعب في أي لحظة. على المستوى العسكري والسياسي».
وعن موقف حفتر من تولي الرئاسة، قال المسماري: «لا مانع في ذلك... وبالتأكيد هذا المطلب جاء من رحم المعاناة، ونحن مهمتنا إنهاء هذه المعاناة، لكي تعود الأمور إلى جادة الصواب، وبعد ذلك من يسعى للحكم، فليأت إلى حكم ليبيا عن طريق صناديق الاقتراع».



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.