خيارات محدودة للمقاتلين الأجانب بعد تحرير الرقة

مقاتلون أجانب في الرقة في مشهد أخير قبل اندحارهم («الشرق الأوسط»)
مقاتلون أجانب في الرقة في مشهد أخير قبل اندحارهم («الشرق الأوسط»)
TT

خيارات محدودة للمقاتلين الأجانب بعد تحرير الرقة

مقاتلون أجانب في الرقة في مشهد أخير قبل اندحارهم («الشرق الأوسط»)
مقاتلون أجانب في الرقة في مشهد أخير قبل اندحارهم («الشرق الأوسط»)

فقدت «داعش» بريقها وجاذبيتها بعد هزائمها المتتالية، في سوريا والعراق، وغدت طاردة بعد أن كانت دار هجرة، لتترك المقاتلين الأجانب فيها يبحثون عن ملاذ لهم بخيارات محدودة ومخاطر تظل محتملة، بعد أن كانت ملاذهم. في البداية نشير إلى تراجع أعداد المقاتلين إلى بضعة آلاف قليلة، خلال المعارك الأخيرة، قبل وبعد سقوط الرقة في 17 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي، في يد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بعد مرور نحو أربعة أعوام على إعلان عاصمة لخلافة التنظيم المزعومة، وبعد عام من سقوط «دابق» التي كانت وعد حروب آخر الزمان، والتي جندت به «داعش» الآلاف من المقاتلين الأجانب لصفها، وجعلته اسما لمجلتها بالإنجليزية التي تستهدفهم، والتي توقفت لبعض الوقت بعد خسارتها لكثير من كوادرها.

بدأت عمليات قوات سوريا الديمقراطية في الرقة «قسد» في 6 يونيو (حزيران) 2017، حتى نجحت في السيطرة على معظم قرى وبلدات المحافظة، وبينما تنجح العناصر والكوادر المحلية التي انضمت للتنظيم في الذوبان في مجتمعهم أو العودة لمناطقهم، وهو ما حدث في ليبيا بعد سقوط سرت، حيث ذاب المقاتلون المحليون في بلادهم ووسط قبائلهم، بينما تم القبض على بعض الأجانب، وتوجه البعض بعملياته وخططه إلى مصر كما يرجح في تفسير بعض العمليات الأخيرة.
هكذا، يواجه المقاتلون الأجانب الذين عاشوا في جيتوهات «داعش» وكتائبها الموزعة على الجنسيات صعوبة بل استحالة في هذا الذوبان! لاختلاف اللغات والثقافات والأشكال، وأيضا للقسوة التي عرف بها كثير منهم وتمنع إمكانية التعاطف معهم في الآن نفسه، وهو ما يتضح في عدم شمول الاتفاق بالعفو عن الأجانب أو السماح لهم بخيار العودة السهلة، والذي قاده وتوسط فيه بعض وجهاء وشيوخ العشائر في المدينة، بل انحصر في المقاتلين المحليين وبعض المدنيين فقط.

تراجع في الأعداد
وصلت أعداد المقاتلين الأجانب عامي 2014 و2015 إلى 25 ألف مقاتل أجنبي هاجروا إليها من مائة دولة حتى وصلوا الأراضي التي تسيطر عليها «داعش» في سوريا والعراق، لكن هذه الأرقام تراجعت كثيرا، منذ بدايات 2016.
تراجعت أعداد المقاتلين الأجانب مع تراجع جاذبية الهزائم وفقدانه بريقه، منذ أواسط العام 2016 وصعود الخلافات الداخلية داخلها، فبينما كان التدفق عبر الحدود التركية السورية يصل إلى 2000 مقاتل شهريا وصل في يونيو سنة 2016 إلى 50 مقاتلاً فقط كل شهر حسب تقرير للاستخبارات الأميركية، ويرجح أنه يكاد ينعدم خلال الشهور القليلة الماضية.
سقط الحلم، وهمدت العاطفة الإيمانية، فأغلب المقاتلين الأجانب كانوا فارغين من العلم الديني، حسب دراسة حديثة لمكتب مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة صدرت في أغسطس (آب) الماضي 2017 وشملت 43 عنصرا عائدا لوطنه من 12 دولة مختلفة أغلبهم يعاني من نقص المعرفة الأساسية بالإسلام ومبادئه ولكن أغرتهم العاطفة، ووعود الخلافة المزعومة فقط.
ويثبت هذا النقص في المعرفة أن 25 في المائة من مقاتلي «داعش» كانوا من المتحولين الجدد إلى الإسلام، الذين لم يسبق لهم التعرف على الإسلام الوسطي، والتقطتهم عناصر «داعش» عبر الغرف والمواقع التفاعلية على شبكة الإنترنت، إغراء بدار الإسلام وتحقق يثرب الجديدة أو وعود الزواج للنساء والصغيرات بالخصوص كما شهدنا في حالة حسناء «داعش» الألمانية التي بلغت من العمر 16 عاما وقبض عليها في الموصل.

تقلص الخيارات
تحفز مستمر ودائم للخلايا النائمة وفلول العناصر المقاتلة المهزومة، ففي سوريا بعد سقوط الرقة تقوم قوات سوريا الديمقراطية، كما سبق أن قامت القوات العراقية بالبحث عن بعض «الخلايا النائمة» ومطاردة المشبوه فيهم، خصوصاً أن «الخلايا النائمة» في التنظيمات العنقودية كـ«داعش»، تفاجئ دائما أعداءها بما هو غير متوقع، كما تطارد «قسد» بعض العناصر التي رفضت الاستسلام وما زالت تتحصن داخل بعض الأماكن مع عائلاتها رغم محدودية الخيارات المتاحة أمامه في كل الأحوال، كذلك تتحفز دول المقاتلين الأجانب ومواطنهم الأصلية لمخاطر عودتهم بكل استعداد أمني، وتتوجس خيفة من كل من يمكن أن يكون مشتبهاً به، أكان مواطناً أصلياً أو مهاجراً، وقد قامت ألمانيا بعد قرار المحكمة العليا بتهجير عدد من اللاجئين لشبهة الإرهاب خلال الأسابيع القليلة الماضية.
إن أوضاع المقاتلين الأجانب أخطر بكثير من المواطنين المحليين، فالأخيرون يمكن إدماجهم أو اندماجهم واختفاؤهم وسط مجتمعاتهم، هذا ما حدث بعد تحرير الموصل في يونيو سنة 2017 بعد سقوط سرت بيد قوات مصراتة في ليبيا في أكتوبر الماضي، ويبدو أنه ما سيحدث في سوريا بعد الرقة ولكن المقاتلين الأجانب أمامهم إما العودة لبلدانهم وإما مواصلة الحرب إن استطاعوا أو الاستسلام.
يبدو أن الموقف صعب وتضاربت الأنباء بخصوص الأجانب، ورغم ظهور تقارير كثيرة تشير إلى خروج بعض المقاتلين الأجانب في إطار الاتفاق الأخير وتصريحات بعض المسؤولين المحليين في الرقة، فإن المجلس المدني بالرقة، الذي يضم ممثلين عن العشائر، في 15 أكتوبر 2017، نفى خروج هؤلاء وأكد أن «المقاتلين الأجانب ليسوا ضمن اهتمامات المجلس المدني ولجنة العشائر، ولا يمكن الصفح عنهم»، مضيفاً أن «المستسلمين هم فقط سوريون وعددهم مع عوائلهم 275 شخصاً».
ولن يتكرر هذا المرة اتفاق «حزب الله» و«داعش» على السماح لمجموعات من مقاتلي «داعش» للدخول إلى الحدود السورية مع العراق، رغم رفض العراق وإعلان تحفظه والنقد الدولي لهذا التصرف الغريب، وهو ما حدا بالتحالف الدولي للحرب على «داعش» على لسان المتحدث باسمه العقيد رايان ديلون، غداة «تحرير الرقة» أن يؤكد أن «التحالف لن يسمح للمقاتلين الأجانب في (داعش) بمغادرة الرقة»، بما يعني - كما ذكر تحليل لمركز المستقبل للدراسات المتقدمة في أبوظبي - أن القوى الدولية المنخرطة في الحرب ضد التنظيم تبدي اهتماماً خاصاً بتلك القضية، التي ترى أنها فرضت تداعيات مباشرة على أمنها خلال المرحلة الماضية، بعد العمليات الإرهابية التي وقعت في كثير من العواصم الغربية، على غرار باريس وبروكسل ولندن. ويبدو أن ذلك سوف يسهم بدوره في تحديد الخيارات المتاحة أمام المقاتلين الأجانب الذين ما زالوا موجودين داخل الرقة.
إن الجميع يتوجس خيفة من عودة المقاتلين الأجانب الذين يتميزون بكفاءات عالية، وبعضهم من قيادات «داعش» الأساسية، والأكثر قدرة على تنفيذ عمليات إرهابية غير تقليدية كالعمليات الانتحارية أبرز ما استخدمه التنظيم من أسلحة، أو قدرتهم على التجنيد والتشبيك كدور يوسف الهندي وزير صحة «داعش» الذي ظهر في فيديو له قبل فترة ويدعى «أبو مقاتل الهندي»، الذي جند عددا كبيرا من الأطباء من الهند وباكستان وسريلانكا للعمل مع القطاع الصحي لـ«داعش»، ويعتبر مع طبيب هندي آخر من ولاية كيرلا المسؤول الرئيسي عن عدد من عمليات «داعش» في الهند خلال الأسابيع الأخيرة.
ولم تكن العمليات الإرهابية التي نفذها «داعش» في أوروبا وخاصة فرنسا والولايات المتحدة وغيرها إلا عبر عدد من المقاتلين الأجانب الذين تمكنوا من العودة لبلدانهم الأصلية، كما تعاني مصر من عودة بعض المقاتلين المنسوبين لـ«داعش» من ليبيا ومن سوريا والعراق. إن الجميع يتحسب ويشعر بالخطر من عودة المقاتلين الأجانب كما يشعر به جبهات عدائهم في الداخل السوري والعراقي.

ثلاثة بدائل ضيقة جداً
حدد «مركز المستقبل للدراسات المتقدمة» في أبوظبي عددا من البدائل الضيقة، لمصير المقاتلين الأجانب في سوريا بعد تحرير الرقة، انطلاقا من حرص «قوات سوريا الديمقراطية» على تأمين تحريرها وأمان خطر فلول «داعش»، في مسارات ثلاثة تمثل خيارات محدودة وبدائل ضيقة للتنظيم هي كما يلي حسب التحليل المشار إليه:
1 - مواصلة الانخراط في مواجهات مسلحة: خاصة في ضوء الأهمية الخاصة التي يبديها بعض مقاتلي التنظيم لمحافظة الرقة تحديداً، التي مثلت المعقل الرئيسي للتنظيم وعاصمته، بشكل سوف يدفع الكثير منهم إلى تفضيل البقاء داخل المدينة على الخروج منها إلى مناطق أخرى يسيطر عليها التنظيم. بل إن بعضهم قد يستمر في قتال عناصر ميليشيا «قسد» تجنباً للوقوع في الأسر.
2 - الهروب من المدينة: ربما يحاول بعض المقاتلين الأجانب الهروب من المدينة والانتقال إلى المناطق الأخرى التي يوجد بها التنظيم أو إلى أي منطقة أخرى، خاصة أن بعضهم لم ينضم إلى الأخير بسبب توجهاته الفكرية، وإنما لاعتبارات أخرى يأتي في مقدمتها الحصول على موارد مالية. ومن هنا، فإن هذا الفصيل قد يسعى إلى تجنب خياري الأسر أو القتل، من خلال العمل على البحث عن مسارات للخروج من المدينة، إلا أنه قد يواجه صعوبات في هذا السياق بسبب الحصار الذي تفرضه ميليشيا «قسد» على المدينة.
3 - الاستسلام لميليشيا «قسد»: لا سيما أن الأخيرة نجحت في السيطرة على معظم أنحاء المحافظة، وقد أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان بالفعل إلى أن ما بين 130 إلى 150 مقاتلاً أجنبياً استسلموا لميليشيا «قسد» قبل انتهاء المعارك. وترجح تقارير كثيرة أن تقوم الميليشيا الكردية بفتح قنوات تواصل مع الدول التي ينحدر منها هؤلاء المقاتلون من أجل البحث في الآليات المتاحة لإعادتهم إليها من أجل محاكمتهم.
لا شك أن ظاهرة «المقاتلين الأجانب» وعودتهم أو «العائدين من مناطق الصراع»، تهدد العالم أجمع، وليس فقط أعداءهم المحليين، وقد انتبه الاتحاد الأوروبي لذلك في أكثر من مرة خلال الشهور الماضية حسب عدد من التقارير، ولكن نظن أن فلول «داعش» التي فقدت كل أساس جاذبية لها، المكان والزمان، سيكونون أقل خطرا من العائدين من أفغانستان عقب الجهاد الأفغاني أو فروع «القاعدة» التي لم تستغرق ولم تعد منسوبيها بمثل ما ادعت «داعش»، ويبدو أن دراسة مكتب مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة الأخيرة تثبت أن جميع من عادوا هم في مرحلة المراجعة والندم أكثر منهم في مرحلة التحفز لعمليات جديدة، بعد سقوط التنظيم ودولته المزعومة، ولكن لا ينفي هذا الاستعداد لاحتمال الخطر.


مقالات ذات صلة

الجيش الأميركي: مقتل اثنين من «داعش» في ضربة بسوريا

المشرق العربي صورة من شريط فيديو لغارة جوية أميركية على مستودع أسلحة في شرق سوريا 8 نوفمبر 2023 (أ.ب)

الجيش الأميركي: مقتل اثنين من «داعش» في ضربة بسوريا

قال الجيش الأميركي إنه نفذ ضربة جوية في سوريا قتلت اثنين من عناصر تنظيم داعش الإرهابي وأصابت آخر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في سوتشي بروسيا... 29 سبتمبر 2021 (رويترز) play-circle 02:04

إردوغان: نجري حوارا وثيقاً مع أحمد الشرع

قال إردوغان إنه «لا مكان في مستقبل سوريا لأي منظمة إرهابية بما في ذلك (داعش) وحزب العمال الكردستاني»، مضيفا أن نهج تركيا الثابت هو حماية وحدة الأراضي السورية.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
المشرق العربي عناصر من الجيش الوطني السوري في شرق حلب (أ.ف.ب)

​اشتباكات عنيفة حول عين العرب ومخاوف من تفاقم الوضع الإنساني

وقعت اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة بين «قسد» وفصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا بعد هجومين متزامنين نفذتهما الفصائل على محوري سد تشرين وجسر قره قوزاق

سعيد عبد الرازق (أنقرة )
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يترأس اجتماعاً لقيادات الأجهزة الأمنية والعسكرية في محافظة نينوى (رئاسة الوزراء)

السلطات العراقية تراقب محاولات لتسويق «داعش»

بعد أيام من رفع علم تنظيم «داعش» في إحدى قرى محافظة كركوك شمال بغداد، رصدت القوات الأمنية الاثنين في بغداد عبارات تمجد التنظيم الإرهابي.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي القائد العام للإدارة السورية أحمد الشرع مستقبلاً فيدان في مستهل زيارته لدمشق (رويترز) play-circle 00:32

تركيا تدعم دمشق سياسياً... وتتأهب عسكرياً ضد «الوحدات الكردية»

زار وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، دمشق، والتقى قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، وبالتزامن أجرى وزير الدفاع التركي جولة تفقدية على الحدود.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.