تناول الطعام خارج المنزل... وجودة التغذية

تناول الطعام خارج المنزل... وجودة التغذية
TT

تناول الطعام خارج المنزل... وجودة التغذية

تناول الطعام خارج المنزل... وجودة التغذية

تشهد مناطق العالم المختلفة ارتفاعاً في معدلات تناول وجبات الطعام خارج المنزل، كما تشهد المنازل ارتفاعاً في معدلات تناول الأطعمة التي يتم جلبها من المطاعم مباشرة. وبالمقابل، تتنوع مرافق تقديم الطعام خارج المنزل، منها منافذ تقديم الوجبات السريعة، ومنها المطاعم الكلاسيكية كالصينية والإيطالية والهندية والشعبية، ومنها كذلك المقاهي والعربات وغيرها.
وكانت التأثيرات الصحية لتناول الطعام في تلك المرافق محل دراسة الباحثين من جامعة كمبردج، وهو ما يتم نشر نتائجه ضمن عدد نوفمبر (تشرين الثاني) القادم من المجلة الأميركية للطب الوقائي American Journal of Preventive Medicine.
إن «نظام التغذية» Diet هو السلوك الحياتي الأكثر تأثيراً في المساهمة بخفض أو رفع احتمالات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية ومرض السكري وأنواع معينة من الأمراض السرطانية وحالات مرضية مزمنة أخرى كالسمنة وارتفاع ضغط الدم واضطرابات الكولسترول. وبالمقارنة مع سبعينات القرن الماضي، تضاعفت معدلات انتشار السمنة وزيادة الوزن في جميع مناطق العالم، ورافق هذا الانتشار، انتشار التغذية السيئة المفتقرة إلى العناصر الغذائية المفيدة والمحتوية بشكل مُركّز على كميات أكبر من طاقة كالورى السعرات الحرارية.
وفي واقع الحال اليوم، تبقى السمنة والتغذية السيئة هما التحدي الأقوى لجهود الحفاظ على مستوى جيد للصحة العامة وجهود نجاح الوقاية من مجموعة مهمة من الأمراض المزمنة.
ووصول الإنسان إلى مرحلة تكون فيها تغذيته سيئة هو نتيجة لتأثر تغذيته اليومية بمجموعة من «عوامل الخطورة الغذائية» Dietary Risk Factors التي تشتمل على: تدني تناول الفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة والحليب قليل الدسم والألياف والمكسرات والبذور، والإكثار من تناول كميات كبيرة من اللحوم الحمراء، واللحوم المعالجة صناعياً والسكر الأبيض وعنصر الصوديوم. وبالمقارنة، فإن النظام الغذائي الغني بالفاكهة والخضار ومنتجات الألبان قليلة الدسم، والمنخفض المحتوى نسبياً في الدهون والسكريات، يتوافق مع إسهام التغذية في حفظ معدلات طبيعية للوزن وفي الوقاية من الأمراض.
ومن أفضل ما تم التوصل إليه طبياً في «نهج» التغذية الصحية هو «النهج الغذائي لوقف ارتفاع ضغط الدم» أو ما يُختصر بكلمة «نظام داش الغذائي» DASH Diet، وهو المعتمد طبياً بعدما أثبت جدواه على وجه الخصوص في تحقيق خفض وزن الجسم وخفض مقدار ضغط الدم وخفض احتمالات الإصابة بالسكتة الدماغية والإصابة بمرض السكري.
وبالإضافة إلى «عوامل الخطورة الغذائية» هناك عناصر «جودة نوعية التغذية» Diet Quality، وهي مجموعة من العناصر المعقدة التي بعضها ذا تأثير إيجابي وبعضها الآخر ذا تأثير سلبي على النظام الغذائي للمرء. وأحد تلك العناصر ذات التأثير السلبي على جودة التغذية هو «تناول الطعام خارج المنزل».
وعلى مدى العقود القليلة الماضية، زاد لدى الكثيرين، وبشكل واضح، عدد الوجبات المُتناولة خارج المنزل. ووفق نتائج العديد من الدراسات العلمية حول هذا الأمر، تمت ملاحظة أن هذا السلوك يشمل جميع الفئات العُمْرية، وأنه وثيق الصلة بتدني تناول العناصر الغذائية المفيدة صحياً وارتفاع في تراكم الشحوم بالجسم والتسبب بزيادة معدلات السمنة. وتشير نتائج تلك المراجعات العلمية إلى أن تلك النتائج قد تكون بسبب نوعية الأطعمة التي يتم تقديمها في مرافق تقديم الأطعمة خارج المنزل، والتي هي في غالبها أطعمة ذات محتوى عال من طاقة كالورى السعرات الحرارية، وهو ما أشارت إليه دراسة الباحثين من جامعة كارولينا الشمالية المنشورة عام 2011 في مجلة «بلوز ميديسن» PLoS Med بعنوان: «كثافة الطاقة، حجم الوجبة، وأكل المناسبات: المساهمات في زيادة استهلاك الطاقة في الولايات المتحدة».
ومع ذلك، فإن «مرافق تقديم الطعام خارج المنزل» تمثل مجموعة متنوعة من المرافق، كالمطاعم والمقاهي التي يركز بعضها على تقديم خدمة كلاسيكية بطيئة أو خدمة سريعة، وفق ما يُفضله الزبائن. ولكن مما يُلاحظ أن غالبية الدراسات التي تمت حول هذا الأمر تعاملت بالعموميات مع جميع تلك المرافق لتقديم الأطعمة خارج المنزل، ووصفتها في نتائجها بأنها متجانسة في التسبب بالتأثيرات الصحية السلبية، وهو ما لا يُمكن أن يكون تقييماً واقعياً مفيداً.
كما أن غالبية تلك الدراسات نظرت في جزئيات من عناصر التغذية، كالتركيز على كمية الملح أو الشحوم دون أن تُقيم بشكل شامل جودة نوعية التغذية التي تُقدمها تلك المرافق بالمقارنة مع نهج غذائي صحي معروف ومعتمد طبياً وذا جودة صحية عالية. وتفصيل البحث حول هذه الجوانب في تلك المرافق المتنوعة وتأثيرات تناول الطعام فيها هو موضوع دراسة الباحثين من «مركز المملكة المتحدة للتعاون البحثي السريري لبحوث النظام الغذائي والنشاط» التابع لجامعة كمبردج. وقال الباحثون في مقدمة دراستهم: «الهدف من هذا العمل هو إجراء تقييم لاستهلاك الطاقة من جميع أنواع مرافق تقديم الغذاء خارج المنزل كالمطاعم ومنافذ الوجبات السريعة والمقاهي على وجه التحديد، لدراسة العلاقة فيما بين أطعمتها وبين مستوى الجودة الشاملة للنظام الغذائي ومستوى السمنة».
ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أمرين؛ الأول: أن الإكثار من تناول الطعام خارج المنزل يُؤدي إلى كبر حجم وكمية الطعام المتناول، وهما ما يُؤديان لأن تكون تغذية المرء آنذاك ذات مستوى مُتدنٍ في موافقة عناصر التغذية الصحية المنصوح بها طبياً، والتي أثبتت جدواها في خفض احتمالات الإصابة بالأمراض.
والأمر الثاني: تناول الطعام خارج المنزل من منافذ تقديم المأكولات السريعة بالذات، وبخلاف المقاهي والمطاعم الكلاسيكية، له علاقة وثيقة في ارتفاع معدلات السمنة، كما أن له علاقة أكبر في البُعد عن موافقة متطلبات التغذية الصحية المنصوح بها طبياً. وخلص الباحثون إلى أنه على الرغم من أن زيادة الاعتماد على تناول الطعام بعيداً عن المنزل يرتبط بزيادة السمنة وبتناول أطعمة ذات قيمة صحية أقل، إلاّ أن التدخلات الغذائية العامة التي تستهدف تحسين نوعية الأطعمة في مرافق تقديم الأطعمة قد تكون أكثر فعالية إذا ركزت على تعديل نوعية الأطعمة المُقدمة في منافذ تقديم الوجبات السريعة.


مقالات ذات صلة

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

صحتك أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
صحتك مرض ألزهايمر يؤدي ببطء إلى تآكل الذاكرة والمهارات الإدراكية (رويترز)

بينها الاكتئاب... 4 علامات تحذيرية تنذر بألزهايمر

يؤثر مرض ألزهايمر في المقام الأول على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، ولكن ليس من المبكر أبداً أن تكون على دراية بالعلامات التحذيرية لهذا الاضطراب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

مع بداية فصل الشتاء وزيادة احتمالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي واستمرار الحديث عن الأعراض المزمنة لمرض «كوفيد - 19»....

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
TT

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً يأملون أن يشكل بديلاً لأطقم الأسنان أو عمليات الزرع.

على عكس الزواحف والأسماك التي عادة ما تكون قادرة على استبدال أنيابها، من المعروف على نطاق واسع أنّ البشر ومعظم الثدييات الأخرى لا ينمو في فمها سوى مجموعتين من الأسنان. لكن تحت اللثة ثمة براعم نائمة من مجموعة ثالثة، بحسب رئيس قسم جراحة الفم في المركز الطبي التابع لكلية البحوث الطبية في أوساكا، كاتسو تاكاهاشي.

في أكتوبر (تشرين الأول)، أطلق فريقه تجارب سريرية في هذا المستشفى، موفراً لأشخاص بالغين دواء تجريبياً يقول الفريق الطبي إنّه قادر على تحفيز نمو هذه الأسنان المخفية. ويقول تاكاهاشي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنها تقنية «جديدة تماماً» في العالم.

وغالباً ما يُنظر إلى العلاجات المستخدمة للأسنان المفقودة بسبب التسوس أو الالتهابات على أنها مكلفة وتتطلب تدخلاً جراحياً. ويؤكد تاكاهاشي، قائد المشروع، أن «استعادة الأسنان الطبيعية لها بالتأكيد حسناتها».

وتشير الاختبارات التي أُجريت على فئران وقوارض إلى أن وقف عمل بروتين «أوساغ-1» (USAG-1) يمكن أن يوقظ المجموعة الثالثة من الأسنان، وقد نشر الباحثون صوراً مخبرية لأسنان حيوانات نمت من جديد.

وفي دراسة نُشرت العام الماضي، قال الفريق إن «العلاج لدى الفئران فعّال في تجديد الأسنان، ويمكن أن يشكل اختراقاً على صعيد علاج تشوهات الأسنان لدى البشر».

«ليست سوى البداية»

في المرحلة الراهنة، يعطي أطباء الأسنان الأولوية للاحتياجات «الماسة» للمرضى الذين خسروا ستاً من الأسنان الدائمة أو أكثر منذ الولادة.

ويشير تاكاهاشي إلى أنّ الجانب الوراثي يؤثر على نحو 0.1 في المائة من الأشخاص الذين قد يواجهون صعوبة كبيرة في المضغ، وفي اليابان غالباً ما يمضون معظم مراهقتهم وهم يضعون كمامة لإخفاء الفجوات الواسعة في أفواههم. ويضيف أنّ «هذا الدواء قد يكون نقطة تحوّل لهم»؛ لذلك يستهدف الدواء الأطفال في المقام الأول، ويريد الباحثون إتاحته قبل عام 2030.

ولا يعرف أنغراي كانغ، وهو أستاذ في طب الأسنان لدى جامعة كوين ماري في لندن، سوى فريق واحد آخر يسعى إلى تحقيق الهدف المماثل باستخدام الأجسام المضادة لجعل الأسنان تنمو من جديد أو لإصلاحها.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول الخبير في تكنولوجيا المناعة وغير المنخرط في البحث الياباني، إنّ «مجموعة تاكاهاشي تقود المسار».

ويعتبر كانغ أنّ عمل تاكاهاشي «مثير للاهتمام ويستحق المتابعة»؛ لأنّ دواء للأجسام المضادة يستهدف بروتيناً مطابقاً تقريباً لـ«USAG-1» يُستخدم أصلاً لعلاج هشاشة العظام.

ويضيف: «السباق لتجديد أسنان الإنسان ليس قصيراً، لكنه مجموعة من سباقات الماراثون المتتالية، على سبيل التشبيه». ويتابع: «إنها ليست سوى البداية».

ويرى الأستاذ في علاج جذور الأسنان في جامعة هونغ كونغ، تشينفي تشانغ، أنّ طريقة تاكاهاشي «مبتكرة وتحمل إمكانات».

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «التأكيد على أن البشر يمتلكون براعم أسنان مخفية قادرة على إنتاج مجموعة ثالثة من الأسنان، هو مسألة ثورية ومثيرة للجدل».

ويشير إلى أنّ «النتائج التي لوحظت لدى الحيوانات لا يمكن دائماً ترجمتها بشكل مباشر إلى البشر». ويقول تشانغ إن نتائج التجارب على الحيوانات تثير «تساؤلات بشأن ما إذا كانت الأسنان الجديدة قادرة وظيفياً وجمالياً على أن تحل محل الأسنان المفقودة».

«في قمة السعادة»

يشير تاكاهاشي إلى أنّ موقع السنّ الجديدة في الفم يمكن التحكم به إن لم يكن تحديده، من خلال موقع حقن الدواء.

وفي حال نمت الأسنان في المكان الخطأ فيمكن نقلها عن طريق تقويم الأسنان أو الزرع، على حد قوله.

ولم يشارك أي مريض صغير يعاني من مشكلة خلقية في الأسنان في التجربة السريرية الأولى؛ إذ إن الهدف الرئيس هو اختبار سلامة الدواء لا فاعليته؛ لذا فإن المشاركين في المرحلة الحالية هم بالغون صحتهم جيدة خسروا سناً واحدة على الأقل.

ومع أنّ تجديد الأسنان ليس الهدف الصريح للتجربة هذه المرة، فإن هناك فرصة ضئيلة لحدوث ذلك للمشاركين، بحسب تاكاهاشي.

وإذا نمت أسنانهم، فسيكون الباحثون قد أكدوا أن الدواء فعّال لمَن يعانون من خسارة أسنان، وهو ما سيشكل نجاحاً طبياً. ويقول تاكاهاشي: «سأكون في قمة السعادة في حال حدث ذلك».

وقد تلقى هذه الأنباء ترحيباً خاصاً في اليابان التي تضم ثاني أعلى معدّل من السكان في العالم. وتظهر بيانات وزارة الصحة أن أكثر من 90 في المائة من الأشخاص الذين تتخطى أعمارهم 75 عاماً خسروا سنّاً واحدة على الأقل.

ويقول تاكاهاشي: «ثمة توقّعات عالية بأن تكون تقنيتنا قادرة بشكل مباشر على إطالة متوسط العمر الصحي المتوقع».