الدخول إلى مدينة الفن

من أعمال الفنان العراقي حسن آل سعيد
من أعمال الفنان العراقي حسن آل سعيد
TT

الدخول إلى مدينة الفن

من أعمال الفنان العراقي حسن آل سعيد
من أعمال الفنان العراقي حسن آل سعيد

مدينة الفن لا تشبه أي مدينة، فهي مكان مفتوح ومشاع، بلا حراس ولا قوانين زاجرة، بل قوانينها داخلية على ضوء شروط الذائقة والحوار ورعشة الذات، إثر دهشة بسبب نظرة على غاية الحساسية للأثر الجميل الذي لا يخدع الجمهور.
ثمة «وفرة» في النتاج الفني، قد تصيب المتلقي بالحيرة، أمام هذا التنوع من الرسائل المضمرة في الأعمال الفنية، وهي «وفرة» ترتبط، طردياً، بـ«وفرة» منتجي الفنون على اختلاف رؤاهم ومواقفهم، وأسلوب تفاعلهم مع العالم المعقد: العالم الخليط بين الواقع والخيال والجنون.
إنها نوع من «الوفرة النادرة»؛ لأن الجميل نادر في عالم اليوم، ولأنه ناتج من عقل عبقري لا يوجد منه الكثير، وما الجنون الذي يُتهم به الفنانون سوى هذا العقل العبقري الذي اكتشف، فأبدع، شيئا، لم يُر مثله سابقاً، والحقيقة أن الجنون «تهمة جاهزة» بحق الفنانين، تطلق عليهم بسبب من غرابة أطوارهم عند عامة الناس «العقلاء» وطريقتهم في أسلوب حياتهم ولغتهم وإيماءاتهم العلنية والسرية.
لكن هذا لا يردع الشغف الواسع بالفنون لدى كثير من الناس، إنما هو أحد مثيرات الفضول البشري للاقتراب من «مدينة الفن» ومحاولة الدخول إليها والتمتع بغرائبها المدهشة والمحفزة على السؤال الجمالي وحيرته. ردود أفعال الناس متباينة، حسب تربية كل منهم ومعتقداته وردة فعله، ليتشكل نوع من «النقد الصامت» غير المعبر عنه، مثل تلك الأفكار التي تختزنها الموسيقى على شكل «أفكار نغمية».
حتى أن البعض يرى هذه المدينة وكأنها محاطة بالأسوار الحصينة، فيتردد ويعود أدراجه محبطاً؛ لأنه لم ير الأبواب، بل رأى الأسوار، حسب.
سكان «مدينة الفن» قوم من مختلف الأجناس والأعمار والأذواق والاشتغالات، لتأكيد تنوع الفنانين ومعجبيهم، في آنٍ، فهي مدينة:
«مفتوحة للجميع. هناك على الشرفة يخطو عالم الآثار، جيئة وذهاباً، بمقياسه الشريطي، وفي الزقاق صبي مراهق، يلوح ويختفي، جاد النظرات. هناك جمهور يدخل إلى الكاتدرائية، وفي مصرف الأزمان عالم النقود القديمة وهو يجلو قطعاً من النقد، وفي الحديقة يتسلق الأطفال تمثالاً، بينما يجلس على المقعد المجاور شخص أفريقي تحلّى بالخرز الملون وهو ينحت معبوداً من الخشب، وفي ضريح مصري ثمة عاشقان، فالمدينة تحفل بألوان من الناس يعاملونها كأنها ملك لهم». (-)
استغراق
يحتاج من يروم الدخول إلى مدينة الفن ذلك «الاستغراق» الضروري للاندماج مع معروضات هذه المدينة المتنوعة، من الموسيقى والرسم والتمثيل والرقص والشعر والرواية...إلخ، على أن ثمة من يستغرقه «شرخ على جدار قديم» كما أشار التشكيلي العراقي الراحل شاكر حسن آل سعيد.
هذا «الاستغراق» لا يقتصر على زوار المدينة، ممن يعانون لوعة العشق لكل عمل فني جميل، بل يشمل منتج العمل الجميل، نفسه، واستغراقه مركب لا يبدأ من ذاته وأفكاره فقط، ولا ينتهي عند استغراقه بالمادة الأولية لعمله، مروراً بالطبيعة وكل ما يقع تحت نظره (الاستثنائي) أو يكون طوع يديه، وولد هذا الاستغراق لدى بابلو بيكاسو «تشبعه بالأخضر، بعد أن تنزه في حدائق التويلري (باريس) وعاد إلى البيت ليرسم تجريده خضراء».
لكن ثمة كثيرون يجدون أنفسهم في المكان الخطأ عندما يدخلون، لهذا السبب أو ذاك، معرضاً تشكيلياً أو قاعة للموسيقى، أو عرضاً مسرحياً في الهواء الطلق على رصيف ما من شوارع مدينة الفن، فتراهم حانقين، يعانون ضيق التنفس وهم يَرَوْن إلى ما يحدث أمام، ولا يتوانى بعضهم عن رسم تكشيرة ازدراء، بل إطلاق شتيمة ساخرة.
للناس، إذن، فيما يعشقون مذاهبُ.
تجاور وتقابل
«في مدينة الفن» لا تتجاور الأنواع الفنية، حسب، وهي تتسابق في صناعة الشهقة عند متأملها، إنما ثمة «تقابل» أيضاً، عند الحاجة إلى «حوار» نقدي فني، ولنتخيل أنفسنا في حضرة ثلة من مبدعي العالم الكبار وهم يتحاورون حول تجاربهم الذاتية، أو تجارب غيرهم، في اختبار ما يسميه إيتيان سوريو بـ«الفطنة المبدعة» لبلوغ «الوجود الكامل» لكن سوريو لم يشر إلى نسبية هذا «الوجود الكامل»، فَلَو كان هذا الوجود كاملاً، بالمطلق، لتوقف الفنانون عن البحث والتجديد والإضافة؛ ذلك أن كل مسعى فني ناقص على طريق بلوغ «الوجود الكامل» النسبي. (--)
في تجاور الفنون أو تقابلها، أشار الكثير من معلمينا المختصين والنقاد المتميزين، إلى تلك العناصر المشتركة بين الفنون، كما تشترك الرياح جميعاً، من حيث الجوهر، في مختلف أقاليم الكون، مهما تباينت من حيث الشدة والعصف والهبوب والبرودة والحرارة. يستشهد سوريو بفيكتور هوغو الذي قال: «الريح هي الرياح جميعاً» ليستنتج: «الفن هو الفنون جميعاً».
رغم الطابع المعقد لمثل هذه الأفكار الذي يورط حتى العالم النفساني في أن يدلي بدلوه، عند الحديث عن تجاور الفنون وتقابلها، لكن يمكن تلخيصه بما يلي: إنها ليست دعوة اعتباطية للتشابه بينها، إنما ثمة مشتركات عدة بين الأنواع الفنية لجهة «البنى الثابتة» من حيث: اكتشاف غير المألوف في المألوف في كل عمل فني وإنجازه بطريقة تؤثر بالمتلقي، فلا يعود هو نفسه قبل تلقيه كما بعد تلقيه.
الأمر يتعلق بذائقة كل منا وتربيته وحساسيته.
أنتم تحبون ما لا أحب وأنا أحب ما لا تحبون.
الإجماع من أخلاق القطيع.
اختلافنا دليل حيويتنا لا قطيعيتنا.
مع هذا ثمة مشتركات كثيرة، منها:
الفن نشاط إنساني لموازنة حياتنا المائلة بأي شكل كان، منذ الفن الفطري حتى آخر صرعة فنية.
القسوة لا تليق بالفن ولا بالفنانين ولا بمتلقي الفن عبر عصوره.
أنت صديقي في التذوق حتى لو اختلفنا.
تاريخ الفنون هو الاختلاف والإضافة، والسجال وتعاقب المدارس والرؤى، والشجار والقطيعة المعرفية لا الشخصية.
أحبك مختلفاً بذوق وأريحية واحترام، ونحن على أهبة الدخول إلى «مدينة الفن».

(-) ألكسندر إليوت، آفاق الفن، ترجمة جبرا إبراهيم جبرا.
(--) إيتيان سوريو،
تقابل الفنون، ترجمة
بدر الدين القاسم الرفاعي.



«البحر الأحمر»...3 أفلام تبحر في التاريخ غير البعيد

أمير المصري وبيرس بروسنان في «عملاق» (مهرجان البحر الأحمر)
أمير المصري وبيرس بروسنان في «عملاق» (مهرجان البحر الأحمر)
TT

«البحر الأحمر»...3 أفلام تبحر في التاريخ غير البعيد

أمير المصري وبيرس بروسنان في «عملاق» (مهرجان البحر الأحمر)
أمير المصري وبيرس بروسنان في «عملاق» (مهرجان البحر الأحمر)

نال الفيلمان العربيان «نجوم الأمل والألم» لسيريل عريس، و«اللي باقي منك» لشيرين دعيبس، استحساناً جيداً من جمهور غفير في اليوم الأول من مهرجان البحر الأحمر (الجمعة)، وكلاهما في المسابقة الرسمية.

يُؤلّف «اللي باقي منك» و«فلسطين 36» ثلاثية من الأفلام الجديدة التي وجّهت اهتمامها، وفي الوقت المناسب، إلى الموضوع الفلسطيني، وتمتد أحداثه إلى ثلاثة أجيال متعاقبة، من عام 1948 حتى سنة 2022.

«نجوم الأمل والألم» مؤلَّف أيضاً من 3 محطات زمنية، ونجد فيه حكاية عاطفية - رومانسية في الأساس، مع خلفيات عن الحرب الأهلية وما بعدها ومصائر البيروتيين خلالها.

فيلم الافتتاح، «عملاق»، يتولّى الإعلان عن أنّه قصّة حياة الملاكم اليمنيّ الأصل نسيم، لكن التركيز في الواقع ينصبّ على شخصية المدرّب براندن (بيرس بروسنان)، ويختار أن يمارس قدراً من عنصرية التفكير حول مَن يستحقّ التركيز عليه أكثر: الملاكم العربيّ الأصل أم المدرّب الأبيض.


جورج كلوني: «أسافر دوماً بالقطار»

النجم الأميركي جورج كلوني (رويترز)
النجم الأميركي جورج كلوني (رويترز)
TT

جورج كلوني: «أسافر دوماً بالقطار»

النجم الأميركي جورج كلوني (رويترز)
النجم الأميركي جورج كلوني (رويترز)

عزز الممثل الأميركي جورج كلوني من صورته فيما يتعلق بالبيئة عن طريق السفر بالقطار، سواء كان ذلك أسفل القنال الإنجليزي إلى لندن أو بين باريس وقصره جنوب فرنسا.

وقال النجم السينمائي (64 عاماً) لنسخة نهاية الأسبوع من صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه تسايتونغ» الألمانية: «غالباً ما أستقل القطار بين لندن وباريس، وأسافر بالقطار قطعاً بين إكس-أون- بروفانس وباريس كل أسبوعين».

وأوضح كلوني، الذي أبدى من قبل انحيازه لحماية البيئة: «أسافر دائماً بالقطار».

ويعيش كلوني، الحاصل على جائزتي أوسكار والعديد من الجوائز الأخرى، مع زوجته المحامية الحقوقية أمل كلوني، وابناهما التوأمان إيلا وألكسندر في مزرعة في بروفانس.

وصدر فيلمه «جاي كيلي» على منصة «نتفليكس» الجمعة. ومن بين أشهر أفلامه «أوشنز إليفن» و«سيريانا».


رقصة هندية تلهم الروبوتات تعلّم حركات اليد المعقدة

عرضٌ تجريبيٌّ في المختبر (جامعة ماريلاند)
عرضٌ تجريبيٌّ في المختبر (جامعة ماريلاند)
TT

رقصة هندية تلهم الروبوتات تعلّم حركات اليد المعقدة

عرضٌ تجريبيٌّ في المختبر (جامعة ماريلاند)
عرضٌ تجريبيٌّ في المختبر (جامعة ماريلاند)

استخلص باحثون في جامعة ماريلاند الأميركية بمقاطعة بالتيمور (UMBC) العناصر الأساسية لإيماءات اليد الدقيقة التي يستخدمها الراقصون في رقصة «بهاراتاناتيام» الهندية الكلاسيكية، ووجدوا «أبجدية» للحركة أغنى وأكثر ثراء مقارنةً بمسكات اليد الطبيعية.

ووفق دراستهم المنشورة في مجلة «ساينتفيك ريبورتس» (Scientific Reports)، يمكن لهذا العمل أن يُحسّن كيفية تعليم الروبوتات حركات اليد المعقدة، وأن يُوفر للبشر أدوات أفضل للعلاج الطبيعي.

ركّز رامانا فينجاموري، الأستاذ في جامعة ماريلاند بمقاطعة بالتيمور والباحث الرئيسي في هذا العمل، مختبره على فهم كيفية تحكم الدماغ في حركات اليد المعقدة.

ابتكر فينجاموري نهجاً جديداً لاستخلاص العناصر الأساسية من مجموعة واسعة من إيماءات اليد الدقيقة، المسماة «مودرا»، المستخدمة في الرقص الكلاسيكي الهندي لتعزيز عنصر سرد القصص في هذا الإطار الفني.

ويُطور الفريق البحثي حالياً تقنيات «لتعليم» الأيدي الروبوتية أبجديات الحركات وكيفية دمجها لإنشاء إيماءات يد جديدة، وهو ما يُمثل انحرافاً عن الأساليب التقليدية لتعليم الروبوتات تقليد إيماءات اليد، ويتجه نحو أسلوب جديد لكيفية عمل جسم الإنسان ودماغه معاً.

ويختبر الباحثون هذه التقنيات على يد روبوتية مستقلة وروبوت بشري، يعمل كل منهما بطريقة مختلفة ويتطلَّب نهجاً فريداً لترجمة التمثيلات الرياضية للتآزر إلى حركات جسدية.

يقول فينجاموري: «الأبجدية المُشتقة من مودرا أفضل بالتأكيد من أبجدية الفهم الطبيعي لأنها تُظهر قدراً أعلى من البراعة والمرونة».

وأضاف في بيان نُشر الخميس: «عندما بدأنا هذا النوع من الأبحاث قبل أكثر من 15 عاماً، تساءلنا: هل يُمكننا إيجاد أبجدية ذهبية يُمكن استخدامها لإعادة بناء أي شيء؟».

ووفق نتائج الدراسة يمكن استخدام هذا المفهوم لتفكيك تنوع مذهل من الحركات إلى عدد محدود من الوحدات الأساسية.

بحث الفريق عن العناصر الأساسية لحركات اليد وفهرستها (ساينتفيك ريبورتس)

وقبل أكثر من عقد من الزمان، بحث فينجاموري وشركاؤه عن العناصر الأساسية لحركات اليد وفهرستها، بالاعتماد على مفهوم يُسمى التآزر الحركي، إذ يُنسّق الدماغ حركات مفاصل متعددة باليد في آنٍ واحد لتبسيط الحركات المعقدة.

بدأ فينجاموري وطلابه بتحليل مجموعة بيانات تضم 30 مسكة يد طبيعية، تُستخدم لالتقاط أشياء تتراوح أحجامها بين زجاجات المياه الكبيرة وحبات الخرز الصغير.

اختبر الفريق بعد ذلك مدى قدرة التآزرات المستمدة من الإمساك الطبيعي على الجمع لإنشاء حركات يد غير مرتبطة مقارنةً بالتآزرات المستمدة من المودرا. وقد تفوقت التآزرات المستمدة من المودرا بشكل ملحوظ على تآزرات الإمساك الطبيعي باليد، وفق نتائج الدراسة.

يقول بارثان أوليكال، العضو المخضرم في مختبر فينجاموري الذي يسعى حالياً للحصول على درجة الدكتوراه في علوم الحاسوب: «عندما تعرَّفت على مفهوم التآزر، أصبح لدي فضول كبير لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا استخدامه لجعل اليد الروبوتية تستجيب وتعمل بطريقة اليد البشرية نفسها».

ويضيف: «لقد كان من دواعي سروري أن أُضيف عملي الخاص إلى جهود البحث، وأن أرى النتائج».

يستخدم الفريق كاميرا بسيطة ونظاماً برمجياً للتعرُّف على الحركات وتسجيلها وتحليلها، وهو ما يُسهم بشكل كبير في تطوير تقنيات فعالة من حيث التكلفة يمكن للناس استخدامها في منازلهم.

في نهاية المطاف، يتصوَّر فينجاموري ابتكار مكتبات من الأبجديات المُخصصة لمهام روبوتية مُحددة، يُمكن استخدامها حسب الاحتياجات، سواءَ كان ذلك إنجاز الأعمال المنزلية اليومية من بينها الطهي أو طيّ الملابس، أو أي شيء أكثر تعقيداً ودقة، مثل العزف على آلة موسيقية.