بالتزامن مع رأس السنة العبرية، التي احتفل بها يهود مصر في معبد عدلي بالقاهرة، أعلن المجلس الأعلى للآثار، مساء الثلاثاء، تسجيل معبد «يعقوب دي منشا»، الكائن بميدان المنشية بمدينة الإسكندرية، في عداد الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية. وتأتي هذه الخطوة بعد أشهر قليلة من قرار وزارة الآثار المصرية ترميم أقدم المعابد اليهودية وأكبرها في الشرق الأوسط «إلياهو حنابي»، أو النبي دانيال، بالإسكندرية.
«هذا القرار يؤكد اهتمام الدولة، وحرص وزارة الآثار، بتسجيل جميع الآثار المصرية التي على أرضها، دون النظر إلى حقبتها الزمنية أو انتمائها العقائدي، سواء كانت مصرية أو قبطية أو يهودية أو إسلامية»، هكذا صرح د. محمد عبد اللطيف، مساعد وزير الآثار لشؤون الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية، موضحاً أن «تسجيل تلك المعابد اليهودية والمقابر اليهودية يجعلها خاضعة لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، وتعديلاته الصادرة في 2010، بالشكل الذي يضمن إشراف الوزارة عليها وحمايتها ومتابعتها من قبل مفتشي الآثار بالوزارة، وتأكيداً على القيمة التاريخية والأثرية للأثر، وما يحمله من تاريخ وحضارة مصر».
كما أشار عبد اللطيف إلى أنه تم اتخاذ القرار فور اطلاع اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية على التقارير العلمية الخاصة بالمعبد، المقدمة من قبل منطقة آثار الإسكندرية، وعرض خريطة المساحة المعتمدة من الإدارة العامة للمساحة والأملاك، وإفادة قطاع المشروعات بالحالة المعمارية والإنشائية الجيدة للمعبد.
من جانبه، اعتبر يوسف بن جاوون، رئيس الطائفة اليهودية بالإسكندرية، أن تسجيل المعابد اليهودية الباقية في الإسكندرية خطوة هامة، حفاظاً عليها من الهدم والتخريب، كما هو حال كثير من المباني التاريخية بها. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كان هناك 20 معبداً في الإسكندرية تنتمي إلى مجموعات ومجتمعات متباينة، ما بين يهود مغاربة وأتراك وإيطاليين وإسبان وفرنسيين ويهود مستعربين. وكان رجال الأعمال، كما هو حال جميع الجاليات في الإسكندرية آنذاك، يقومون ببناء دور العبادة والمدارس والمستشفيات والجمعيات الخيرية»، مضيفاً: «خطوة تسجيل المعبد خطوة جيدة لأنه كان في حالة يرثى لها، ومغلق أمام الزيارة منذ سنوات طويلة، وهو دليل على اندماج اليهود في المجتمع المصري».
وقد تهدم عدد كبير من المعابد اليهودية التي كانت بالإسكندرية، ولم يبقَ منها سوى 8 معابد، ما بين معبد أو كنيس صغير، منها معبد «زاراديل» الذي أنشأته عائلة زاراديل عام 1391، ومقره في شارع عمرام بحارة اليهود في سوق السمك القديمة، والذي كان يحتفظ بمخطوطتين نادرتين للتوراة بالخط الآشوري. ومعبد «إلياهو حزان»، بشارع فاطمة اليوسف بحي سبورتنغ، الذي أنشئ عام 1928، ومعبد «جرين» الذي شيدته عائلة جرين، بحي محرم بك عام 1901.
ومن جانبه، قال محمد متولي، مدير عام آثار الإسكندرية: «إن المعبد عبارة عن مبنى مستطيل الشكل، يحيط به سور حجري له شريط مقسم إلى مربعات. والواجهة الرئيسية للمعبد هي الواجهة الغربية، التي يوجد بها صفان من النوافذ المعقودة بعقد نصف دائري، بكل صف 3 نوافذ يغلق عليها ضلفتان من الخشب بشراعات زجاجية مغشاة بمشبكات معدنية. أما المعبد من الداخل، فهو مقسم إلى قسمين: الأول مستطيل يتوصل إليه من خلال دركاة عن طريق فتحة باب واسعة معقودة بعقد نصف دائري عند قمته، تم عمل سندرة خشبية حديثة. وأرضيات المعبد معبدة بالبلاط، أما السقف فهو مزين بمجموعة من الأقبية المتقاطعة والبرميلية بقاعة الطقوس الدينية وأسقف مسطحة بالغرف الموجودة بداخل المعبد، بالإضافة إلى قاعة الطقوس المقسمة إلى 3 أروقة عمودية، ويتصدر المذبح الضلع الشمالي لقاعة الطقوس الدينية الذي يتكون من منصة رخامية».
ويقع المعبد في قلب ميدان المنشية، بالقرب من مقر القنصلية الفرنسية القديم، وقد شيده البارون يعقوب دي منسى Menasce 1807) – 1887)، وتنطق في مصر «منشا»، وهو من أصول إسبانية تنتمي لليهود السفارديين. وكان من كبار رجال الصرافة والبورصة، ومقرباً من الخديوي إسماعيل، وقد شارك في تأسيس البنك العثماني المصري، الذي لا يزال مقره موجوداً بالمنشية أيضاً، بجوار محكمة الحقانية، وارتبط نشاطه التجاري الكبير في مصر وأوروبا بكثير من شركات ومشاريع عائلات قطاوي وسوارس.
ومنح يعقوب دي منَسَّى الحماية النمساوية. وفي سنه 1875، حصل على لقب البارونية والجنسية النمساوية المجرية، تقديراً للخدمات التي قدمها للتجارة النمساوية المجرية، وترأس الطائفة اليهودية في القاهرة سنه 1869، وبعدها انتقل سنه 1871 للإسكندرية، فأسس المعبد الذي تم تسجيله أخيراً، فضلاً عن عدة مدارس ومقابر. وكان له دور في تأسيس «فيكتوريا كوليدج»، مع أعضاء الجالية اليهودية والإنجليزية بالإسكندرية. وترأس ابنه ديفيد ليفي دي منَسَّى (1830 - 1885) الطائفة اليهودية في الإسكندرية، ومن بعده ابنه جاك (1850 - 1916)، الذي احتفظ بهذا المنصب حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى.
وكانت عائلة دي منشا من أكبر العائلات بالإسكندرية، ويوجد شارع شهير باسمها في حي محرم بك، يضم قصر «البارون فليكس دي منشا»، صاحب الأرض المهداة لبلدية الإسكندرية عام 1936، التي أقيم عليها متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية، الذي كان من أكبر رجال الأعمال في مصر، وتوفى عام 1943، وحالياً تحول القصر إلى مبنى مهمل يضم «مدرسة شدوان» ومدرسة «المشير أحمد بدوي».
تسجيل معبد «منشا» اليهودي بالإسكندرية ضمن الآثار المصرية
عمره يزيد على 150 عاماً
تسجيل معبد «منشا» اليهودي بالإسكندرية ضمن الآثار المصرية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة