الاقتصاد السوداني يتأهب لـ«احتمالية» بقاء العقوبات الأميركية

مباحثات أوروبية ناجحة لدفع عجلة التعاون الثنائي

الوفد السوداني في مجلس أوروبا («الشرق الأوسط»)
الوفد السوداني في مجلس أوروبا («الشرق الأوسط»)
TT

الاقتصاد السوداني يتأهب لـ«احتمالية» بقاء العقوبات الأميركية

الوفد السوداني في مجلس أوروبا («الشرق الأوسط»)
الوفد السوداني في مجلس أوروبا («الشرق الأوسط»)

أكد السودان جاهزية اقتصاده في حالة عدم الرفع الكلي للعقوبات الأميركية، والتي من المرتقب أن يتم البت في شأنها في 13 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، والممتدة منذ 20 عاما.
وخلال الأيام الماضية أجرى أسامة فيصل وزير الدولة بوزارة الاستثمار، مباحثات وصفت بأنها ناجحة، مهدت للتعاون الاقتصادي المشترك بين بلاده ودول الاتحاد الأوروبي كافة. وقال فيصل في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» من بروكسل: «إننا ماضون في فتح آفاق جديدة لنمو الاقتصاد السوداني وتطوره، حتى في حالة عدم الرفع الكلي للعقوبات الأميركية الشهر المقبل»، مشيرا إلى أن الخطوات التي اتخذتها حكومته وقطاعها الخاص لإعادة هيكلة جهازها الاقتصادي، كفيلة بتجاوز الحصار وتبعاته.
ويقود الوزير السوداني منذ ثلاثة أيام، وفدا من وزارة المالية وبنك السودان المركزي وممثلين للقطاع الخاص والشركات الكبرى في البلاد، وعدد من المستثمرين ورجال وسيدات الأعمال. وعقد الوفد مباحثات مكثفة في أربعة من دول الاتحاد الأوروبي، هي فرنسا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا.
ووفقا للوزير، فإن الزيارة التي شملت رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي والقطاع الخاص في نحو أربع دول، قد وجدت ترحيبا كبيرا من الأوروبيين، وتم التباحث مع وزارة مالية الاتحاد ومؤسساته، حيث عرض عليهم الوفد إمكانية وفرص الاستثمار والتعاون الاقتصادي مع السودان.
كما عرض الوفد السوداني على الأوروبيين التطورات الاقتصادية والسياسية التي تشهدها البلاد حاليا، وإلى أي مدى يمكن أن يلعب القطاع الخاص السوداني دورا كبيرا في قيادة الاستثمارات الأجنبية واقتصاد البلاد.
وأعلن الوزير التوصل مع المسؤولين الأوروبيين إلى أربعة اتفاقات ومحاور لتطوير التجارة والتعاون الاقتصادي بين الجانبين، شملت قيام شراكات ذكية بين القطاع الخاص السوداني ونظيره في دول الاتحاد خاصة فرنسا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا، وقيام آلية بين الطرفين لجذب واستقطاب الشركات الأوروبية إلى السودان، وأن يقوم الأوروبيون بتدريب كوادر القطاع السوداني في الدخل والتي تضم أكثر من 20 غرفة تجارية وشعبة متخصصة.
كما تضمن الاتفاق، والذي يبدأ سريانه الشهر المقبل متزامنا مع موعد الرفع الكلي للعقوبات الأميركية، رفع التبادل التجاري بين السودان ودول الاتحاد الأوروبي، حيث لا يتعدى حجمها حاليا مليار دولار، بينما كان قبل سنين الحصار أكثر من عشرة مليارات دولار.
ووفقا للوزير، فإن رفع التبادل التجاري مع الدول الأوروبية سيتم خلال الفترة القليلة المقبلة، حيث سيتم دعم وإسناد الاستثمارات الأوروبية الموجودة حاليا في السودان، ومنها شركات فرنسية وإيطالية وألمانية وسويدية تعمل في توطين التقنية الأوروبية وشركات أخرى تعمل في مجالات مختلفة مثل النفط والتعدين والسياحة، بجانب شركات من الدنمارك وعدد من الدول الأخرى التي لديها مشاريع استثمارية واستراتيجية في السودان.
وكشف فيصل لـ«الشرق الأوسط» أن التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي سيوفر التقنيات والتكنولوجيا التي تفتقرها البلاد، مما يعني أن بلاده يمكن أن تستغني عن أميركا، التي يتعثر الاستفادة من تقنياتها في ظل الحصار.
وحول موقف الاتحاد الأوروبي ومؤسساته المالية من التصنيفات الدولية والعالمية للسودان، وهي التقييمات التي أدت إلى تدني مراتبه في قضايا مثل مكافحة الفساد وغسل الأموال ومؤشرات الاستثمار، بين الوزير أن الوفد السوداني شرح للأوروبيين بشفافية المعالجات التي تمت في هذه القضايا، وصدور مؤشر أعمال في السودان لكافة الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية في البلاد، بجانب الانتصارات التي حققها أخيرا في عدد من المحافل الدولية، مثل المنظمة العالمية للسياحة التي حظي فيها الخرطوم الأسبوع الماضي بمنصب أفريقيا في اللجنة.
وخرج السودان قبيل شهرين من قائمة الدول العشر الأكثر مخاطرة في غسل الأموال، وشرع منذ شهرين في تطبيق برنامج لمكافحة الفساد في الشركات الحكومية، حيث اتفق مع الغرفة التجارية الأميركية على برنامج كبير في هذا الصدد ينطلق في يوليو (تموز) المقبل.
وأضاف الوزير أن هناك برنامجا حاليا مع البنك الدولي لمكافحة الفساد ودعم القطاع الخاص. وزارت وفود من البنك الدولي السودان مرات عديدة، وقدمت برامج منوعة في دعم اقتصاد البلاد في المحافل الدولية ومؤسسات التمويل العالمية، بجانب استيفائه لشروط إعفاء ديون الأقل نمو المعروفة بـ(هيبك).
وحول جاهزية اقتصاد السودان داخليا، في حالة عدم رفع الكلي للعقوبات، أوضح الوزير أن الدولة رتبت نفسها من الداخل من النواحي التشريعية والتنظيمية لجميع الأعمال التجارية والاستثمارية في البلاد، بحيث تضمن تقدم وانتعاش الاقتصاد السوداني في حال عدم الرفع الكلي للعقوبات الاقتصادية.
كما ينفذ السودان حاليا برنامجا ليصبح القطاع الخاص السوداني هو رائد الاستثمارات والتجارة، وشريكا في كافة أعمال الحكومة الاقتصادية وخططها، بجانب وزارة المالية وبنك السودان المركزي. ويتم الآن تشكيل مجلس مشترك بين اتحاد أصحاب العمل والقطاع الاقتصادي في الدولة، للتنسيق في كافة الأعمال التجارية والتنموية والاستثمارية في البلاد.
وقال الوزير إن الدولة لديها رغبة كبيرة في دعم القطاع، ويجري حاليا إجراء تعديلات في قانون الاستثمار ليواكب المرحلة المقبلة في حالة عدم رفع العقوبات، وتركز التعديلات الجديدة، والتي تم الفراغ منها فنيا ورفعت للجهات التشريعية، على تقديم المزيد من التسهيلات والإعفاءات للمستثمرين الجدد الذين ينوون الدخول للسودان، والذين أبدوا رغبات في ذلك عبر مشاركة السودان في عدد من المحافل الاقتصادية الدولية، أو زاروا السودان خلال فترة الرفع الجزئي للعقوبات في يناير (كانون الثاني) الماضي.
ووفقا للوزير السوداني فإن مسألة الرفع الكلي للعقوبات قضية داخلية لدى الجانب الأميركي للبت فيها إيجابا أو سلبا، لكن الرفع الجزئي الذي حدث بموجب قرار الرئيس السابق باراك أوباما في الثاني من يناير، يعتبر هو الرفع للقيود المالية والتجارية التي كانت تفرضها الولايات المتحدة على السودان.
وأضاف الوزير أن قرار رفع العقوبات الجزئي أحدث انفراجا كبيرا للسودان في تواصله مع العالم وبيوت التمويل والصناديق العالمية، ويشهد السودان حاليا تدفقات استثمارية عالمية في مختلف المجالات خاصة تعدين الذهب والأحجار الكريمة، بجانب طرحه حاليا للاستثمار الدولي لعشرة مشاريع في مجال النفط والغاز وأخرى مثلها في قطاع السياحة.
ولم يستبعد الوزير أسامة فيصل أن يكتمل سيناريو الرفع الكلي للعقوبات في الموعد والزمان المحددين، وقال إن الولايات المتحدة وافقت الأسبوع الماضي على فتح حساب للبنك الزراعي في واشنطن، مما سيفتح الباب أمام مراسلي بنوك العالم للتعامل عبر هذا البنك. كما شرعت بنوك ومؤسسات دولية في التعامل المباشر مع السودان عقب مرحلة الرفع الجزئي للعقوبات.



الاقتصاد البريطاني ينكمش بشكل غير متوقع بـ0.1 % في أكتوبر

ريفز في مركز التحكم خلال جولة في مستشفى مايدستون جنوب شرقي إنجلترا (أ.ف.ب)
ريفز في مركز التحكم خلال جولة في مستشفى مايدستون جنوب شرقي إنجلترا (أ.ف.ب)
TT

الاقتصاد البريطاني ينكمش بشكل غير متوقع بـ0.1 % في أكتوبر

ريفز في مركز التحكم خلال جولة في مستشفى مايدستون جنوب شرقي إنجلترا (أ.ف.ب)
ريفز في مركز التحكم خلال جولة في مستشفى مايدستون جنوب شرقي إنجلترا (أ.ف.ب)

انكمش الاقتصاد البريطاني بنسبة 0.1 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول)، في الفترة التي سبقت أول موازنة للحكومة الجديدة، وهو أول انخفاض متتالٍ في الناتج منذ بداية جائحة «كوفيد - 19»، مما يؤكد حجم التحدي الذي يواجهه حزب العمال لتحفيز الاقتصاد على النمو.

فقد أظهرت أرقام مكتب الإحصاء الوطني أن الانخفاض غير المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي كان مدفوعاً بتراجعات في البناء والإنتاج، في حين ظلَّ قطاع الخدمات المهيمن راكداً.

وكان خبراء الاقتصاد الذين استطلعت «رويترز» آراءهم يتوقَّعون نمو الاقتصاد بنسبة 0.1 في المائة. ويأتي ذلك بعد انخفاض بنسبة 0.1 في المائة في سبتمبر (أيلول) ونمو بطيء بنسبة 0.1 في المائة في الرُّبع الثالث من العام، وفقاً لأرقام الشهر الماضي.

وقال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الأسبوع الماضي، إن «هدف الحكومة هو جعل المملكة المتحدة أسرع اقتصاد نمواً بين دول مجموعة السبع، مع التعهد بتحقيق دخل حقيقي أعلى للأسر بحلول عام 2029».

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (إ.ب.أ)

لكن مجموعة من الشركات قالت إنها تخطِّط لإبطاء الإنفاق والتوظيف بعد موازنة حزب العمال في أكتوبر، التي تضمَّنت زيادات ضريبية بقيمة 40 مليار جنيه إسترليني.

وقال خبراء اقتصاديون إن الانكماش الشهري الثاني على التوالي في الناتج المحلي الإجمالي يعني أن الاقتصاد نما لمدة شهر واحد فقط من الأشهر الخمسة حتى أكتوبر، وقد يعني ذلك أن الاقتصاد انكمش في الرُّبع الرابع ككل.

وقالت وزيرة الخزانة راشيل ريفز، إن الأرقام «مخيبة للآمال»، لكنها أصرَّت على أن حزب العمال يعيد الاقتصاد إلى مساره الصحيح للنمو.

أضافت: «في حين أن الأرقام هذا الشهر مخيبة للآمال، فقد وضعنا سياسات لتحقيق النمو الاقتصادي على المدى الطويل، ونحن عازمون على تحقيق النمو الاقتصادي؛ لأنَّ النمو الأعلى يعني زيادة مستويات المعيشة للجميع في كل مكان».

واشتكت مجموعات الأعمال من أن التدابير المعلنة في الموازنة، بما في ذلك زيادة مساهمات التأمين الوطني لأصحاب العمل، تزيد من تكاليفها وتثبط الاستثمار.

وانخفض الناتج الإنتاجي بنسبة 0.6 في المائة في أكتوبر؛ بسبب الانخفاض في التصنيع والتعدين والمحاجر، في حين انخفض البناء بنسبة 0.4 في المائة.

وقالت مديرة الإحصاءات الاقتصادية في مكتب الإحصاءات الوطنية، ليز ماكيون: «انكمش الاقتصاد قليلاً في أكتوبر، حيث لم تظهر الخدمات أي نمو بشكل عام، وانخفض الإنتاج والبناء على حد سواء. شهدت قطاعات استخراج النفط والغاز والحانات والمطاعم والتجزئة أشهراً ضعيفة، وتم تعويض ذلك جزئياً بالنمو في شركات الاتصالات والخدمات اللوجيستية والشركات القانونية».

وقال كبير خبراء الاقتصاد في المملكة المتحدة لدى «كابيتال إيكونوميكس»، بول ديلز، إنه «من الصعب تحديد مقدار الانخفاض المؤقت، حيث تم تعليق النشاط قبل الموازنة».

وأضاف مستشهداً ببيانات مؤشر مديري المشتريات الضعيفة: «الخطر الواضح هو إلغاء أو تأجيل مزيد من النشاط بعد الميزانية... هناك كل فرصة لتراجع الاقتصاد في الرُّبع الرابع ككل».

وأظهرت الأرقام، الأسبوع الماضي، أن النمو في قطاع الخدمات المهيمن في المملكة المتحدة تباطأ إلى أدنى معدل له في أكثر من عام في نوفمبر (تشرين الثاني)؛ حيث استوعبت الشركات زيادات ضريبة الأعمال في الموازنة.

ريفز في مركز التحكم خلال جولة في مستشفى مايدستون جنوب شرقي إنجلترا (أ.ف.ب)

وسجَّل مؤشر مديري المشتريات للخدمات في المملكة المتحدة الذي يراقبه من كثب «ستاندرد آند بورز غلوبال» 50.8 نقطة في نوفمبر، بانخفاض من 52.0 نقطة في أكتوبر.

وفي الشهر الماضي، خفَض «بنك إنجلترا» توقعاته للنمو السنوي لعام 2024 إلى 1 في المائة من 1.25 في المائة، لكنه توقَّع نمواً أقوى في عام 2025 بنسبة 1.5 في المائة، مما يعكس دفعة قصيرة الأجل للاقتصاد من خطط موازنة الإنفاق الكبير لريفز.