مر الأسبوع الأول من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي بسلاسة. المهرجان الإيطالي الأقدم حول العالم تأسس بقرار من موسوليني سنة 1932. انطلقت دورته هذا العام في الـ30 من أغسطس (آب) الماضي، ويستمر حتى الـ10 من سبتمبر (أيلول) الحالي.
الافتتاح، كان أفضل من افتتاح مهرجاني برلين وكان. ومستوى الأفلام المتسابقة حتى الآن أعلى من مستوى أعمال العام الماضي. الإقبال الجماهيري كثيف والنقاد فرحون. وقال مدير المهرجان ألبرتو باربيرا لأعضاء «جمعية مراسلي هوليوود الأجانب» حين التقاهم: «أنا سعيد جداً بما أثارته الأفلام حتى الآن من إعجاب وما زال لدينا للنصف الثاني عدة أفلام أعلم أنها ستنجح في إثارة الإعجاب أيضاً».
إذن، ما هو الجهد الذي بذله المهرجان السينمائي هذا العام ليجعل الدورة أكثر إمتاعاً ونجاحاً من الدورة السابقة؟، سأله أحدنا فرد: «هو الجهد ذاته الذي أبذله على مدار العام. المختلف هو أن الأفلام كانت جاهزة في هذا الوقت من السنة. بعضها لم يكن جاهزاً لمهرجان (كان) وبعضها الآخر كان يريد التوجه إلى فينيسيا لكونها في مطلع موسم الجوائز».
- حكايته حكاية
التوقيت ناجح للغاية. في مثل هذه الأيام تبدأ شركات الإنتاج والتوزيع وشركات البيع ومؤسسات الإعلام الترويجي تنفيذ خططها الموضوعة بشأن الأفلام المتفق عليها. ثلاثة مهرجانات تتقدّم في خط واحد عريض مثل جبهة في فيلم عن الحرب العالمية الثانية: تاليورايد وتورنتو وفينيسيا والأخير يأتي أولاً لكنه مشاركاً على نحو كبير.
إنه المهرجان الوحيد بين الثلاثة الذي يتميّز، لجانب التاريخ الطويل، بالسعة وجدية التناول. الأفلام التي تأتيه هي - غالباً - الأفلام التي تقفز من هنا للمهرجانين الآخرين وإلى الموسم المقبل بأسره. ذلك الموسم الذي يشهد جوائز أكثر من 100 جمعية ومؤسسة سينمائية حول العالم أهمها تتوزع ما بين الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. والأهم من بين هذه الثلاثة الولايات المتحدة وأهم ما في النصيب الأميركي من الجوائز هو الـ«أوسكار» يليه الـ«غولدن غلوبس».
«برلين» يأتي في فبراير (شباط) في أعقاب العاصفة الأولى وقبل العد التنازلي لجوائز الأوسكار. إنه يعزز فقط وجود بعض الأفلام التي وصلت إلى المرحلة الأخيرة من سباق الأوسكار. صندانس الأميركي يرمي بثقله ليعزز الإنتاجات الصغيرة (خارج ستديوهات هوليوود الأولى) وبعضها (كما كان حال «مونلايت» في مطلع هذا العام) يرقد تحت ستار خفي من الصمت حتى يعاود الحياة في موسم الجوائز. أما بالم سبرينغز فهو سعيد بأن يحوز على كثير من الأفلام الأجنبية التي تقدمت بها الدول لـ«أوسكار» أفضل فيلم أجنبي (جنباً لمختارات جيدة من الأفلام الأميركية أيضاً).
«كان» حكايته حكاية. المهرجان الأول في الاستقطاب قد يعرض ما يدخل موسم الجوائز بالفعل (كما حال «هي» لبول فرهوفن في العام الماضي مثلاً) لكنه لا يشكل - بسبب توقيته الربيعي - أي ثقل فعلي في الموسم المذكور.
إلى ذلك، وبالنظر إلى النجاح الكبير لمهرجان فينيسيا على الصعيدين الفني والترويجي، فإن بعض البساط يتم سحبه بهدوء من تحت قدمي «كان». لن يتمكن «فينيسيا» أو سواه من سحب كل البساط، لكنه سيعرض القمّة التي يقف عليها المهرجان الفرنسي إلى بعض الانحسار. وبعض ذلك مردّه الطريقة التي يعالج بها «كان» اختياراته فإذا بها ممولة جزئياً أو كلياً من قبل الشركات الفرنسية ومباعة سلفاً لشركات توزيعها.
الحرية هنا، وفي برلين، أكبر بكثير. الأفلام مثل الثمار على الشجر، إما أن تكون قادراً على قطفها جميعاً أو تحصل على بعضها لأنك لا تستطيع الوصول إلى البعض الآخر. وما حدث في «كان» في دورته الأخيرة عندما عارضت «جمعية صالات السينما الفرنسية» وجود فيلمين من إنتاج «نتفلكس» («أوكجا» و«حكايات مايروفيتز») دليل واضح. صحيح أن المهرجان استكمل برنامجه وعرض هذين الفيلمين، لكنه استجاب لدعوة أصحاب الصالات الفرنسية بعدم عرض أفلام لا عقود لتوزيعها في صالات فرنسا.
هذا لا وجود له هنا. فثلاثة من الأفلام المعروضة في المسابقة وخارجها من إنتاج شركة «نتفلكس» التي توفر العمل الآن لعدد كبير من المخرجين الذين يجدون أنها أسهل في التعامل من المؤسسات الهوليوودية الأخرى. أحد هذه الأفلام هو الفيلم التسجيلي المتسابق «دفق بشري» لآي وايواي الذي صرح قبل يومين بأن كل أرباح فيلمه ستذهب إلى المهجرّين وهم موضوع فيلمه ذاك.
حقيقة أن المهرجان لم يمانع من وجود «نتفلكس» بأي عدد من الأفلام تتم الموافقة عليه، هو كسب للمهرجان الإيطالي وخسارة للمهرجان الفرنسي، ودليل على سياسة الأيدي المربوطة إلى مصالح خارج إدارة «كان».
- تفكيك التنميط
سألت باربيرا حول هذه النقطة من دون ذكر مهرجان «كان» حتى لا يعتقد أنني سأقارن بينهما، كما كتبت أعلاه. قال: «من البداية ذكرت حين سمعت ما حدث أن علينا أن ننظر إلى المسألة من زاوية أخرى. الحقيقة أن «أمازون» و«نتفلكس» يوجهان السينما إلى اتجاه آخر لم يكن مطروقاً. منذ أكثر من مائة سنة الفيلم السينمائي وصالة السينما مثل أصبعين متجاورين في اليد الواحدة. لكن التحولات التي تواجهها السينما اليوم بدخول هاتين الشركتين على خط الإنتاج والعروض المباشرة للمنازل ليست من النوع التي على المهرجانات أن تتدخل فيها. عندي أن المسألة هي مسألة تطورات تقنية والمهرجان ليس هنا لحل مشكلة لا علاقة له بها. المهم هو القيمة الفنية التي يمنحها الفيلم لا فرق بين مصادره وتقنياته».
المسألة تبقى، في حسبان ألبرتو باربيرا قيمة الفيلم بحد ذاته ما ينقلنا إلى مستوى ما عرض حتى الآن. فبعد فيلم الافتتاح «تصغير» الذي كان أول ثلاثة أفلام معروضة هنا بحثاً في المصير المنتظر للأرض، تتابعت الأفلام ومعظمها حظي بردود فعل جيدة بما فيها الفيلم اللبناني «القضية 23». لكن الفيلم الذي أثار الإعجاب الأكبر بين النقاد على الأقل هو «شكل الماء» لغويلرمو دل تورو مع سالي هوكينز في البطولة. الكثيرون يتوقعون له الآن دخول سباق الأوسكار بلا جدال يذكر.
يوم أول من أمس شهد «فيكتوريا وعبدل» الحماس ذاته. وبعد العرض صرّح مخرجه البريطاني ستيفن فريرز أنه ليس من الصدفة بأي مكان أنه حقق هذا الفيلم الآن: «هذا الفيلم موجه ضد سياسة ترمب وهو يهدف إلى تفكيك تنميط المسلمين».
معظم الأفلام التي عرضت حتى الآن، وآخرها «كودا» لريوشي ساكاموتو و«وودشوك» لكيت ولورا موليفي (بطولة كرستن دنست) و«طالب الرفاهية» لباولو فيرزي (مع دونالد سذرلاند وهيلين ميرين).
ومن أهم ما سيلي «ثلاثة ألوان خارج إيبينغ، ميسوري» لمارتن مكدوناف و«الجريمة الثالثة» لكودا - إيدا هوريكازو كما «أم» لعبد اللطيف كشيش.
-- أخبار الأفلام والمهرجانات
إضافة مناخية
> في القسم الجديد «فيرتشوال رياليتي» الذي أسسه المهرجان هذا العام (و«سيدعم بالمزيد من التنظيم في العام المقبل»، حسب قول مدير المهرجان) عرض فيلماً آخر عن الاضطراب البيئي الذي تعيشه الحياة على الأرض بعنوان «غرينلاند تذوب» وهو إنتاج تلفزيوني بيع لمحطة PBS الأميركية ويدور، كما يقترح عنوانه وبنظام الأبعاد الثلاثة، حول التغيير المناخي القائم في النصف الشمالي من الكرة الأرضية.
كمبوديا والبيت الأبيض
> وقف الجمهور في مهرجان «توليارايد» الأميركي مصفقاً بعد أن قامت أنجلينا جولي بعرض فيلمها الجديد «أولاً قتلوا والدي» الذي أنجزته في كمبوديا حول أحداث العنف الرهيبة التي شهدتها تلك البلاد على أيدي الخمير الحمر. هذا هو أول فيلم تسجيلي حققته جولي التي نددت، في المؤتمر الصحافي، بسياسة البيت الأبيض حيال المهاجرين.
كرستيان بايل
> في تليورايد أيضاً يتحدّث الوسط الذي يحضر فعاليات ذلك المهرجان السنوي بأن الممثل كرستيان بايل سيندرج لا محالة بين الأسماء التي سترشح لأوسكار أفضل ممثل، وذلك بعدما شاهد الحاضرون هناك فيلمه الجديد «عدائيات» (Hostiles) وهو وسترن يؤدي فيه بايل دور كابتن في مهمّة إيصال هندي مريض من السجن إلى قبيلته لكي يموت هناك.
«الشيخ جاكسون»
> في مهرجان لندن المقبل سيتم العرض الأوروبي الأول لفيلم عمرو سلامة «الشيخ جاكسون»، وهو الفيلم الذي سيفتتح عروض مهرجان «الجونا» الذي سيقام في الثاني والعشرين من هذا الشهر.
شباك التذاكر
> ما زال الانخفاض الأرضي الرهيب الذي ضرب صالات السينما الأميركية منذ أسبوعين يترك طعماً مرّاً عند الاستوديوهات التي دلقت ما لديها من أفلام أخفقت في تحقيق نتائج مادية ذات شأن. الأسبوع الأخير من شهر أغسطس كان أسوأ أسبوع منذ ثلاثين سنة وأسبوع «عيد العمل» الوطني في الأسبوع المنصرم لم يكن أفضل من سابقه.
«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي (6): «فينيسيا» يتفوق حيث خسر «كان»
ألبرتو باربيرا سعيد بنجاح مهرجانه
«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي (6): «فينيسيا» يتفوق حيث خسر «كان»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة