تأثر التعليم الفلسطيني في قطاع غزة كثيرا بظروف الحصار الإسرائيلي المشدد الذي دخل عامه الحادي عشر على التوالي، وكذلك الانقسام المتواصل بين حركتي فتح وحماس منذ عشرة أعوام، وتراجع الأوضاع الاقتصادية للسكان كأحد الآثار الناجمة والمترتبة بشكل كبير عن الحصار والانقسام اللذين خلفا الكثير من الضرر للفلسطينيين خاصة في غزة التي تتراجع فيها ظروف الحياة يوما عن آخر.
- استهداف إسرائيلي
وتعرضت قطاعات التعليم خاصة المدارس إلى الاستهداف المباشر من قبل الاحتلال الإسرائيلي خلال حروبه الثلاث في قطاع غزة وخاصة الأخيرة في صيف 2014، حيث دمر الاحتلال بطائراته الحربية خمس مدارس بشكل كلي شرق وشمال غزة، وتضررت نحو 182 مدرسة بشكل جزئي وبليغ، حاول الاحتلال عرقلة إعادة إعمار 55 مدرسة منها من بينها المدارس المدمرة كليا إلا أنه تم بناؤها بعد عامين من الحرب.
ومع بداية أحداث الانقسام استنكف المئات من المدرسين عن عملهم خوفا من تعرضهم لقطع رواتبهم خاصة أنه صدر قرار رئاسي من السلطة الفلسطينية بمنع الدوام في الوزارات والمؤسسات الحكومية بعد سيطرة حركة حماس عليها في يونيو (حزيران) عام 2007.
إلا أنه مع مرور الأشهر والأعوام عاد عدد كبير من المدرسين خاصة بعد عام 2011 وتوقيع اتفاق المصالحة بالقاهرة، وعمل أولئك المدرسون إلى جانب مدرسين جدد عينتهم حركة حماس، وهو الأمر ذاته الذي انطبق على القطاع الصحي وقطاعات خدماتية حكومية هامة.
- مناكفات سياسية
يقول معتصم الميناوي مسؤول الإعلام والعلاقات العامة بوزارة التربية والتعليم في قطاع غزة، إن قطاع التعليم لم يكن كباقي القطاعات والوزارات وكان الأقل خسارة رغم بعض التنغيصات على العملية التعليمية لفترات نتيجة الصراع والمناكفات، مشيرا في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن هذا القطاع تأثر بشكل أكبر بتوقف حكومة التوافق عقب تشكيلها عام 2014 عن دفع المصاريف التشغيلية للوزارة بغزة.
وأضاف: «هذا التأثير يلمسه الميدان التربوي بشكل مباشر»، مشيرا إلى أن إحدى الأزمات التي لاحقت المعلمين الجدد بغزة الذين تم تعيينهم عقب استنكاف المعلمين السابقين قبل عودة غالبيتهم، عملية صرف رواتبهم بنسبة 40 أو 50 في المائة وهو راتب يعد بسيطا ويؤثر نفسيا وحياتيا وعلميا على عطاء المعلم والوضع التربوي بشكل عام.
وتابع: «رغم ذلك المعلم يعطي كل شيء لديه رغم تفكيره الدائم بأعباء الحياة والمصاريف التي يحتاجها لمنازله، وكلها ظروف تؤثر على حياته وتثقل من كاهله».
وبشأن الحديث الذي يتردد عن نية السلطة الفلسطينية إحالة المدرسين للتقاعد، أشار الميناوي إلى أنه لم يتم إبلاغهم بأي شيء وأن الموسم الدراسي الجديد بدأ وجميع المدرسين عادوا لدوامهم بشكل طبيعي دون أي تأثر حتى اللحظة، معربا عن أمله في أن يكون ما يرد في وسائل الإعلام مجرد سحابة صيف وأن لا يتم تنفيذ هذا القرار الذي في حال نفذ سيؤثر بشكل كبير على المنظومة التعليمية.
- عرقلة وتدني الرواتب
عن المناهج التعليمية، أشار الميناوي إلى وجود تنسيق كامل ما بين غزة والضفة وكذلك فيما يتعلق ببناء المدارس الجديدة وتوفير الأثاث لها. قائلا: «هناك تنسيق وعمل كخلية نحل، ولكننا نأمل في أن ينتهي الانقسام حتى يكون العمل أفضل للجميع».
وحول تأثير الحصار على المسيرة التعليمية في قطاع غزة، قال الميناوي إن الاحتلال الإسرائيلي عرقل العديد من المشاريع لإعادة بناء المدارس التي دمرها خلال حروبه، كما عمل على منع إدخال كميات من الإسمنت للمدارس التي تضررت سواء بشكل جزئي أو بليغ، مشيرا إلى أن ذلك أثر على إعادة تأهيل بعض المدارس. ولفت إلى أن إحدى أزمات صرف رواتب المعلمين بهذه النسبة التي تصل إلى نحو 50 في المائة فقط، تعود بالأساس إلى فرض الحصار الإسرائيلي المشدد على القطاع ما يؤثر على العملية التعليمية برمتها خاصة أنه يؤثر على الراتب المنخفض على المدرس بشكل مباشر.
وأضاف: «كذلك يتأثر الطلاب بالحصار نتيجة تراجع الوضع الاقتصادي لعوائلهم، خاصة أن عددا كبيرا منهم يعيشون في أجواء نفسية سيئة داخل الفصول المدرسية التي يجب أن تكون مهيأة ومريحة، ولكن عندما يتأثر الطالب بفقر عائلته في بيته يؤثر ذلك عليه في مدرسته وغيرها، ولا يكون في ذات الوضع الذي يشعر به الطالب المنتعش ماديا، وكل ذلك يؤثر على زيادة التحصيل العلمي للطلاب»، مشيرا إلى أن وزارته تبذل جهودا كبيرة من أجل زيادة التحصيل العلمي الموجود أصلا ولكنها تطمح للمزيد ليكون طلاب غزة بأعلى المستويات العلمية، وتعمل من أجل مراعاة الظروف الحياتية لعوائل الطلاب بإعفائهم من الرسوم.
- ظروف اقتصادية صعبة
لوحظ منذ بداية العام الدراسي الجديد الذي بدأ في الثالث والعشرين من الشهر الجاري تراجع عدد الطلاب في المدارس الخاصة نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها عوائل الطلاب. حيث باتت غالبية العوائل تفضل المدارس الحكومية برسومها البسيطة مقابل ما تدفعه للمدارس الخاصة أو مدارس الأونروا المجانية والمفضلة بشكل أكبر للمواطنين خاصة أن عمليات التحصيل العلمي فيها أكبر من المدارس الأخرى نتيجة ما يتلقاه موظفوها من المدرسين وغيرهم من امتيازات على عكس الظروف التي تمت الإشارة إليها في المدارس الحكومية من عدم تمكن صرف رواتب الموظفين الذين عينتهم حماس كاملة، وانخفاض رواتب موظفي السلطة مقارنة برواتب المعلمين التابعين للأونروا.
وقال الموظف الحكومي في السلطة عليان أبو ناصر، إنه اضطر إلى نقل ابنه من مدرسة خاصة إلى مدرسة حكومية، لعدم قدرته على تسديد أقساط تعليمه، بعد الخصومات التي طالت راتبه، وبلغت نحو 50 في المائة، مشيرا إلى أن ما يتبقى من راتبه لا يكاد يكفي لسد احتياجات منزله، من مأكل ومشرب، طوال الشهر.
وأكد أبو ناصر أن عملية نقل ابنه من المدرسة الخاصة إلى المدرسة الحكومية ستوفر عليه مبلغا ماليا كبيرا، وسيخفض من المصاريف اليومية. وما زاد من أعباء الوضع الاقتصادي في غزة إقدام السلطة الفلسطينية على خصم 30 إلى 50 في المائة من رواتب موظفيها ضمن سلسلة إجراءات اتخذتها بهدف معاقبة حماس اقتصاديا. كما قالت.
وأثير مؤخرا في قطاع غزة جدل بشأن نوايا الأونروا تغيير المناهج الدراسية في مدارسها بعد اتهامات من اتحاد العاملين في المنظمة الأممية بنيتها تغيير نحو 2 في المائة من المنهج بما يتعلق بالقضية الفلسطينية خاصة قضايا اللاجئين وحقوقهم. إلا أن الأونروا نفت تلك الأنباء في بيان رسمي لها وأكدت أنها ستحافظ على المنهاج الذي تقدمه السلطة الفلسطينية.
- لمحة عن هيكلية المدارس
في قطاع غزة 714 مدرسة، منها 392 تابعة للحكومة الفلسطينية و267 لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، و55 تابعة للقطاع الخاص. وبعض هذه المدارس تحتوي على فترتين دراسيتين إحداهما صباحية والأخرى مسائية لكثافة أعداد الطلاب خاصة الذين يتوجهون لمدارس الأونروا.
تمثل مدارس الحكومة، عدد 174 مدرسة للذكور بنسبة (44.38 في المائة)، و158 للإناث بنسبة (40.31 في المائة)، و60 مدرسة مشتركة للصغار بنسبة (15.31 في المائة). فيما تمثل مدارس الأونروا، عدد 115 للذكور بنسبة (43.07 في المائة)، و69 للإناث بنسبة (25.84 في المائة)، و83 مشتركة للصغار بنسبة (31.09 في المائة). بينما تمثل مدارس القطاع الخاص عدد 10 مدارس ذكور بنسبة (18.18 في المائة)، و5 إناث بنسبة (9.09 في المائة)، و40 مشتركة بنسبة (72.73 في المائة).
وتلزم المدارس الحكومية الطلاب في قطاع غزة من المراحل الأساسية بدفع رسوم 40 شيكلا (أي ما يعادل أقل من 12 دولارا)، ويمنح الشقيقان تخفيضا لتصبح الرسوم 20 شيكلا فقط (أي ما يعادل أقل من 6 دولارات). بينما المراحل الثانوية تصل الرسوم إلى 70 شيكلا (ما يعادل أقل من 20 دولارا)، وللشقيقين 50 شيكلا (ما يعادل أقل من 14 دولارا).
يسمح لأبناء «الشهداء» والأسرى الدراسة مجانا، وكذلك للحالات الاجتماعية المستعصية في ظل انتشار الفقر المدقع. إلا أنه رغم ذلك يشتكي ذوو الطلاب من الظروف الاقتصادية الصعبة خاصة أن الطلاب يحتاجون قرطاسية بمبالغ مالية لكل طالب تصل إلى نحو 100 شيكل (ما يعادل 28 دولارا) أو ما يزيد عن ذلك في بعض الأحيان. وتفرض في بعض الأحيان رسوما على بعض كتب المناهج خاصة ممن لا يملك مناهج جديدة. إلا أنها تستثني من ذلك الحالات الاجتماعية التي تعيش ظروفا صعبة.
في حين أن الطلاب من اللاجئين الفلسطينيين الذين يتلقون تعليمهم في مدارس الأونروا لا يتم إلزامهم بأي رسوم سنوية، ويمنحون كتب المناهج جميعها مجانا. ومنذ سنوات تلجأ الأونروا مع بداية كل عام دراسي لتوزيع 100 شيكل على كل طالب (ما يعادل 28 دورا)، بالإضافة لتوزيع قرطاسية بسيطة على الطلاب.
فيما يدفع طلاب مدارس القطاع الخاص مبالغ مالية كبيرة سواء للرسوم الدراسية السنوية أو المناهج التعليمية التي يتم تسليمهم إليها، وتختلف تلك الرسوم من مدرسة إلى أخرى بسبب المنافسة فيما بينها. ويبلغ عدد الطلاب في كافة المدارس 523880. منهم 243838 يتلقون تعليمهم في مدارس الحكومة بنسبة (46.54 في المائة)، و261657 في مدار الأونروا بنسبة (49.95 في المائة)، و18385 في مدارس القطاع الخاص بنسبة (3.51 في المائة).
ويمثل عدد طلاب المرحلة الأساسية منهم 427523 بنسبة (81.61 في المائة)، من بينهم 153920 في مدارس الحكومة بنسبة (36 في المائة)، و261657 في مدارس الأونروا بنسبة (61.2 في المائة)، و11946 في المدارس الخاصة بنسبة (2.79 في المائة). فيما يمثل عدد طلاب المرحلة الثانوية 96357 بنسبة (18.39 في المائة) من مجمل الطلاب، منهم 89918 في مدارس الحكومة بنسبة (92.33 في المائة)، في حين لا يوجد للأونروا أي مدارس لهذه المرحلة، بينما في القطاع الخاص يدرس 6439 طالبا بنسبة (6.68 في المائة).
فيما يبلغ عدد المعلمين في تلك المدارس 24424. منهم 13368 في مدارس الحكومة بنسبة (54.73 في المائة)، و9618 في مدارس الأونروا بنسبة (39.38 في المائة)، و1438 في مدارس القطاع الخاص بنسبة (5.98 في المائة). ويصل عدد المعلمين في المرحلة الأساسية إلى 18167 بنسبة (74.38 في المائة)، منهم 7620 في مدارس الحكومة بنسبة (41.9 في المائة)، و9618 في مدارس الأونروا بنسبة (52.94 في المائة)، و929 في مدارس القطاع الخاص بنسبة (5.11 في المائة). بينما يصل عددهم في المرحلة الثانوية 6257 بنسبة (25.62 في المائة). منهم 5748 في مدارس الحكومة بنسبة (91.87 في المائة)، و509 في مدارس القطاع الخاص بنسبة (8.13 في المائة). في حين لا يوجد للأونروا أي مدارس لهذه المرحلة.
واقع التعليم في غزة بين الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني
واقع التعليم في غزة بين الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة