ذهبية مهرجان روما للفيلم الإيطالي «طريق المواصلات الدولي»

جائزة أفضل مخرج للياباني كيوشي كوروساوا عن «الشيفرة السابعة»

ذهبية مهرجان روما للفيلم الإيطالي «طريق المواصلات الدولي»
TT

ذهبية مهرجان روما للفيلم الإيطالي «طريق المواصلات الدولي»

ذهبية مهرجان روما للفيلم الإيطالي «طريق المواصلات الدولي»

جاءت جوائز الدورة الثامنة من مهرجان روما، الذي أسدل ستارته بعد منتصف ليل الـ17 من هذا الشهر، لتمنح السينما الإيطالية بعض ما تحتاجه هذه الأيام من دعم. فالجائزة الأولى ذهبت إلى فيلم «TIR» الذي موّلته شركات إيطالية وكرواتية وأخرجه المخرج الإيطالي ألبرتو فاسولو. وهي الجائزة الوحيدة التي ذهبت إلى السينما الإيطالية، بينما تحلقت الجوائز الأخرى حول أعمال أوروبية وأميركية. فجائزة أفضل مخرج نالها الياباني كيوشي كوروساوا عن «الشيفرة السابعة» وجائزة لجنة التحكيم الخاصة ذهبت لفيلم روماني لم نجد له معنى إنجليزيا لعنوانه الأصلي وهو «Quod Erat Demonstrandum». جائزتا التمثيل ذهبت للأميركيين ماثيو ماكانوفي عن «نادي مشتري دالاس» وسكارلت جوهانسن عن دورها في «her». في حين وجدت اللجنة، التي ترأسها هذا العام المخرج الأميركي جيمس غراي، أن فيلم «أنا لست هو» للتركي تايفون بيريسلموغلو استحق جائزة سيناريو. هذا الفوز الإيطالي بالجائزة الأولى هو الثاني لها على مستوى المهرجانات المحلية الكبيرة، بعدما كانت خطفت جائزة «الأسد الذهبي» في مهرجان «فينيسيا» السابق عن فيلم «Sacro GRA» لجيانفرانكو روزي. كلاهما يستند إلى محاولة قراءة واقع إيطاليا على طريق من السفر وبأسلوب يمزج بين الروائي والتسجيلي. لكن كلا الفيلمين، خصوصا «TIR» (الأحرف الأولى من التعريف الفرنسي «Transport International Route» لمخرج اشتغل على الأفلام التسجيلية سابقا اسمه ألبرتو فاسولو) لن يستطع استثمار هذا النجاح خارج موطنه كون الحكاية محليّة وغير قابلة للسفر إلى ثقافات ودول أخرى. عندما قرر المخرج فاسولو الانتقال إلى الروائي عمد إلى تحقيق هذا الفيلم بنصف قلب لينفّذ واحدا من تلك الأفلام التي من السهل نسيانها بعد حين. كثير من النقاد هنا منحوه درجات متوسّطة وبعضهم استغرب أن تقوم لجنة التحكيم، التي قادها المخرج الأميركي جيمس غراي، بتتويجه بجائزتها الأولى. بطل الفيلم هو سائق شاحنة (يقوم به الممثل البوسني برانكو زافرزان الذي لعب بطولة «أرض لا أحد»، لدنيس دانوفيتش سنة 1987) يعمل لحساب شركة إيطالية عبر الطرق الأوروبية السريعة وعليه في غمار ساعة ونصف الساعة تقريبا، الانتقال عبر الأقاليم والمناطق والحدود بين الدول في قيادة شبه متواصلة. «تير» هو عن وحدة المسافر على الطريق. وهناك كثير من الوقت (كل الفيلم) يمضي ونحن نتابع الممثل يؤدي دور سائق حقيقي. يقود شاحنته والكاميرا على وجهه. يتوقّف أحيانا للحديث إلى سائقي شاحنات أخرى. يتصل بزوجته ليشكو لها وحدة الطريق ويمارس ما يمارسه كل سائق مسافات طويلة من مفارقات طبيعية كالطبخ أو غير طبيعية (كالحقن المخدرة). هذا جميعه على حساب الدراما التي لا تتطور حال تعريفنا به وسماعنا لخلفيته حين يذكّر زوجته أن السبب وراء قبوله هذا العمل هو أنه يجني منها أضعاف ما كان يجنيه كمدرس. لكن لا شيء يتحقق من وراء كل ذلك سوى تسجيل ما يدور لغاية تسجيل ما يدور! هناك إيحاء بالوضع الاقتصادي من خلال خلفية السائق، كما من خلال ذلك الرصد البطيء لأسلوب حياته وطبيعة حمله. هذا الوضع أكثر حضورا في فيلم جيوفاني فيرونيسي الجديد «الدولاب الخامس» الذي يستعرض نحو 45 سنة من الحياة الاجتماعية والسياسية الإيطالية، على غرار ما فعله المخرج الأميركي روبرت زميكيس حين قدّم سنة 1994 فيلمه الآسر «فورست جمب». سرقة لا تتم كذلك الفيلم أيضا، المنحى هنا كوميدي - درامي ومثله بطله (إليو جرمانو) رجل يتسلح بطبيعته البريئة التي لا تتغير وهو ينتقل بها وسط مراحل الحياة حتى خلال الأزمات. في رحلة الفيلم وبطله يطالعنا فيرونيسي بمواقف مأخوذة من أحداث حقيقية، مثل اغتيال رئيس الوزراء الإيطالي اليساري ألدو مورو في الستينات. وفساد الحزب الاشتراكي في التسعينات (فضيحة بتينو كراكسي) قبل أن يصل الفيلم في استعراضه للخلفيات السياسية هذه إلى مرحلة رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني وفضائحه التي سادت الإعلام الإيطالي والعالمي. هذا يخلق جيوب اهتمام أكيد لكنه يبقى عابرا وبلا تأثير. بكلمات أخرى وقوف الفيلم عند هذه المحطات يخدمه كفكرة، لكنه لا يقفز إلى النص ليشكل وضعا دراميا مؤثرا. تبدأ الأحداث سنة 1967 حيث نتعرف على أرنستو كولد، فاشل في الرياضة وفي المدرسة، ويعامله والده على هذا النحو، فارضا عليه العمل معه. بالانتقال إلى أرنستو وقد غدا رجلا متزوّجا. يواصل الفيلم رصف كل مشكلات الحياة على كاهل بطله المتزوّج الآن من أنجيلا (أليسندرا ماستروناردي). فهو لا يزال غير قادر على إجادة أي عمل يقوم به، وعلى مواجهة مشكلات الحياة الاقتصادية والاجتماعية على نحو فاعل. بكلمة واحدة هو «دولاب خامس» كما كان يناديه والده، أي لا فائدة ترجى منه. الفيلم الإيطالي الثالث المتسابق هو «خذ خمسة» لغويدو لومباردي؛ حكاية سرقة مصرف نابولاتاني كتبها المخرج بنفسه. ربما بدت واعدة على الورق، لكن التنفيذ غدا أكثر فتورا مما ينبغي. منتج الفيلم غويتانو دي فايو يقوم بتمثيل دور سجين سابق لا يزال يعيش حياة الجريمة، وها هو يخطط لارتكاب سرقة مصرف. لكن الفيلم يتجنب خوض تفاصيل الخطة، ويجتاز المرحلة الفاصلة بين البداية وإتمام العملية بفترة زمنية قليلة. ما يهم المخرج هو ما يحدث بعد إتمام السرقة والدعوة للقاء يتم فيه توزيع الحصص المتفق عليها. الخمسة الذين اشتركوا في السرقة لهم شخصيات مثيرة للاهتمام، لكن قيام المخرج بالاستعانة بلفيف من الممثلين الذين لم يسبق لهم الوقوف أمام الكاميرا جعل العمل يترصع بأداءات باهتة. كذلك محاولته إيجاز ما سبق السرقة والتركيز على النتائج يلغي قدرا كبيرا من التشويق الذي عادة ما يصاحب مثل هذه الأفلام. طبعا، كان يمكن أن يبدأ الفيلم بالفصل الأخير منه، وبناء دراما تدور حول خمسة شخصيات قد تستطيع الالتقاء لتوزيع الغنيمة وتداول مشكلاتها من دون المرور (مشهديا) بالسرقة أساسا، ولو أن هذا كان سيخلق فيلما آخر (ربما أفضل) بالتأكيد. أنطونيو وجابر أفضل منه عملا «أجانب» (أو «رفاق أجانب» إذا ما أردنا الترجمة الحرفية لكلمتي Foreign Bodies) وهو فيلم لمخرج لم تتح لهذا الناقد مشاهدة عمليه السابقين. ميركو لوكاتيللي سبق وحقق أربعة أفلام بدءا من 2004. الفيلم الجديد من بطولة الممثل فيليبو تيمي، ابن 22 فيلما سابقا برهن فيها عن نضج سريع وموهبة يمكن الوثوق بها. العنوان مقصود به العرب من الأغراب الذين يثيرون اهتمام بطل الفيلم المواطن العادي أنطونيو. هو ابن محنة قاسية من مطلع الفيلم، عندما يطرق باب مستشفى حكومي في مدينة ميلانو ومعه طفله المصاب بالسرطان. مع حتمية بقائه إلى جانب طفله ومغادرة باقي أفراد العائلة المكان الموحش الذي يبدو مثل نفق يودي إلى الموت أكثر منه إلى الحياة، ما على أنطونيو، مطلع الأمر، سوى مراقبة صبي عربي اسمه يوسف (الفاروق عبد الله) في الجناح نفسه، فهو مصاب أيضا بالسرطان وينتظر إما شفاء محتملا أو موتا قريبا. في البداية يشعر أنطونيو بضيق المكان من جراء هذا الجوار العربي، لكن هذه الثقافة الآتية من الشاطئ الآخر تبدأ بإثارة اهتمامه، خصوصا بعد تعرّفه على صديق يوسف، شاب مغربي اسمه جابر (جوهر إبراهيم). لاحقا ما يكتشف الأب عالما كان بحاجة إليه. ثقافة من شأنها، كما يقترح الفيلم، تعويضه عن خسارة ابنه المحتملة. الإسلام مختلطا بالمنشأ العربي، يوحي الفيلم، هو نداء روحي جديد يفتح أفقا كان مسدودا أمام الإيطالي الآتي بأفكار مسبقة. يقوم جزء من الفيلم على تبادل ثقافي وإنساني. في الوقت الذي يتيح فيه جابر للإيطالي أنطونيو الغرف من وعاء متمايز، يبحث جابر عن سكينة تنقذه من الحاجة إلى الكنف الإنساني، وربما إلى عطف أبوي مفقود. هذه الطروحات الإنسانية والعاطفية ترسم خطوطا واضحة على الشاشة، لكنها لا تتكفّل بإزالة العوائق التي يبدو أن المخرج (كتب السيناريو مع زوجته غويديتا تارانتيللي) لا يعلم بوجودها. عوائق مثل أن ما نعرفه عمليا عن أنطونيو لا يعدو بضعة أسطر، مما يجعل مبرراته منقوصة، ومثل أن الوقت يمر بطيئا قبل الانتقال من نقطة إلى أخرى. وفي حين أنه أفضل من الأفلام الإيطالية الأخرى في أكثر من جانب، خصوصا على صعيدي التصوير والتمثيل، إلا أنه كان يحتاج لسيناريو يجيب عن الأسئلة قبل تنفيذه وتحويله إلى بصريات.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».