ليس من باب الصدفة أن يختار الشاعر الفرنسي لامارتين، في عام 1832، بلدة حمّانا، في جبل لبنان، مكاناً يستقر فيه من أجل استعادة أنفاسه، إثر خسارته لابنته جوليا. فهذه البلدة التي تقع على بعد 26 كيلومتراً من بيروت، تتمتع بمناظر خلابة وطقس جميل تتسلل فيها الينابيع، وأشهرها «شاغور حمّانا»، وتشهد حالياً نهضة ثقافية تتمثّل بنشاطات عدّة، أبرزها افتتاح مركز «بيت الفنان»، ليكون بمثابة حضن لأحلام شبابها ومواهب فنيّة من مختلف المناطق اللبنانية.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال بشير فرحات، رئيس بلدية حمّانا: «سيكون صرحاً ثقافياً يستقبل فنانين وشعراء ورسّامين وحرفيين لبنانيين، يفجّرون من خلاله طاقاتهم الإبداعية». وتعود فكرة إنشاء هذا المركز إلى الدكتور روبير عيد، الذي رغب في توطيد علاقته بهذه البلدة، مسقط رأس والدته، فتبرّع بإنشائه وتجهيزه وهندسته الداخلية وأثاثه.
يقع «بيت الفنان» في وسط البلدة، التي ارتبط أحد قصورها وأوديتها باسم لامارتين، واتخذ من منزل قديم عمره أكثر من 100 عام مركزاً له. وكان د. روبير عيد قد ورثه، فقرر تحويله إلى مكان يخدم الفنّ وأهله، كون هذا المجال من شأنه أن يلطّف العلاقات بين أهل المنطقة الواحدة، ويشهد ولادة نواة ثقافية صلبة في البلدة.
وهو يتألّف من 3 طوابق تمّت هندستها لتستضيف معارض رسم وحفلات فنيّة، كما استحدث فيه مسرح وصالات استقبال وغرف منامة مجهزة بكلّ المستلزمات التي تتطلّبها.. «أردنا أن يكون بمثابة بيت حقيقي للفنان الذي يزوره، بحيث يستطيع أن يمضي فيه ليلة أو أكثر مع فريقه الموسيقي أو التمثيلي. كما استحدثنا فيه استوديوهات للتدريب ومشغلاً للحرفيين، وكذلك مطبخا ليشعر ضيفه وكأنه يعيش في بيته الخاص، فيحضّر فيه قهوته أو ما يرغب في تناوله من طعام».
وفي الطابق العلوي للدار، تقع شرفة كبيرة مطلّة على مناظر طبيعية جميلة، لتشكّل صالة حفلات فنية في الهواء الطلق.
وتتولّى «مجموعة كهربا» إدارة نشاطات هذا الصرح الثقافي، بحيث وضعت خطّة مستقبلية لبرنامج النشاطات التي سيشهدها، وتستهلّ في 2 سبتمبر (أيلول) المقبل بمهرجان «نحنا والقمر والجيران»، الذي يستمر حتى 3 منه. ويضمّ سهرات قروية، وأخرى فنيّة متاحة مجاناً أمام الجميع. ويتخلل برنامج المهرجان عروض لمسرح الدمى (أصل الحكاية، وأصوات في الظلام)، إضافة إلى أخرى من نوع الحكواتي، التي تشارك فيها كلّ من برالين غيبارا وشانتال ماياك. وسيشهد المهرجان أيضاً عروض رقص معاصر مع خلود ياسين وكلارا صفير، وكذلك عرض آخر من إسبانيا، بعنوان «ساعة أخرى قصيرة جداً». هذا المهرجان الذي تنظّمه «مجموعة كهربا»، بالتزامن مع آخر سيقام في منطقة الجميزة، في 29 و30 أغسطس (آب) الحالي، ستشمل نشاطاته أيضاً الأولاد، فيخصّص لهم معرض بعنوان «لسانك حصانك»، تديره الرسامة حنان قاعي.
«سيشهد (بيت الفنان)، في حمّانا، نشاطات على مدى السنة، نتعاون فيها مع مركز (بادغير) الأرمني الثقافي، ومؤسسة (آفاق) التابعة للصندوق العربي للفنون والثقافة. كما سندعو فنانين أجانب ومحليين لنستضيفهم في (بيت الفنان)، ويديرون محاضرات، أو يقدّمون استعراضات فنية وغيرها تولّد صلة وصل وطيدة ما بينهم وبين أهل المنطقة»، يقول أوريليان زوقي، العضو المؤسس في «جمعية كهربا»، لـ«الشرق الأوسط».
ومن النشاطات الأخرى التي ستلوّن «بيت الفنان»، في حمّانا، إقامة سهرات ثقافية، وعرض أفلام سينمائية وعروض مسرحية وغيرها، التي تصبّ في مصلحة بلدة حمّانا وجوارها. وقد استحدثت منصّة إلكترونية خاصة (zoomaal)، لتلقي التبرعات المالية من أجل تطوير هذا المركز.. «سنقوم بورش عمل في المدارس، بالشراكة مع مؤسسات ثقافية ستدعمنا، وبينها المركز الثقافي الفرنسي في بيروت، لاستحداث أجواء ألفة وتعاون مع أهالي المنطقة أجمعين».
«بيت الفنان» في حمّانا يحتضن بعض أحلام شبابها وذكريات لامارتين
«بيت الفنان» في حمّانا يحتضن بعض أحلام شبابها وذكريات لامارتين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة