د. سربست نبي
أستاذ الفلسفة السياسية - جامعة كويه بكردستان العراق

الجريمة والعقاب في التاريخ التركي

من المألوف جداً أن تقرأ في كتب التاريخ التركي الرسمية مئات الصفحات، التي تتحدث عن الترك بوصفهم ضحايا للمذابح، التي ارتكبها اليونان والبلغار والأرمن وغيرهم. وأن هذه الأمة تكالب عليها، ولايزال، المتآمرون الأعداء في الداخل والخارج، وأنه على الدوام كانت هنالك مؤامرة تحاك ضد وجود الأمة التركية التي يعتقد معظم الساسة ومنظّري الفكر الطوراني، أنها أمة عظيمة واستثنائية على مسرح التاريخ البشري.

الكراهية ووعي الذات

يمثل الميراث السياسي المتراكم للدولة التركية، المطبوع بطابع التفوق العرقي والتمايز، المصدر الأبرز لصناعة وإنتاج الكراهية داخل الوعي التركي وثقافته بأنساقها اللغوية والأدبية والإعلامية والفنية… إلخ، وهذا الميراث السياسي يتكئ بدوره على خلفية تاريخية وثقافية معقدة، ترى في هذا الآخر، تهديداً وجودياً، جزئياً أو كليّاً، للذات ولهوية الدولة. إن كراهية هذا الآخر (الكردي، الأرمني، العربي، اليوناني، السرياني… إلخ) تمثل عقيدة الدولة التركية الحديثة. وهي تحترف هذه الكراهية وتحتكرها في ممارساتها وفي مواقفها الآيديولوجية وتجسدها.

الكردي السوري ومتاهات الانتماء

أنت مجرد سوري، دمك الرخيص لا يساوي ثمنَ رصاصة واحدة!!! هكذا هدَّد الجاني (الكردي العراقي) شقيقه الضحية (الكردي السوري) اللاجئ إليه مع عائلته هرباً من جحيم النزاع الدموي والعوَز، قبل أن يقدم على قتله غيلة هو وزوجته وأطفاله الثلاثة (خنقاً)، بتلك الطريقة البشعة الشنيعة إثر خلاف مالي بسيط. السوري (عربياً أم كردياً أم سريانياً) بات رخيصاً في كل مكان، ودمه بات أرخص فعلاً من تكلفة آلة القتل التي يُقتل بها.