حسام عيتاني

حسام عيتاني
كاتب وصحافي لبناني لديه عدد من المؤلفات؛ منها: «الفتوحات العربية في روايات المغلوبين»، إضافة إلى ترجمات ومساهمات في دوريات عربية مختلفة. انضم إلى كتّاب «الشرق الأوسط» في عام 2018.

النسيان طريق للانتماء

على كل من يعتبر نفسه مواطناً أن ينسى أموراً معينة من تاريخ بلده، إلى جانب تلك التي يمتلكها ويتشارك فيها مع مواطنيه لتشكل «جوهر الأمة». على النسيان والذاكرة أن يتعايشا جنباً إلى جنب لبناء الأمة، على ما رأى إرنست رينان أواخر القرن التاسع عشر. يدعو رينان مواطنيه إلى نسيان مذابح سان بارتيلمي في القرن السادس عشر والإبادة الجماعية في منطقة ميدي في القرن الثالث عشر.

قيم كونية أم قيم الليبرالية الغربية؟

في خلفية الصراع الأميركي - الصيني الجيوسياسي والاقتصادي، يكمن صراع آخر لا يقل أهمية في حسم مستقبل العالم؛ هو الصراع على «القيم الكونية» التي تتبناها حالياً حكومات الغرب الليبرالي وتتعرض لهجوم متعاظم من جهات عدة.

عندما خلت المدن... احتشد المسلحون

بعد عامين على بداية مظاهرات «17 تشرين» في لبنان، عاد المشهد إلى حالته المألوفة. الانتفاضة التي بشّر أصحابها بالخروج من لعنة الحروب الأهلية القدرية، تبدو اليوم بحشودها وجماهيرها وشعاراتها وأغنياتها بعيدة جداً عن يوميات استأنفت مسارها الطائفي المسلح. إحباط اللبنانيين ويأسهم مفهومان. بل متوقعان. ذاك أن تحطم أحلام ووعود الانتفاضة بالقضاء على الفساد ووضع حد للزبائنية وسيطرة طبقة سياسية تعتاش من جثث الأبرياء وعلى التحريض على العنف وعلى الاغتيال، لم ينجم عنهما غير صعود التوحش على نحو يذكّر بأحلك أيام التناحر الأهلي بين 1975 و1990. الكل مدعو إلى المذبحة والكل يستعد لها. لا ضحايا هنا.

السودان وتونس تجربتان في خطر

تشارَك السودان وتونس نجاحاً نسبياً في الخروج من حكم الاستبداد من خلال ثورتين شعبيتين أطاحتا نظامين قاما على تمكين أجهزة الأمن والجيش من المجتمع وقمع حرياته، على مدى عقود. ويتشارك البلدان اليوم أزمتين سياسيتين عميقتين تحملان خطر العودة إلى حكم الفرد المتسلط والعسكر. ما زال مبكراً الحكم على المسار الذي سيمضي السودان وتونس فيه. بيد أن المقدمات تبرر قراءة غير متفائلة بمستقبل الانتقال الديمقراطي في البلدين. وإذا نحينا جانباً الفوارق بين البلدين، وهي كبيرة، وظروفهما، قد نجد عدداً من التشابهات التي تنبئ، قبل التكهنات والأحكام المسبقة، بالصعوبة الشديدة التي تكتنف طريق الخروج من الاستعصاء الحالي.

السلطة المتعالية واقع لا تدركه عقول اللبنانيين

لا تمنع السلطة اللبنانيين من البقاء في بلدهم. ولا تفرض عليهم الهجرة منه. لا تقترح عليهم حلولاً لمشكلات الحياة اليومية، ولا ترغمهم على تقبل أنماط من السلوك غير المعتاد. لا تستورد المحروقات لتوليد الكهرباء وتسيير المركبات، ولكنها لا تمنع دخولها عبر الممرات غير الشرعية. السلطة في لبنان كائن متعالٍ لا شأن له بما يجري في الشوارع من مشادات أمام محطات الوقود أو الانهيار المستمر في مستوى المعيشة. لا تعلق السلطة على تقارير المنظمات الدولية عن أوضاع البلد المالية والاجتماعية الكارثية. لا بالسلب ولا بالإيجاب. ولا تلقي بالاً إلى التحذيرات من انهيار ما تبقى من قطاعات كانت حيوية كالاستشفاء والتعليم.

11 سبتمبر بصفته حدثاً عربياً

من وجهة نظر عربية، كان هجوم 11 سبتمبر (أيلول) فاتحة كوارث ما زالت تتوالى على المنطقة وسكانها وفرص تحقيق تنمية وتحسين شروط الحياة فيها.

الحق في الديمقراطية وفي مساءلتها

انتزع الرئيس فلاديمير بوتين من الأفغان الحق في اختيار نظام الحكم الذي يناسبهم في معرض انتقاد لمحاولات الغرب فرض نموذجه من الديمقراطية.

كارثة بوجهٍ محايد

في أسبوع واحد قتل أربعة أشخاص في حوادث قرب محطات الوقود. ثلاثة في الشمال في تبادل لإطلاق النار تحول إلى اشتباكات مسلحة عائلية، ورابع في الجنوب اجتاحت سيارته المتوقفة في انتظار دورها في الحصول على المادة الثمينة، شاحنة مسرعة. لم تترك هذه المقتلة الصغيرة أثراً على يوميات اللبنانيين. ذوو الضحايا دفنوا أحبتهم وانخرطوا في محاولات تحقيق عدالة بعيدة المنال، في حين تابع المواطنون تجمهرهم قرب المحطات التي شهدت الفواجع. أما الصيدليات الفارغة من الأدوية فتشهد هجمات من مواطنين يبحثون، من دون جدوى، عما يخفف آلامهم ويعالج أمراض أبنائهم. فتقتحم سيارة صيدلية لم تستطع تلبية طلب مواطنة لعقار بسيط.

الخروج من بيروت

استمر احتضار بيروت نحو نصف القرن. بدأ مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية ووصل إلى نهايته المشؤومة والمنتظرة مع انفجار الرابع من أغسطس (آب) من العام الماضي. محطات عدة أرّخت لموت المدينة وخسارتها ما تميزت به عن نظيراتها العربيات؛ من اختيارها ساحة للحروب العربية – العربية والعربية – الإسرائيلية وصولاً إلى إخفاق اللبنانيين في إنتاج طبقة سياسية تدير انتقال لبنان إلى مرحلة السلم الأهلي. انحدار العاصمة اللبنانية وفقدانها كل أدوارها يُكثفان المصير الذي انتهى إليه البلد.

كوبا إذ تستعيد تجارب الإنكار

يتكرر بالحرف الواحد توصيف السلطات للمتظاهرين الذين ينزلون إلى الشوارع مطالبين بحد أدنى من الحرية وكفاف الخبز: عملاء مأجورون للخارج يتلقون رواتب من دول معادية بغية تخريب مسيرة الوطن والقيادة. وتدعو السلطات «الشعب» إلى التصدي للمحتجين وإجبارهم على العودة إلى جحورهم. في الأسبوع الماضي، زيد على لائحة الأنظمة المستخدمة للقاموس هذا الحكومة الكوبية التي فوجئت كما فوجئ العالم باندلاع مظاهرات يطالب المشاركون فيها بتحسين أوضاعهم المعيشية من دون أن يغفلوا عن ربط صعوباتهم الحياتية بفشل الحكم القائم منذ سنة 1959، بحلّ المعضلات الاقتصادية التي لا تغيب إلا لتحضر وبقسوة تفوق سابقاتها.