هاشــم صالــح

هاشــم صالــح
كاتب وباحث ومترجم سوري، يهتم بقضايا التجديد الدّيني ونقد الأصولية ويناقش قضايا الحداثة وما بعدها.

مؤتمر مراكش وتجديد الخطاب الديني

تعقد مؤسسة «مؤمنون بلا حدود» مؤتمرها الكبير الثاني في مدينة مراكش بتاريخ 17 و18 مايو (أيار) الحالي. وقد ركزت اهتمامها هذه المرة على موضوع «الخطاب الديني: إشكالياته وتحديات التجديد». والواقع أن خطابنا الديني الحالي يطرح إشكاليات كثيرة، بل ويسبب لنا مشكلات عويصة مع مختلف أمم العالم. ومن نافلة القول إن تصريحاتنا العنترية النارية التي تكفر الآخرين وتهدر دمهم قد أساءت لنا ولقضايانا أكثر من ألد الأعداء. عندئذ، توهَّم الناس شرقا وغربا بأن ديننا هو دين عنف وإرهاب ليس إلا. وهذا ظلم ما بعده ظلم. ولذلك أرعبنا العالم. حتى الدالاي لاما عبّر عن قلقه وتخوفاته، وطالبنا علنا بتوضيح هذه النقطة، بل وترجانا.

محمد أركون والنزعة الإنسانية

كان محمد أركون قد أمضى حياته تقريبا في التحدث عن النزعة الإنسانية في الإسلام. كان ذلك شغله الشاغل منذ أن انهمك في تحضير «دكتوراه الدولة» في السوربون عن هذا الموضوع في بداية الستينات وحتى نهاية السبعينات. ومعلوم أن عنوانها بالضبط كان: «النزعة الإنسانية العربية في القرن الرابع الهجري.. مسكويه فيلسوفا ومؤرخا» (1970). ثم أصدر في أواخر حياته كتابا آخر عن الموضوع ذاته بعنوان: «النزعة الإنسانية والإسلام..

بين الأنوار والظلمات

آفة الفكر المغالطة التاريخية. وعدم الاعتراف بالتفاوت التاريخي الهائل بين الفكر الأوروبي والفكر العربي هو أكبر دليل على هذه المغالطة. وهذا يضرنا ولا ينفعنا على عكس ما يظنون. فلماذا نكابر إذن؟ عدم القدرة على التفريق بين المعاصرة الزمنية - والمعاصرة الفكرية الأبيستمولوجية يؤدي إلى تمييع المواقف وضياع البوصلة. إنها لمغالطة كبرى اعتقاد أن الفكر العربي هضم كل الثورات اللاهوتية والعلمية والفلسفية والسياسية التي هضمتها المجتمعات الأوروبية المتقدمة منذ القرن السادس عشر وحتى اليوم. إنها لمغالطة كبرى اعتقاد أننا عشنا معركة الذات التراثية مع ذاتها كما فعلت المسيحية الأوروبية على مدار أربعة قرون.

غالب بن شيخ يصارع المتطرفين!

الدكتور غالب بن شيخ مفكر إسلامي فرنسي من أصل جزائري. وقد احتل سابقا عدة مناصب مهمة، من بينها رئيس جامع باريس الكبير ومفتي مارسيليا. كما أنه يشرف حاليا على برنامج أسبوعي خاص بالإسلام على القناة الثانية الفرنسية. وبالتالي فهو ينتمي إلى تيار الإسلام المعتدل والعقلاني.

فرنسا وإسلام الأنوار

فرنسا هي بلد الأنوار الفلسفية بامتياز. فمنها انتشرت في القرن الثامن عشر لكي تعم كل أنحاء أوروبا. ليس غريبا إذن أن يظهر فيها التأويل الجديد لتراثنا العربي الإسلامي العظيم. وهو الذي سيحل محل التأويل الأصولي الذي طغى علينا طيلة الأربعين سنة الماضية مع صعود موجة الإسلام السياسي الهادرة. نقول ذلك وخاصة أن الإسلام أصبح يشكّل الدين الثاني في بلاد فولتير بعد المسيحية في مذهبها الكاثوليكي البابوي. عدد المسلمين لا يقل عن خمسة ملايين، وربما ستة. وبالتالي فهم خمسة أضعاف عدد اليهود أو البروتستانتيين. وبما أنهم على احتكاك يومي بالحداثة الفرنسية، فليس من المستغرب أن ينبثق من داخلهم إسلام الأنوار.

هموم عربية بعيون فرنسية

كعادتي، أمرّ كل أسبوع أو حتى كل يومين أو ثلاثة على المكتبة العامة وسط مدينة «رانس»، لكي أرى ماذا ظهر من مستجدات في عالم الكتب. وبالفعل، يصدر كل أسبوع، أو حتى كل يوم، شيء جديد. نحن هنا في مجتمعات ديناميكية غنية جدا ماديا وثقافيا. بالطبع، فإن الكتب التي تلفت انتباهك بالدرجة الأولى هي تلك التي تتحدث عنا - نحن العرب أو المسلمين. إنه لشيء مهم أن تعرف كيف ينظر إليك الآخرون. أقول ذلك، خاصة إذا كان هؤلاء الآخرون مثقفين حقيقيين ومطلعين فعلا على شؤوننا وشجوننا. لقد لفت انتباهي مؤخرا كتاب روبير سوليه عن أنور السادات.

معركة التنوير العربي

أتيح لي أخيرا أن أتحدث عن هذا الموضوع أمام حشد من المثقفين والمثقفات بحضور وزيرة الثقافة البحرينية الشيخة مي التي تمثل «القوة الناعمة» في بلادها خير تمثيل. كان ذلك في «مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث» الذي أصبح إحدى المنارات المشعة للفكر العربي منذ سنوات عديدات. وقد شارك معي في التقديم وتنظيم الحوار مع الصالة الدكتور باقر النجار من جامعة البحرين، فله الشكر على علمه الغزير وتواضعه الجم. لن أستطيع أن أسرد هنا كل ما جرى هناك ولكن سأركز على بعض النقاط. كانت فكرتي الرئيسة هي أن إخواننا المتشددين قد صالوا وجالوا طيلة الأربعين سنة الماضية واكتسحوا المجال كليا تقريبا.

قضايا فلسفية أم هموم عربية؟

كان البروفسور جوزيف ناي المقرب من كارتر وكلينتون والتيار الأميركي المستنير، قد بلور هذا المصطلح عام 1990. وقد فعل ذلك رد فعل على البروفسور بول كيندي صاحب النظرية الشهيرة عن صعود الحضارات وأفولها. ومعلوم أن كيندي تنبأ عام 1987 بانحدار القوة العظمى الأميركية بعد طول هيمنة على العالم. ولكن لسوء حظه، فإن كتابه صدر قبل سنتين فقط من سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي وظهور أميركا بوصفها قوة عظمى وحيدة في العالم.

العرب.. إلى أين؟

العرب ضائعون يتخبطون هذه الأيام وأنا مثلهم ضائع أتخبط. ربما كانوا يعيشون الآن أحلك لحظات حياتهم. هناك حيرة كبرى تلف العرب، هناك رعب يحيط بهم من المحيط إلى الخليج.. بالطبع هناك أقطار أكثر استقرارا من أخرى وأفضل وضعا أو قل لم تنفجر بعد. ولكن «كلنا في الهوى سوا» كما يقول المثل الشعبي. هناك جوع وحروب أهلية وبطالة وعطالة وشباب رائع بلا أمل ولا عمل. هناك شبح هائل يخيم على العرب. هل هو ديناصور؟ هل هو وحش الوحوش؟ هل هو سوء الطالع وضربة القدر؟ وهذا يذكرني بفيلم فرنسي قديم عنوانه: «خوف فوق المدينة». وهو فيلم قوي بطله جان بول بلموندو.

اطلبوا العلم ولو في «رانس»!

يبدو أني وقعت في حب «رانس» بالضربة القاضية. أنتم تعلمون أن الحب أنواع ودرجات. ولكن أشرفها وأرقاها هو الحب الصاعق: أي الذي ينزل عليك كالصاعقة فيسحقك سحقا، ويمحقك محقا، ويجعلك هباء منثورا. وهو شيء لا يحصل إلا للمصطفين الأخيار الذين حرمهم الله من نعمة الوصال فحرق قلبهم حرقا: قضاها لغيري وابتلاني بحبها فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيا قد تقولون مبالغة. هذا الشخص يهذي ويهلوس. هل يعقل أن يحب الإنسان مدينة إلى هذه الدرجة؟ ولكن منذ عشرة أيام لم أر من «رانس» إلا الخير. لقد فتحت لي أبواب مكتباتها على مصراعيها. وكنت بأمس الحاجة إلى ذلك. كنت أبحث عن مرجع صعب منذ سنتين فلم أجده إلا فيها.