غسان الإمام
صحافي وكاتب سوري

هذا الحنين إلى الكلاسيكية الغنائية

صفع المعلم أحمد رامي تلميذه النجيب مصطفى أمين. فانتقم الصحافي الكبير من الشاعر الغنائي الكبير. تزوج مصطفى سراً المرأة التي أحبها رامي. ولم يستطع أن يتزوجها. وتعمدت أم كلثوم أن تلهب غيرته. لكي يكتب لها شعراً يلهب عواطف الملايين في العالم العربي. ماتت أم كلثوم منذ 42 سنة (1975). ولم تجرؤ صحيفة أن تكشف سر إصابتها بسرطان الحنجرة. فقد بقيت أم كلثوم مؤسسة غنائية رابضة، كأبي الهول فوق الأهرامات. وفوق النصر والهزيمة العسكرية. وصامدة أمام المتزمتين من رجال الدين الذين حاولوا تحميلها مسؤولية الهزيمة والإباحية. فغنت «الله محبة». فكسبت الرأي العام.

التضليل الإعلامي في المسألة الكردية

منذ الحرب العالمية الثانية، لم يشهد التدخل الدولي والإقليمي في شؤون العالم العربي، المدى الواسع والعميق الذي وصل إليه، إثر انفجار الانتفاضات العربية في عام 2011. الطريف في المشهد أن التدخل الدولي اليوم يتناقض مع مثيله في القرن الماضي، حيث كان شبه مرسوم. وموحداً سياسياً وآيديولوجياً، فيما هو اليوم متناقض كلياً. فلكل دولة كبرى موقف. ورأي. وسياسة. ولكل دولة إقليمية مصلحة. وخطة. ومرتزقة. هذه التناقضات الدولية والإقليمية انعكست سلباً على الأنظمة والمجتمعات العربية. كان النداء العربي خلال الحرب العالمية داعياً إلى «وحدة قومية».

دولتان عربيتان معروضتان للبيع بالمزايدة

سواء تم الاستفتاء الكردي، أو لم يتم، فالعراق وسوريا كيانان عربيان معروضان، في مزايدة إقليمية ودولية، للبيع بالتقسيط والتقسيم، كدويلات طائفية ومذهبية وعنصرية. ولن يكون بينها سلام أو استقرار، بحكم تبعيتها إلى دول إقليمية هي أيضاً متناحرة أو متهادنة. جاء مشروع الاستفتاء الكردي على أنقاض دويلة «الخلافة الداعشية» التي جرَّت على ذاتها، وعلى العرب السُنة عداء العالم، بسبب تفسيرها الغامض. ومفهومها المتزمت للشريعة (الأحكام الدينية). لكن الحرب التي شنت على هذا الكيان الداعشي الهزيل هي أغرب حروب التاريخ! فقد أدى ضعف الغرب إلى الامتناع عن إرسال جيوشه إلى الميدان مباشرة.

هل الأعاصير مؤشر إلى نهاية الأرض؟

هاج البحر. فأمر كسرى بجلده مائة جلدة. وما زال أكاسرة الفرس يجلدون البحر منذ 38 سنة. فما نفع في البحر جلد. وما نفعت في الفرس نصيحة. أو عتاب. أو زجر وعقوبة! يسرع الموج إذا شاء. فتتراوح سرعته بين 200 كيلومتر و800 كيلومتر في الساعة. إعصار «إرما» الذي اجتاح جزر الكاريبي وصلت كثافته إلى عدة كيلومترات. فاختفت جزر «كيز» تحت المياه. تحرك «إرما» كجدار من الماء. فغطت سماكته «سان مارتان» كبرى جزر الكاريبي. كشف موج الإعصار بؤس الدود على العود! فما زال هناك أنين إنساني تحت سوط استعماري يأبى أن يتراجع وينحسر. فجر الإعصار النسيج المهلهل لمجتمعات إنسانية هشة.

إشكالية الكاتب مع العلاقات العربية المتوترة

قبل أن أستغرق في موضوع اليوم، أود القول إن الأستاذ الباحث يعقوب يوسف الإبراهيم أفادني بأن الفريق عزيز المصري الذي تحدثت عنه في الثلاثاء الفائت، هو في الأصل من أسرة مهاجرة من البصرة إلى القفقاس في القرن الثامن عشر. ليس في معلوماتي ما يؤكد ذلك. لكن إذا كان صحيحاً ما يقول الأستاذ الإبراهيم، فيكون له فضل السبق في «تعريب» الفريق المصري. أما الخلاف حول مَنْ المسؤول بين باشوات حزب «الاتحاد والترقي» عن نفي الفارس الجليل إلى مصر، فلا يعنيني في شيء. والمهم عندي أن الفريق عزيز المصري نصح جمال عبد الناصر ورفاقه الضباط الأحرار، بتبني عروبة مصر.

هذه الطيور المغردة خارج السرب

من هي هذه الطيور المغردة خارج السرب؟ هي، في غالبيتها، طيور السياسة: نسور. صقور. غربان. عصافير. بلابل. بوم. حمائم. شواهين... إذا راقبتها وجدتها تطير. تحلق. تنقض مفترسة. تنهار. فتهوي منفردة. فيكون لتحليقها انبهار يصل أحياناً إلى الإعجاب والتعلق بها. وأحياناً يكون الانبهار من نوع السخط. والغضب عليها. والنأي عنها. السياسة علم لكن السياسات فضاء مزدحم. يتوسع. يتمدد أمامنا نحو المجهول. إذا تابعت ليالي السياسات، لرأيتها حبلى بالمفاجآت السارة والمفجعة، تماماً كما إذا راقبت ليل الفضاء البهيم، لرأيت الانفجارات والصدامات النارية بين النجوم، مجرد إشارات ساطعة.

بين الرفق بالإنسان والرفق بالأفيال

«دار السلام» عاصمة تنزانيا لا تعرف السلام. هناك حرب مستعرة بين أنصار حقوق الحيوان وحمايته. وقتلة محترفين من قناصة. وصيادين. وتجار جشعين يتاجرون بعاج الأفيال. وفراء الأسود. والنمور. والدببة. والثعالب. والخيول المخططة. والقطط البرية. والشمبانزي. والحيتان. وأسماك القرش المعادية للإنسان. والدولفين الصديق له. وتمتد ميادين القتال من غابات البرازيل وتنزانيا. وثلوج القطبين. والجزر. والبحيرات. وضفاف الأنهار، إلى البحار. والمحيطات. وفضاءات «الشعوب» المهاجرة من طيور حائرة بين القارات. وهاربة من شتاء قارس.

هل الديمقراطية ضرورة للرأسمالية؟

كنت أود أن أكتب عن حيدر العبادي الطبيب المداوي لليلى المريضة في العراق. أو عن دير الزور المدينة المنكوبة التي سترتسم، في الأيام القليلة القادمة، فوق خريطة العالم. ففيها ستدور حروب طاحنة بين جيوش وميليشيات متربصة بعضها ببعض. لكني صرفت النظر. فلم أعد أقوى على تحمل الشطحات بين السطور، بسبب التقدم في العمر. والضعف. وربما الخرف. لست أدري. سأكتب عما هو أقل أهمية. وأقل سخونة في هذا الصيف الملتهب. سأتناول الرأسمالية والديمقراطية. هل هما توأمان متلازمان؟ أم كميّتان متناقضتان؟ وهل الانفتاح السياسي نتيجة طبيعية للازدهار الاقتصادي؟ المجتمع العربي اعتنق الرأسمالية.

الأداء الدبلوماسي في ظروف التوتر الدولي

السفير رجل شريف ترسله الدولة للدعاية لسياستها في الخارج. وتصبح مهمة هذا الرجل «السوبرمان» صعبة في زمن القلق الوطني. وفوضى التوتر الدولي. فهو يقف في خط النار الأمامي، ليمهد الطريق أمام السياسي، لعقد المعاهدات. والاتفاقات. والتسويات الدولية النهائية بين الدول الصديقة. أو الدول المتناحرة. والمتحاربة. وفي العصر الحديث، اشتهر دبلوماسيون أوروبيون وأميركيون يتراوحون بين تاليران. وهنري كيسنجر. وآندريه غروميكو، أكثر مما اشتهر الساسة والزعماء الذين يحركونهم. ويستعملونهم في المهمات الانتحارية «الصعبة» إلى حد الاستحالة. وفي حروب العرب العشوائية، كان هناك سَحَرة دبلوماسيون.

مشكلة لبنان: هيمنة «الدويلة» على «الدولة»

أخفق «حزب الله» في حسم معركته مع فلول «جبهة النصرة» في جرود عرسال. فتدخلت «الدولة» لإنقاذ «الدويلة». تمكن اللواء عباس إبراهيم مدير جهاز «الأمن العام» الرسمي، من عقد صفقة هشة مع «جبهة فتح الشام» أحد فصائل «النصرة» المعسكرة في الجرود، لوقف القتال مع الحزب. شكراً للدولة. فمصداقية اللواء عباس أقوى من مصداقية «حزب الله». وعليه أن يستكمل الصفقة، بإقناع فصائل «النصرة» بالهجرة إلى محافظة إدلب في شمال غربي سوريا التي باتت ملجأ للفصائل الدينية المتزمتة والمعتدلة. لكن يتعين على «حزب الله» أن يشرب أولاً كأس الهزيمة حتى الثمالة. فيتوسل بشار للسماح بتمرير فلول «النصرة» إلى إدلب.