إعادة تدوير المخلفات للتقليل من انبعاثات الكربون في الهند

تحويل رداء الساري القديم إلى أغطية جديدة

TT

إعادة تدوير المخلفات للتقليل من انبعاثات الكربون في الهند

هل تساءلت يوماً: كيف يمكن لأي منا أن يصنع أغطية جديدة من رداء الساري الهندي القديم؟ أو أن يصنع حقائب وحلياً من علب الحليب والعصائر الفارغة ومن أكياس الإسمنت؟ أو أن يصنع أريكة أو أرجوحة من إطارات السيارات القديمة؟
هذا بالضبط ما يفعله بعض السيدات الهنديات من خلال مشروع جديد، عن طريق إعادة تدوير المخلفات من خلال مشروع تجاري، يرسلون من خلاله رسالة يعلنون فيها نجاحهم في التقليل من انبعاثات الكربون، وكذلك في إحياء أشكال قديمة من الفنون. والأهم هو تمكين النساء الريفيات غير المتعلمات.
عندما تحدث المراسل الصحافي إلى بعضهم عبر الهاتف، أفاد العاملات في المشروع بأنّ إعادة تدوير المخلفات كانت دوماً جزءاً من الثقافة الهندية. فالأجيال الماضية أعادت استخدام الملابس القديمة بتحويلها إلى أغطية، وأردية الساري إلى عباءات، ومخلفات النباتات إلى أحبال وأثاث منزلي، وذلك قبل أن تهيمن النزعة الاستهلاكية والموضات السريعة على أذواق الناس وعلى الأسواق. والآن نحن بصدد إحياء ما نسيه الناس مع الوقت.
* الإطارات القديمة تتحوّل إلى أثاث
تدير أنو تاندون فييرا، خريجة قسم النحت ومصممة النسيج، مشروعاً ناجحاً لتحويل مساند الأقدام والكراسي والمناضد والأرائك إلى أرجوحات تقليدية وشبكية، باستخدام إطارات السيارات والمركبات القديمة.
فإطارات السيارات عادة ما يتخلص منها أصحابها بعد فترة وجيزة، ليجري بعد ذلك حرقها لاستخلاص الوقود منها، أو يجري التخلص منها كنفايات، ما يترك أثره السلبي على البيئة؛ لأنّ الإطارات لا تتحلّل. وفي هذا السياق قالت فييرا: «نحاول إطالة عمر بعض الأشياء التي لا تتحلّل، لنجعل من الأمر السلبي أمراً إيجابياً».
نحصل على الإطارات القديمة من متاجر السيارات، بالإضافة إلى أعواد البامبو والعلب، لنحولها إلى قطع أثاث ومعروضات مدهشة، لكي لا تبدو أقل من أي قطعة جديدة أخرى. واليوم وبمساعدة ستة مصممين، تُصنّع فييرا نحو 100 قطعة من الأثاث كل شهر، باستخدام الإطارات القديمة والنسيج ومخلفات البلاستك والعلب.
ووفق فييرا: «أغلب هذه القطع يجري تصنيعها حسب الطلب. فلنا روابط بنحو 15 متجراً في الهند، ونعمل أيضاً بالتعاون مع مهندسين معماريين. وفي الوقت الحالي، أصنّع أثاثاً لمطعم سيفتتح قريباً باسم (جمجار دنر) في مدينة برندا». وأضافت: «في العالم كثير من النفايات. ونحن نميل لاستخدام الأشياء الجديدة والتخلص من القديم، من دون أن نفكّر في إمكانية استخدامها لأغراض أخرى. ولذلك فكرت في بث الحياة في تلك الأشياء المهملة من جديد، لتشجيع الصناعات الكثيرة داخل البلاد». واستطردت قائلة: «يكمن أكبر تحد في تحديد سعر تلك الأشياء. فالناس تعتقد أنّه طالما أنّ هذه المنتجات مصنوعة من المخلفات، فلا يجب أن تكون مكلفة. فهم لا يدركون الجهد الشاق المبذول في الكواليس لإنتاجها».
وعلى مدار سنوات، شاركت فييرا في كثير من المعارض الدولية، منها «مهرجان لندن للتصميم 2016». وحسب تقرير نشر في مجلة «داون تو إيرث» في يناير (كانون الثاني) الماضي، تنتج المناطق الحضرية في الهند نحو 62 مليون طن من المخلفات الصلبة كل عام، نصفها يجري التخلص منه في مدافن النفايات، إذن كيف يمكن لنا التعامل مع مدن باتت أشبه بمدافن النفايات؟
* تحويل الملابس القديمة إلى جديدة
هناك كثيرون لا يستطيعون التخلص بسهولة من متعلقاتهم القديمة، مثل القمصان وشراشف السرير والساري؛ لأنّها باتت تمثل ذكرى لنا ولأطفالنا. ولذلك فكرت الشقيقتان مانيشا وعايشة ديساي، في تحويل هذه الأشياء إلى أغطية جميلة وأغطية للأطفال وشراشف للأسرّة.
وتعتبر الأختان ديساي محترفتين في العمل الاجتماعي وفي مجال التنمية لأكثر من 15 عاماً، ولهما نشاطاتهما الغنية في هذا المجال.
بالنسبة لمانيشا التي تعمل لدى «بوني»، وعايشة المسؤولة عن الأنشطة في مدينة غرغرام القريبة من العاصمة دلهي، فإن عملية إعادة تصنيع الملابس المستعملة يعد عملاً ممتعاً، إذ إنّه يعكس الحرص على حماية البيئة، وهو الحافز الذي دفعهما إلى العمل بهذا النشاط غير المعتاد الذي يدر عليهما عائداً وفيراً.
وقالت مانيشا التي تتميز باهتمامها بالألوان والتصاميم والتفاصيل: «هدفنا هو بث حياة جديدة في الملابس، لنطيل من عمرها. فبمجرد تسلم الملابس، نقطّعها إلى مربعات يحدّد العميل حجمها، وتصمم تلك المربعات بصورة جمالية جذابة».
ولاختزال تجربتهما في كلمات قصيرة، قالت عايشة: «الناس عاطفيون في تعاملهم مع بعض الملابس، فالعواطف دائماً ما تكون زائدة. فقد حدث ذات مرّة أن فتحت صديقة خزانة ملابس والدها الراحل بعد 45 عاما من الاحتفاظ بها، وعرضتها على العاملين لدينا. استغرق الأمر لي ولمانيشا نحو شهر لنفكر ونقرّر فيما يمكن أن نفعله بتلك الملابس». وتضيف عايشة: «وفي النهاية قرّرنا أن نصنع منها أغطية ومنحها لابنتي السيدتين»، وتتابع: «الآن لدينا مئات من رابطات العنق التي يمكن إعادة استخدامها لأغراض أخرى. ونتطلع إلى استخدام المعادن والزجاج لنصنع منها معلقات جدارية ومصابيح كهربائية، أو نصنع الزجاج من قوارير الجعة». يباع المنتج النهائي بسعر يتراوح بين 2000 إلى 6000 روبية.
ويسعى القائمون على تلك المشروعات إلى الوصول بالنفايات إلى درجة الصفر بمدينة دوالي. وسبيلهم في ذلك من خلال تنمية روح الامتلاك وأسلوب الاستهلاك، وتغيير نمط التعامل مع كل ما يرغبون في التخلص منه. ويتلقى الفريق نحو 30 إلى 40 طلباً تجارياً كل شهر، ناهيك عن المبيعات المباشرة لمنتجاتهم الجاهزة مثل حقائب التسوق، وأغطية الأطفال، وشراشف السرير المصنوعة من الأقمشة القديمة.
وألقت الفتاتان بنكتة حين قالتا إنّهما عندما تزوران والديهما، دائماً ما يطلب والدهما من الأم أن تغلق خزانة الملابس، خوفاً على محتوياتها بقوله: «أنا لا أثق في هاتين الفتاتين، ستمزقان ملابسي».
تتلقى الشقيقتان الطلبات التجارية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضاً الموقع الإلكتروني والهاتف، سواء من داخل الهند وخارجها. وما يتبقى من القماش يجري استخدامه في عمل أسرّة الكلاب أو أغطية ثقيلة.
* تحويل العلب الكرتونية إلى حُلي
من الصعب تخيل استخدام «ترترا باكس»، علب الكرتون التي نتخلص منها كنفايات، وتحويلها إلى حلي جميلة، واستخدامها في الصناعات اليدوية، لتمكين النساء من العمل.
تتولى ديفيكا كرشان القيام بعملية التحويل تلك، من خلال مشروعها الاجتماعي الذي يحمل اسم «استمتع بالعمل» الذي يعتمد على تحويل العلب الكرتونية الفارغة ومخلفات البلاستك وأكياس الإسمنت إلى منتجات عصرية، مثل الحقائب، وسلال المهملات، والحلي، والسجاجيد وغيرها. تتعاون السيدة التي تبلغ من العمر 45 سنة، مع جيش من السيدات القادمات من المناطق العشوائية، في تحويل تلك العلب وأكياس الإسمنت إلى منتجات عصرية، وهي المهنة التي منحتهم قدراً من الاستقلال الاقتصادي.
وقبل تحويل تلك المخلفات إلى قطع فنية، يجري غسل ومسح العلب باستخدام مطهر «الديتول» والصابون والماء. تُقطّع وتشكّل لتصبح منتجات أخرى تماماً. تعتبر أكياس الإسمنت من الأشياء التي يحصلون عليها بوفرة؛ نظراً لطفرة البناء التي تشهدها الهند حالياً.
أضافت ديفيكا: «يعمل المشروع تحت شعار (لا نفايات). فالمخلفات التي لا تستخدم في إنتاج القطع الكبيرة يمكن استخدامها في إنتاج الحلي الصغيرة. فالقليل فقط من النفايات التي نجمعها يتحول إلى نفايات». وبعد ذلك تُباع المنتجات إلى المناطق المجاورة، أو من خلال الطلبات الخاصة، وإلى بعض المتاجر في مدن بانغلور وغوا.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».