إعادة بناء مركز أتاتورك الثقافي بإسطنبول

ضمن مشروع لتطوير ميدان تقسيم

مركز أتاتورك الثقافي بميدان تقسيم
مركز أتاتورك الثقافي بميدان تقسيم
TT

إعادة بناء مركز أتاتورك الثقافي بإسطنبول

مركز أتاتورك الثقافي بميدان تقسيم
مركز أتاتورك الثقافي بميدان تقسيم

بدأت الحكومة التركية العمل على مخطط جديد لهدم وإعادة بناء مركز أتاتورك الثقافي أحد معالم ميدان تقسيم في وسط مدينة إسطنبول، لإعادته إلى العمل بعد توقفه لسنوات عدة بسبب مشكلات حول خطة لتطوير الميدان قوبلت بمعارضة كبيرة.
وتهدف عملية إعادة بناء مركز أتاتورك الثقافي، الذي أنشئ في الستينات إلى تطويره، ليضم دار أوبرا، ومسرحا، وقاعة سينما، وقاعات للحفلات الموسيقية، إضافة إلى مركز للمعارض وقاعة للمؤتمرات مع تطوير المرافق الخدمية مثل المكتبة، والمتحف، ومعرض الفنون وإضافة وحدات تجارية.
وسيضم المقر الجديد جزءا من القنصلية الليبية وحديقة أمامية لمقهى يقع بالقرب منه، وستصل مساحته الكلية إلى 35 ألفا و206 أمتار مربعة، بعد أن كانت 5 آلاف و794 مترا مربعا، وسيتم تزويده بمرافق وخدمات أخرى منها مرآب للسيارات متعدد الطوابق.
وكان إنشاء مبنى المركز الثقافي بدأ للمرة الأولى في 29 مايو (أيار) 1946، لكنه توقف لعشر سنوات لعدم وجود تمويل كاف لإتمام البناء، ثم تمت إعادة البناء على يد المهندس المعماري حياتي تابانلي أوغلو، الذي أتمه بعد 23 عاما ليدخل حيز الاستخدام في 12 أبريل (نيسان) 1969 تحت اسم قصر إسطنبول الثقافي. وفي 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 1970، خلال عرض مسرحية آرثر ميلر «البوتقة» اشتعل حريق مأساوي في المبنى، تسبب في دمار شديد بعد عام واحد من إتمام بنائه. ولم يمنع ذلك المهندس تابانلي أوغلو من بذل جهود لإعادة إصلاحه مرة أخرى حتى أعيد فتحه بعد ثماني سنوات تحت اسم جديد، هو «مركز أتاتورك الثقافي».
وفي عام 2005، اقترح وزير الثقافة والسياحة التركي في ذلك الوقت أتيلا كوج، هدم المبنى، لأنه لا يدر أرباحا اقتصادية كافية. إلا أن حزب العدالة والتنمية الحاكم تخلى عن هذه الخطة بعد أن قوبلت برفض شعبي واسع.
وفي نوفمببر (تشرين الثاني) 2007، سجل مجلس حماية إسطنبول في أنقرة المركز باعتباره رصيدا ثقافيا للبلاد، وفي فبراير (شباط) 2012 بدأت أعمال الترميم من خلال منحة بقيمة 30 مليون ليرة تركية (نحو 9 ملايين دولار) بدعم من مجموعة صابانجي، وألغي المشروع في وقت لاحق، لأنه وبحسب ما قيل بدت عملية إعادة بناء المركز «مستحيلة».
وخلال العام الجاري أطلقت الحكومة مخططا لإعادة بناء المركز، وأعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في 12 يونيو (حزيران) الماضي عن إعادة إنشاء المبنى، أثناء لقائه مجموعة من الفنانين الأتراك، قائلا: «سنقوم ببناء دار أوبرا رائعة وصناعة نصب جميل في مدينتنا الجميلة إسطنبول من خلال استغلال المساحات غير المستخدمة التي تقع حول المبنى وبالقرب منه. ونخطط حاليا لإعادة البناء وسنبدأ التنفيذ قريبا».
ووقع اختيار بلدية إسطنبول على المهندس المعماري مراد تابانلي أوغلو نجل المهندس حياتي تابانلي أوغلو، ليكون مسؤولا عن مشروع إعادة بناء المركز هذه المرة خلفا لوالده الراحل.
واستغرق مشروع تطوير ميدان تقسيم في إسطنبول سنين طويلة من الجدل بسبب المعارضة الشديدة من جانب فريق من الرافضين للمساس بالميدان الذي يعد أشهر ميادين إسطنبول وأكثرها جذبا للسياح الأجانب والمواطنين الأتراك، على حد سواء.
وشهد ميدان تقسيم احتجاجات واسعة في يونيو (حزيران) عام 2013 عندما كان إردوغان رئيسا للوزراء بسبب خطة لبناء نسخة من ثكنة عثمانية داخل متنزه «جيزي بارك» الملاصق للميدان، وخرج مئات الآلاف إلى الشوارع، احتجاجا على اقتطاع مساحة من الحديقة سرعان ما تحولت إلى أعمال فوضى وتخريب.
وكان مجلس الدولة التركي ألغى مشروعا في عام 1983 لتطوير ميدان تقسيم كان يتضمن إقامة جامع وأسواق ومرآب للسيارات لخدمة الجمهور، وبعد مظاهرات جيزي بارك في 2013 عرض المشروع مرة أخرى على مجلس الدولة الذي قرر إلغاءه أيضا في عام 2015.
وفي 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وافقت مديرية حماية التراث الثقافي في إسطنبول على مشروع بناء جامع في منطقة تقسيم، التي تتوسط المدينة، وقالت المديرية، التابعة لوزارة الثقافة والسياحة، إنها أبلغت جميع المؤسسات المعنية بالمشروع بقرار مصادقتها عليه، وإنه لم يعد هناك أي عائق يمنع من البدء بتنفيذ المشروع. وعندما كان إردوغان رئيسا لبلدية إسطنبول الكبري في التسعينات، قال إن إقامة الجامع في إسطنبول ستكون للصالح العام وفي 19 يوليو (تموز) الماضي 2016 قال مرة أخرى إن خطة إقامة الجامع باتت جاهزة وإن ميدان تقسيم سيصبح أكثر جمالا بإنشائه.
وانطلقت أعمال بناء جامع تقسيم الذي ظل حلما يراود الرئيس رجب طيب إردوغان منذ إن كان رئيسا لبلدية إسطنبول في تسعينيات القرن الماضي في فبراير (شباط) الماضي.
ووضع حجر أساس الجامع الجديد الذي سيقام على مساحة ألف و500 متر مربع في حفل بسيط وتحت حراسة قوات الشرطة ليسدل الستار على جدل استمر لعقود بين مؤيدين ومعارضين لبناء الجامع داخل الميدان. ونوقشت خطط بناء مسجد في تقسيم على مدى عقود، وتمسك المؤيدون بأنه لا توجد أماكن عبادة كافية للمسلمين قرب واحد من أكثر مراكز المدينة ازدحاما، فيما اعتبر المعارضون أن المشروع يقضي على روح الميدان التي عرف بها.
وعمل إردوغان، من أجل إقامة الجامع في ميدان تقسيم الذي لا يوجد به سوى مسجدين مساحتهما صغيرة ولا يستوعبان الأعداد الكبيرة للمصلين في أكبر ميادين تركيا ازدحاما بالأتراك والسياح من جنسيات مختلفة.
ويعتبر معارضون أن مشروع جامع تقسيم هو محاولة لإضفاء صبغة دينية أكبر على ميدان يوجد به النصب التذكاري لمؤسس الجمهورية العلمانية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.
ويأتي تركيز إردوغان على هذه المنطقة الرابطة بين الشطرين الأوروبي والآسيوي لإسطنبول بالذات نظرا إلى رمزيتها، حيث يمثل ميدان تقسيم مركز المدينة الحديثة، وهي منطقة سياحية تنتشر فيها المحال التجارية، الملابس بالأساس، وتمتد بطول شارع الاستقلال الذي كان يسمى في العهد العثماني «الشارع الكبير»، وتم تغيير اسمه إلى شارع الاستقلال بعد إعلان الجمهورية في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1923.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».