الجوائز في عالمنا العربي لها دائماً حسابات أخرى

الحضور شرط الحصول عليها

إليسا - كاتب السيناريو وحيد حامد - الكاتب الروائي صنع الله إبراهيم - الفنانة ميرفت أمين
إليسا - كاتب السيناريو وحيد حامد - الكاتب الروائي صنع الله إبراهيم - الفنانة ميرفت أمين
TT

الجوائز في عالمنا العربي لها دائماً حسابات أخرى

إليسا - كاتب السيناريو وحيد حامد - الكاتب الروائي صنع الله إبراهيم - الفنانة ميرفت أمين
إليسا - كاتب السيناريو وحيد حامد - الكاتب الروائي صنع الله إبراهيم - الفنانة ميرفت أمين

عدد كبير من النجوم عندما تسألهم عن الجائزة يقولون لك يكفيني جائزة الجمهور، وفي العادة يضيف النجم أو النجمة، «عندي غرفة امتلأت عن آخرها بالجوائز واضطررت أن أفتح بجوارها غرفة أخرى، شبعت من الجوائز، ولا أريد ولا أطمح في المزيد»، وعلى الرغم من ذلك فإنهم بمجرد أن يلوح لهم أحدهم ولو من بعيد لبعيد بجائزة، يسارعون باللهاث وراءها، ولسان حالهم يقول هل من مزيد والبحر يحب الزيادة.
قال لي كاتب السيناريو المخضرم وحيد حامد، إنّه أمضى يومين في غرفة الجوائز وتفحصها بعناية، فاكتشف أنّ نصفها على الأقل لا تعني بالنسبة له أي قيمة أدبية، فهي من أشخاص بلا مصداقية أو جمعيات بلا هوية، فقرّر التخلص منها بإلقائها في النيل، إلا أنه تذكر حكمة قدماء المصريين (لا تلوث ماء النيل) فتراجع عن قرار إغراقها، ووجد أنّ الحل البديل هو حرقها، ولكنّه حفاظاً على البيئة تراجع أيضاً عن فكرة إشعال النيران، خاصة وأنّها ورقية وستؤدي إلى زيادة مأزق الاحتباس الحراري وهو أصبح في السنوات الأخيرة من أصدقاء البيئة، وأخيرا لم يجد أمامه سوى أن يمزقها، ويلقيها في سلة المهملات، حتى التماثيل ستلقى نفس المصير فهي لن تُغري أحداً باقتنائها، كان وحيد صادقا مع نفسه وهو يتخلص من أكاذيب تحمل أسماء جوائز، إلا أن السؤال هل يتوقف نجومنا على النهم وراء تلك الأكاذيب؟.
أكتشف نجومنا أنّ ما يتبقى مع الزمن في ذاكرة الناس هو الجائزة، أقصد صورتهم وهم يحتضنونها، ما قبل وما بعد ذلك ينتهي، ولهذا لم تعد تشغلهم سوى أن تلتقط لهم صورة وهم يلوحون بالجائزة لجمهورهم الذي يصفه دائماً بالحبيب.
بعض من نتائج لجان التحكيم خاصة في عالمنا العربي مطعون في مصداقيتها، كنت متابعا في كواليس بعضها، وكثيراً ما يجري في اللحظات الأخيرة تزوير لصالح نجمة، ستكتشف أنّ النساء أكثر ولعا من الرجال في اقتناء الذهب وأيضاً اقتناء الجوائز، أتذكر مثلا في عام 1991 عندما عُرض لسعاد حسني في مهرجان «الإسكندرية» السينمائي، فيلم «الراعي والنساء» الذي شهد آخر إطلالة سينمائية لها، استقر رأي لجنة التحكيم في البداية على أن سعاد ستحصل على جائزة أحسن ممثلة، وتسربت النتائج للصحافة، ولمحت يومها سعاد حسني في أحد فنادق الإسكندرية، وهي في طريقها للحفل، وهنأتها بالجائزة فقالت لي هل أنت متأكد؟ أجبتها نعم والطبعات الأولى من صحف الغد ستنشر اسمك، لأن النتائج أعلنت في مؤتمر صحافي، أجابتني انتظر قليلا. على ما يبدو أنّ سعاد كانت قد وصلتها المعلومة، فقد استبدلت جائزتها لصالح نجمة أخرى، منحوها جائزة «أفضل ممثلة»، بينما حصلت سعاد على جائزة لجنة التحكيم، وقبلها بعامين 1989، كانوا قد اتصلوا بميرفت أمين، أيضاً من المهرجان نفسه، للحصول على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم «الأراجوز» وبعد أن أعدّت كل شيء وتأهبت للسفر، عادوا وقالوا لها «هارد لك» لا داعي للسفر، لقد مُنحت الجائزة لنجمة أخرى.
كثيراً ما كان يتعرض مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون، للضغوط إذ كان يمنح جوائزه لأفضل الأعمال العربية في الدراما والمنوعات مرئية كانت أو مسموعة، إلا أن الضغوط التي كانت تمارس، سياسية هذه المرة.
المهرجان بدأ عام 1994، ينظّمه اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري، ملحوظة توقف المهرجان بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، كان الغرض من إقامته أن تصل الرسالة للقيادة السياسية بأنّ الإعلام في عهد حسني مبارك يحتل المكانة الأولى عربياً، ولهذا يراعي في كل دورة أن تحصل مصر في مختلف المسابقات على النصيب الأكبر، ولا بأس من أن تُوزّع باقي الجوائز بنظام «الكوتة»، حيث تحصل كل دولة عربية على قسط من الجوائز، وهنا تلعب السياسة دورها في صياغة الجوائز.
مهرجان دمشق السينمائي الذي بدأ في نهاية سبعينات القرن الماضي، كان يضع دائماً السياسة معياراً رئيسياً في توجيه الجوائز، فلا جائزة إلّا وكانت في الأساس لدولة صديقة تتوافق سياسياً مع سوريا، والعلاقات السياسية بين سوريا والدول سواء في العالم العربي أو الغربي، تحدّد توجه الجوائز، وهكذا مثلاً عندما تصل العلاقة بين مصر وسوريا لدرجة عالية من التوافق، تجد على الفور انعكاس ذلك على النصيب المصري من الجوائز، وقبلها زيادة عدد أفراد الوفد المصري، وعندما تتبدل الأحوال يُقلّص عدد الضيوف وتُلغى الجوائز.
عصر الانتشار الفضائي طرح نوعيات أخرى من المهرجانات، من خلال تسويق الحدث باعتباره مادة قابلة للبيع والشراء، بعض المهرجانات والتظاهرات التي تنظّمها الجمعيات في كثير من الدول العربية صارت تشترط حضور النجم أو النجمة ولهذا فإنّ عدداً من القائمين على الجوائز يتركون الباب مفتوحاً، فلا يعلنون عن اسم الفائزين إلّا عندما يتأكدون حقاً من وصولهم إلى الحفل.
مؤخراً في إحدى الحفلات التي استضيفت في لبنان، شاهدت نجمة لم تشارك هذا العام في بطولة أي مسلسل درامي، ولكنّهم اتفقوا معها على أنّها ستحظى بلقب نجمة رمضان وهي طبعاً وافقت لأنّها ستحتضن في نهاية الأمر جائزة، وشاهدت نجماً كان هو الأسوأ درامياً في رمضان، ولكنّه حضر للحفل فانتقل بقفزة واحدة من الأسوأ للأفضل.
جزء كبير من تفشي تلك الظاهرة عربياً سببه المباشر حاجة الفضائيات إلى مادة مجانية وحضور النجوم الحفل يحقق لهم هذا الرواج، ويقف أمام الكاميرا ليسجل الحوار، وفي العادة تستطيع أن تطلق عليها «المصالح تتصالح». المنظمة أو المؤسسة أو الشركة التي منحت الجائزة لها مصلحتها في ترديد اسمها وذيوعه فضائياً، وهي في الوقت نفسه لا تسدّد أي مبالغ للنجم حتى يحضر، ربما فقط يدفعون ثمن تذكرة الطائرة، أمّا الإقامة فإن الفندق الذي يستقبلهم ستجري له دعاية في كل ملصقات المهرجان، أي سيكون هناك نظام أشبه بنظام المقايضة بين الجميع، كما أن القنوات الفضائية تحصل على مادة بها نجوم من دون أن تضطر لدفع مقابل لهم بالعملة الصعبة، ويبقى المشاهد، وحسب ظنّي أنّه أمام كثرة التكريمات والجوائز، لم يعد يعنيه من قريب أو بعيد من حصد الجائزة ومن فاتته، فهو يتابع فقط ما يراه لتمضية وقت الفراغ.
أكثر جائزة محاطة بالشبهات هي «الميوزيك أوورد»، وعلى الرغم من ذلك فهي تحظى بأكبر اهتمام إعلامي، وهي جائزة تستند أساساً إلى القيمة الرقمية، أي عدد توزيع الأشرطة و«السي دي»، وكثيرا ما طُعن في مشروعيتها، مثلاً المطرب الإماراتي حسين الجسمي مرة قبل 10 سنوات، أعلن أنّه رفضها لأنّهم طلبوا منه مليوني دولار ثمناً للجائزة، وفي ذلك العام ذهبت الجائزة للمطربة إليسا التي أزعجها قطعاً تصريح الجسمي، لأنه أفقدها مشروعيتها. تامر حسني أعلن أنّ منتج شرائطه السابق محسن جابر كان على استعداد أن يدفع المطلوب، ولكنّه رفض وكان الكلام نفسه أيضاً قد ردّده في الماضي محمد فؤاد، وسميرة سعيد ذكرت أنّ هناك الكثير من الشبهات تُحيط بتلك الجائزة، ولكنّها استثنت فقط الجائزة التي حصلت عليها من «الميوزيك أوورد».
وتبقى الجوائز الدولة الرسمية، فكثيراً ما يتردد السؤال هل تمنح لمن ترضى عنهم الدولة؟ مثلاً بعد أن أصدر في مصر الرئيس جمال عبد الناصر القرار الجمهوري بمنح هذه الجوائز عام 1958، وتعدّدت أسماء الحاصلين عليها من كبار الأدباء مثل طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ والموسيقار محمد عبد الوهاب، اعترض المتخصصون بعدها على منح أم كلثوم جائزة الإبداع بحجة أنّ الصوت مهما بلغت عظمته هو في النهاية مؤدٍ وليس مبدعاٍ، إلى أن تدخل عبد الناصر وحصلت أم كلثوم على وسام الجمهورية للفنون عام 1965، وبعدها بثلاث سنوات نالت جائزة الدولة التقديرية.
لا أوافق بالطبع على اعتبار أن الصوت الاستثنائي مثل أم كلثوم أو فيروز أو وديع الصافي أو عبد الحليم وغيرهم، لا يعد مبدعاً، ولكن أرى تلك الواقعة من زاوية أخرى، كعنوان صارخ لتدخل السلطة السياسية في فرض قناعتها على أهل العلم والاختصاص، وللتذكرة أشهر من أبدعوا الألحان على حنجرة أم كلثوم مثل محمد القصبجي وزكريا أحمد لم يحصلا على «التقديرية»، بينما رياض السنباطي حصل عليها بعد رحيل أم كلثوم.
هل نستعيد معاً حكاية الكاتب الروائي صنع الله إبراهيم، وما فعله على الهواء في المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية عام 2003؟ لا بأس، عندما أرادت الدولة أن تحتويه وتستقطبه مع زمرة المؤيدين من الأدباء، قرر هو بدهاء أن يتلاعب بالدولة، اتصل به وقتها د. جابر عصفور، أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، وقال له بأنّ جائزة الرواية العربية لك هذا العام، وقدرها 200 ألف جنيه، والرقم مغرٍ جداً بمقياس تلك الأيام أكثر من 50 ألف دولار؟ قرر صنع الله أن يتظاهر بإعلان الموافقة بل والسعادة، لأنه كان يريد أن يصل صوته للناس جميعاً، أنّه يرفض الحصول على جائزة في دولة مبارك، وانتظر حتى لحظة صعوده على خشبة المسرح، وكان يقف على الميمنة فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق والميسرة د. جابر عصفور، ليعلن رفضه للجائزة في ظل حكم دولة مبارك. بدأت الدولة من بعد هذه الحادثة تتردد كثيراً من منحها لأحد مشكوك في ولائه، وهكذا عندما توجهت وزارة الثقافة لمنح جائزة مبارك للمخرج يوسف شاهين، حصلوا منه ومن أهله وعشيرته، أقصد تلاميذه وأصدقائه، على تعهد بأنّه لن يرفضها ولن يفضحهم عالمياً. وكان يوسف شاهين قد قرّر أن يودع قيمة الجائزة المادية، في وديعة تذهب حصيلتها سنوياً، لأوائل معهد السينما، وهكذا لم يجد بأسا وقتها عام 2007، قبل رحيله بعام واحد، من قبول جائزة تحمل اسم مبارك.
ليست طبعاً كل الجوائز مطعوناً في ذمتها ومشروعيتها، إلا أنك لو تأملت القسط الوافر منها، ستكتشف أنّه بالإضافة للقيمة الإبداعية المستحقة، هناك أيضاً حسابات أخرى، هي التي تلعب أحياناً دور البطولة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».