مع اقتراب العام الدراسي... قرض سقفه مائة دولار للعاملين السوريين

الراتب الشهري للموظف السوري 60 دولاراً وينفق 500

أسعار السلع من الكتب إلى الملابس والمواد الغذائية باتت فوق قدرة محدودي الدخل من السوريين (إ.ب.أ)
أسعار السلع من الكتب إلى الملابس والمواد الغذائية باتت فوق قدرة محدودي الدخل من السوريين (إ.ب.أ)
TT

مع اقتراب العام الدراسي... قرض سقفه مائة دولار للعاملين السوريين

أسعار السلع من الكتب إلى الملابس والمواد الغذائية باتت فوق قدرة محدودي الدخل من السوريين (إ.ب.أ)
أسعار السلع من الكتب إلى الملابس والمواد الغذائية باتت فوق قدرة محدودي الدخل من السوريين (إ.ب.أ)

«المدارس على الأبواب» هو العنوان الأبرز في قائمة هموم السوريين بعد انتصاف شهر أغسطس (آب) من كل عام، إلا أن اقتراب موعد بدء العام الدراسي لهذا العام لا يأتي بمفرده، بل يترافق مع سلة هموم اقتصادية منهكة للسوريين المنهكين أساسا بعد 6 سنوات من الحرب والدمار والانهيار الاقتصادي.
ويسبق عيد الأضحى موعد افتتاح المدارس بأيام قليلة، ليفتتح به السوريون شهر سبتمبر (أيلول) المقبل؛ الذي هو شهر المؤونة (شراء وتخزين مؤن الشتاء الأساسية من الاحتياجات الغذائية) التي تتطلب ميزانية سنوية كبيرة تتجاوز الخمسمائة ألف ليرة لعائلة من 4 أفراد. أبو خالد يعمل مستخدما في دائرة حكومية ودخله لا يتجاوز الخمسين دولارا شهريا، يقول إن عائلته تخلت عن عادة تخزين المؤونة، ويتم تحضير بعض المأكولات الموسمية بكميات قليلة جدا؛ «كي لا نفوّت الموسم، كأن نكتفي بـ(3 كيلو مكدوس، بدل 25 كيلو) كنا نعدها في السابق». ويتابع أبو خالد أن مؤونة الشتاء لم تعد ضمن همومه: «لقد تعودنا على تأمين كفاف قوتنا كل يوم بيومه... ما يقلقني هو مصاريف افتتاح المدارس، فبعد حساب حاجيات أولادي الأربعة تبين أن مائتي ألف ليرة سورية لن تكفي، وفي حال ضغطنا المصاريف إلى الحد الأدنى فسنحتاج إلى مائة ألف، وأنا دخلي لا يتجاوز الثلاثين ألفا!!».
وبحسب صحيفة «تشرين» الرسمية التابعة للنظام، ارتفعت أسعار المستلزمات المدرسية في أسواق دمشق هذا العام عن العام الماضي بنسبة تتراوح بين مائة ومائتين في المائة تقريباً، فمثلاً بلغ سعر ملابس المرحلة الابتدائية بين 1200 و1800 ليرة، والبدلة للمرحلتين الإعدادية والثانوية بين 8 آلاف و12 ألف ليرة، وسعر القلم الجاف العادي مائة ليرة، والقلم الرصاص العادي 75 ليرة، والقلم الرصاص الكبس مائتي ليرة، وسعر الدفتر العادي مائة ليرة، في حين بلغ سعر الحقيبة المدرسية الكبيرة بين 6 آلاف و8 آلاف حسب قماشها وجودتها، والمقاس الصغير بين 4 آلاف و6 آلاف ليرة، مع العلم بأن «السورية للتجارة» تقدم الأحذية والحقائب المدرسية بأسعار مقبولة، فقد بلغ سعر الحقيبة المدرسية فيها ما بين ألفين 4 آلاف ليرة، وبلغ سعر الحذاء ما بين ألفين 4 آلاف ليرة.
يذكر أن الأسعار التي أوردتها صحيفة «تشرين» هي أسعار سلع من إنتاج القطاع العام، فيما تبلغ أسعار هذه السلع من إنتاج القطاع الخاص والمستورد عدة أضعاف، فإذا كانت مستلزمات التلميذ في مؤسسات الحكومة تعادل قيمتها مائة ألف ليرة سورية (مائتا دولار)، فإن قيمتها مستوردة أو من إنتاج القطاع الخاص تتجاوز مائتي ألف ليرة (400 دولار)، أي ما يعادل إنفاق شهر بالحد الأدنى لأسرة سورية مؤلفة من 4 أفراد، فيما معدل رواتب العاملين في الدولة يتراوح بين 30 و60 دولارا.
وكانت «المؤسسة السورية للتجارة»، وهي من القطاع العام، قد أعلنت قبل يومين أنها ستبيع اللوازم المدرسية والقرطاسية بالتقسيط ومن دون فوائد للعاملين بالدولة الدائمين والمعينين بعقود سنوية وبسقف 50 ألف ليرة سورية لكل عامل (نحو مائة دولار)، على أن يسدد المبلغ على 10 أشهر يقتطع من الراتب، كما فتحت باب التسجيل على قرض شراء القرطاسية من منتصف الشهر الحالي ولغاية نهاية شهر سبتمبر المقبل.
موظفة في بنك حكومي رحبت بالفكرة بوصفها «حصى تسند جرة»، لكنها لا تحل المشكلة، فهي لديها 3 أولاد في المدارس؛ اثنان منهم في المرحلة الثانوية، وكل دفتر يحتاجانه يتجاوز ثمنه الألفي ليرة سورية، في حين أن الدفاتر التي ستبيعها مؤسسة التجارة بثمن مائتي ليرة لا تكفي ولا يحتاجها طالب الثانوي.
من جانب آخر، تشير ربة أسرة تعتمد على مساعدة شقيقها المغترب، إلى أن السقف الذي حددته مؤسسة التجارة لقروض المستلزمات المدرسية «يعكس مدى البؤس الذي وصل إليه واقع حال العاملين في الدولة السورية»، متمنية على حكومة النظام تقديم إجابة واضحة ومقنعة لحل السؤال المعضلة: «كيف يكون راتب الموظف 60 دولارا ومصروفه الشهري 500 دولار؟!».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.