نساء الأردن يكافحن التحرش بالفنون القتالية والمعارك القانونية

مركز للتدريب على رياضة ملاكمة الركل في عمان

أردنيات يتدربن على الفنون القتالية («الشرق الأوسط»)
أردنيات يتدربن على الفنون القتالية («الشرق الأوسط»)
TT

نساء الأردن يكافحن التحرش بالفنون القتالية والمعارك القانونية

أردنيات يتدربن على الفنون القتالية («الشرق الأوسط»)
أردنيات يتدربن على الفنون القتالية («الشرق الأوسط»)

عاشت بتول مهند أسوأ لحظات حياتها قبل سنوات قليلة، عندما اضطرت للانتظار في الشارع لإيقاف سيارة أجرة لتقلها من الجامعة إلى عملها في العاصمة الأردنية عمان. لم تعرف مهند كيف تتعامل مع المعاكسات، أو عندما يقف رجال بسياراتهم عارضين عليها توصيلها، ولا عندما يقفون بالقرب منها بصورة مبالغ فيها.
ولأنها تعمل موظفة استقبال في مركز لتعليم فنون الدفاع عن النفس، فقد قررت تعلم بعض الحركات لاستعادة مساحتها الشخصية في المجتمع. تقول بتول، 22 عاما، إنها، وقعت في حب رياضة ملاكمة الركل (الكيك بوكسينغ).
وتضيف: «كنت قد اعتدتُ على الجلوس إلى مكتبي ومشاهدة الفتيات وهن يغادرن دروس التمرينات، ومع مرور الوقت كان بإمكاني ملاحظة كيف تغير سلوكهن؛ أصبحن أقوى وأكثر سعادة، وأردت فقط أن أكون مثلهن».
وفي مركز «شي فايتر» (هي مقاتلة)، تحولت بتول من موظفة استقبال خجولة إلى مدربة، بعد نحو ثلاث سنوات قامت خلالها بصقل مهاراتها، حسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية.
في هذا المركز تدرس مجموعة من الفنون القتالية القائمة على التايكوندو والملاكمة، وكذلك تنظيم ورشات عمل لتعليم النساء والأطفال كيفية التعامل مع مواقف معينة، مثل كيفية التعامل مع المتحرش، أو ببساطة كيف تكون حازمة معه في مطالبته بالبقاء بعيدا.
تقول مهند: «لا توجد سيدة في الأردن لا تواجه التحرش». ورغم أن كثيرا من السيدات يشكين من ذلك، فلا توجد بيانات حديثة حول حالات التحرش.
ولم تتطرق التعديلات الأخيرة على قانون العقوبات لذكر أو تعريف التحرش الجنسي، وأصبحت عقوبة الإشارات أو العبارات المنافية للحياء الحبس ستة أشهر على الأقل، مقابل ستة أشهر كحد أقصى في السابق.
كما رفع القانون الجديد، الذي وافق البرلمان عليه مطلع الشهر الحالي، ولا يزال بانتظار التصديق عليه، الحد الأدنى لعقوبة الفعل المنافي للحياء من شهرين إلى عام.
وكان التعديل الذي حظي بأكبر قدر من الإشادة هو إلغاء المادة 308 التي تتيح للمغتصبين الإفلات من العقوبة من خلال التزوج بضحاياهم.
تقول هالة عاهد المستشارة القانونية في اتحاد المرأة الأردنية، وهي منظمة غير حكومية تعنى بالمرأة ومقرها عمان: «لسنا راضيات بنسبة مائة في المائة، ولكن هذا أفضل من قبل».
وأقرت بأن غياب تعريف قانوني لما يشكل على وجه الدقة «الأعمال المنافية للحياء» من شأنه أن يصعب التنفيذ، ولا يساعد الجماعات الحقوقية في تجميع بيانات حول التحرش الجنسي. تضيف: «ربما كان هذا عن قصد، لأن عدم توافر البيانات يجعل من الصعب مقارنة الظاهرة بدول أخرى».
ووفقا لاستطلاع حكومي يعود لعام 2012 وهو أحدث استطلاع متاح، فإن ثلث النساء كن ضحايا لعنف جسدي لمرة واحد على الأقل منذ عمر 15 عاما. وكشفت نتائج الاستطلاع عن أن واحدة من كل عشر نساء تعرضت لعنف جنسي، ولكن أقل من اثنتين في المائة يطلبن مساعدة الشرطة.
تضيف عاهد أن «النساء أصبحن أجرأ في نقاش قضايا العنف والتحرش، ولكن ربما نقص المعرفة فيما يتعلق بالخطوات القانونية هو ما يثنيهن عن الإبلاغ». وفي مركز «شي فايتر» بمنطقة خلدا السكنية بعمان، تسترجع بتول مهند أول مرة تعرضت فيها للتحرش بالطريق العام.
تقول: «كنت في الخامسة عشرة من عمري، وبدأ رجل يتحدث عن جسدي... لم أكن أعرف ما الذي يحدث، أو ما الذي يجب أن أفعله، ولذلك عدت للمنزل وبكيت».كانت هناك غصة في صوتها قبل أن تستجمع قوتها وتقيم ظهرها. وتقول: «أتعرض لحالات تحرش أقل الآن، لأني لست خائفة. أعرف أني أستطيع أن أرد، ويمكنني أن أؤذيهم إذا ما اضطررت».
ويوفر المركز دورات تدريبية للأطفال من الخامسة وحتى 13 عاما.
تقول المدربة إيناس خليفة: «أحد أهداف هذه الدورة الصيفية هو جعل الأطفال أن يدركوا أمورا ربما لا تخطر ببال آبائهم. نسمع قصصا عن أطفال يتعرضون لاعتداء أو خطف، وربما لا يدركون ما يحدث خاصة إذا ما كان المهاجم من أفراد العائلة».
ولينا ابنة عم إيناس خليفة هي التي أسست «شي فايتر» بعدما «لم تجد حلا حقيقيا واحدا للعنف ضد المرأة»، وبدأت في الطابق السفلي في منزل والديها قبل افتتاح أول مركز بعد هذا بعامين.
تقول خليفة، التي درست الرياضة في جامعة عمان: «في مجتمعنا، يجب تربية المرأة على أن تكون واثقة من نفسها وقوية. لدي شيء أستطيع أن أعلمه للآخرين، لتعزيز قوتهم البدنية والنفسية».
كما تتطوع خليفة ومهند وغيرهما لتدريب النساء والأطفال في المدارس ومخيمات اللاجئين. ولا تزال مهند تشعر بالحماسة إزاء دورة تدريبية استمرت ست ساعات للاجئين في مدينة إربد شمالي البلاد. وتضيف: «لقد تعلمن بعض الحركات التي أعتقد أنها ستغير حياتهن. ولم لا؟ فقد غيرت حياتي».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».