رثاء الأحياء في وجداننا رغم الموت

عبد الحسين عبد الرضا... أراح قلوبنا وأتعب قلبه

وثيقة بخط يده  نشرها المؤلف بدر محارب
وثيقة بخط يده نشرها المؤلف بدر محارب
TT

رثاء الأحياء في وجداننا رغم الموت

وثيقة بخط يده  نشرها المؤلف بدر محارب
وثيقة بخط يده نشرها المؤلف بدر محارب

يقول المهتمون بعلم النفس إن سماعك خبر موت شخص تعرفه يمر بعدة مراحل، أولها عدم التصديق، أي أنك تستنكر كلام الذي يبلغك الخبر وترفضه في اللحظات الأولى، ثم الصدمة، ثم البكاء.
ويبدو أن خبر رحيل الفنان عبد الحسين عبد الرضا، سيظل متوقفاً عند الحالة الأولى وهي عدم التصديق، ذلك أن هناك أناساً من شدة ما التصقوا بنا يصعب علينا الاقتناع بفكرة رحيلهم. أو على الأقل لا نتمكن من رثائهم لشعورنا بأنهم ما زالوا أحياء في وجداننا على الأقل. وهذا هو السبب الذي جعل أحد محبي الفنان عبد الحسين يكتب على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي: «لا أدري لماذا قلت: لا... لا عندما أخبرني رفيقي برحيل أبي عدنان وكأنه يفترض ألا يرحل!»
عبد الحسين عبد الرضا مدرسة في الكوميديا، حتى إن الفنان داود حسين قال عنه قبل سنوات في أحد برامجه إن هناك من يحاول تقليد حتى طريقته في المشي، هذه العبارة ظلت تراودني إلى أن التقيت عبد الحسين في مطار الكويت خلال رحلة جمعتنا مصادفة، كان مجموعة من الفنانين الشباب في وداعه، ومن روعة المصادفة أن الطائرة كانت قليلة الركاب الأمر الذي أتاح لي الانتقال من مقعدي إلى جوار مقعده لبعض الوقت، كان كافياً للدخول إلى أعماقه، وبدلاً من أن أتحدث إلى رجل في سن الكهولة آنذاك، وجدتني أتحدث إلى طفل نقي يسكن في أعماقه، حينها أدركتُ أن سر النجاح يكمن في انسجام شخصية الفنان الحقيقية مع ما يقدمه للناس.
طلبتُ من الأكاديمي المسرحي الدكتور سليمان آرتي الذي يعرف الفنان عبد الحسين عن كثب، أن يتحدث لـ«الشرق الأوسط» حول مدرسة عبد الحسين عبد الرضا الكوميدية، فأرسل لي تسجيلاً صوتياً موشحاً بحزن عميق، وهو يقول: «عندما نقول إن رحيله خسارة كبيرة، فإننا نعني تماماً بصفتنا متخصصين في المسرح حجم هذه الخسارة، ليس فقط على المستوى العاطفي، بل على المستوى الإبداعي، فهو شخص تجمعنا به أعوام طويلة ليتحول منذ الستينات إلى منارة من منارات الكويت التي نفتخر بها. عبد الحسين من وجهة نظر أكاديمية هو فنان شامل، مارس الكتابة في فترة مبكرة، واستطاع أن يعكس كل قضايا المجتمع سواء كانت تاريخية أو معاصرة، فمن الناحية التاريخية شاهدنا ذلك في مسلسلات كثيرة له أبرزها (الأقدار) التي كانت من تأليفه، و(درب الزلق) التي شارك فيها بالبطولة، وجسدت حقبة تاريخية من تاريخ الكويت. عبد الحسين نهض بالفن المسرحي وأعطاه بعداً جماهيرياً من خلال كوميديا راقية، فهي ليست كوميديا فارس، وهي ليست كوميديا ابتذال وليست كوميديا تجارية، ولم يقدم فناً هابطاً، بل قدم فناً راقياً وهادفاً، ومشرفاً. لديه كاريزما قوية تؤهله للتحكم بالمسرح والممثلين والجمهور. إضافة إلى نبرة صوته وخفة ظله وتعليقاته البديهية والتلقائية من دون تكلف ومن دون تصنع».
ويضيف الدكتور سليمان آرتي: «يحسب للفنان عبد الحسين عبد الرضا أنه أول من أدخل المسرحية التسجيلية على المسرح في الوطن العربي بشكلها الفني المتكامل، وذلك من خلال مسرحية فرسان المناخ، ولديه مسرحية سيف العرب التي تؤرخ لفترة الغزو ويؤسس لفترة تاريخية ويوجع النظام العراقي آنذاك. استطاع أن يقلد صدام حسين على المسرح ويضحكنا ويبدل آلامنا إلى ضحكات. هذا الفنان وخلال خمسين عاماً من العطاء على مستوى التأليف والتمثيل والارتجال كان نجماً بلا منازع في الوطن العربي وأصبح أحد منارات الفن الكوميدي، فهناك منارات قليلة مثل دريد لحام، وكان نموذجاً مشرفاً، فهو من العمالقة الذين أسسوا للمسرح الكويتي».
وثيقة نادرة
أردت تتبع بعض ما كتبه الفنانون والإعلاميون والمثقفون على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي حول رحيل الفنان عبد الحسين عبد الرضا، من مختلف الجنسيات، فوجدت الآتي:
المؤلف الكويتي بدر محارب نشر على صفحته في «فيسبوك» وثيقة نادرة جداً بخط الراحل عبد الحسين عبد الرضا، تعود إلى عام 1969 وقد كتبها عبد الحسين بوصفها دعوة لحضور مسرحيته التي ألفها والتي بعنوان «من سبق لبق»، ويقول فيها: «الكويت في 19 - 4 – 1969... حضرات المحترمين تحية طيبة، ألتقي بكم وللمرة الثانية في التأليف المسرحي، وسبق أنني كتبت مسرحيتي اغنم زمانك التي لاقت نجاحاً كبيراً بفضل تشجيعكم، وفي هذه المرة أدعوكم لمشاهدة (من سبق لبق) حيث نعيش ليلة سعيدة هانئة بعيدة عن كل ما يعكر صفونا... ستضحكون وسأضحك أنا أيضاً، سعيد بسعادتكم وختاماً تمنياتي لكم بقضاء وقت طيب معنا ومع مسرحية من سبق لبق. وشكراً. المؤلف عبد الحسن عبد الرضا».
الإعلامية الأردنية عزيزة علي عاشت فترة من حياتها في الكويت، لذلك فهي تقول: «يشكل الفنان الكويتي عبد الحسين عبد الرضا جزءا من ذاكرة المكان والزمان الجميل الذي عشت فيه طفولتي وجزءا من شبابي. في الكويت منه تعلمنا الضحكة والفرح ونحن صغار حتى ونحن كبار كنا ننتظر مسلسلاته بفارغ الصبر».
الأكاديمية المسرحية الدكتور نادرة قنة وصفت الراحل بهذه الكلمات: «موليير الكويت... وفيلسوف الصناعة الكوميدية، وباني البسمة الإنسانية الفنان الرمز عبد الحسين عبد الرضا».
الكاتب العماني سليمان المعمري كتب على صفحته عن عبد الحسين: «الرجل الذي رسم البهجة والفرح في طفولتي ومراهقتي».
الشاعر الإعلامي السعودي هاشم الجحدلي بث حزنه بكلمات مؤثرة: «وداعاً بحجم الغياب. لقد كنت شيئاً جميلاً».
الروائية الكويتية ميس العثمان كتبت: «خلانا... على بساط (الحزن)... وغادرنا لمحبة الله. جولة على حسابات الكويتيين الإلكترونية تُعرّف العالم بأن الكويت تعيش حدادا عاماً حقيقيا. أنت في قلب الله يا حبيب الشعب، باقٍ لأنك مبدع، وميراثك الماتع هو ميراثنا كي لا تصدأ الضحكات ولا تنتهي... الكويت تحبك».
عبد الحسين عبد الرضا، لطالما أسعد القلوب، يموت بسبب القلب، أراح قلوبنا وأتعب قلبه.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».