عرض موسيقي يتغنى بالحب والسلام في مهرجان قرطاج

قدم 16 قصيدة من 16 دولة... ونزار قباني وأبو القاسم الشابي يمثلان العالم العربي

جانب من العرض - إحدى الراقصات التي رافقت العروض الموسيقية ({الشرق الأوسط})
جانب من العرض - إحدى الراقصات التي رافقت العروض الموسيقية ({الشرق الأوسط})
TT

عرض موسيقي يتغنى بالحب والسلام في مهرجان قرطاج

جانب من العرض - إحدى الراقصات التي رافقت العروض الموسيقية ({الشرق الأوسط})
جانب من العرض - إحدى الراقصات التي رافقت العروض الموسيقية ({الشرق الأوسط})

قدم الفنان التونسي مقداد السهيلي عرضا موسيقيا يتغنى بالحب والسلام، واعتمد في ذلك على عدد من اللوحات الفنية الراقصة التي نفذها نحو 60 عنصرا بين عازفين وراقصين ومغنين. وطوّع قصائد عربية وغربية ومن كل اللغات، لتتحلى بألحان عربية شرقية نجحت في تحقيق هدف إنساني سليم، يتمثل في أخوة الإنسان لأخيه الإنسان.
وطوال أكثر من ساعتين من الحضور ليلة الخميس على ركح مهرجان قرطاج الدولي، تولى السهيلي تقديم 16 مقطعا غنائيا معتمدا على قصائد لـ16 شاعرا من 16 دولة من دول العالم، ممن تغنوا بالحب والسلام، وهي قصائد تولّى تعريبها الشاعر التونسي الراحل محمد بن صابر.
وضمت الفئة الشاعر السوري نزار قباني والشاعر الأميركي إدغار آلان بو، والسنغالي ليوبولد سنغور، والروسي بوشكين، والبلغاري بايو لافروف، والتركي توفيق فكرت، والشاعر الفرنسي لامارتين.
ورافقت إيقاعات موسيقى «للحب والسلام» لوحات راقصة متنوعة للتعبير عن مضمون كل أغنية من هذه الأغاني، وإبراز ميزات الدولة التي زارها العرض، عبر جولة موسيقية تأخذ المتفرج من عالم الشرق الساحر إلى عالم الغرب الثائر.
وكانت سهرة فنية راقية، من خلال ما تغنى به فنانون تونسيون شبان، من قصائد جابت بالحاضرين معظم أصقاع العالم وعرضت عليهم وجهات نظر مختلفة ومواقف إنسانية عالية الدقة، تتغنى كلها بمعاني الحب الصافي والسلام، الغاية السامية لسكان المعمورة.
وانطلقت هذه الرحلة الموسيقية المختلفة تماما عن العروض التجارية السابقة، من إيطاليا بقصيدة «الجحيم» لدانتي، أداها الفنان التونسي محمد علي شبيل، ثم عرضت المجموعة الموسيقية قصيدة «إلى هيلين» للأميركي إدغار آلان بو، وقصيدة «للناي» للسنغالي سنغور، وقصيدة «هذا أنا» لنزار قباني، وقصيدة «فتاة المياه» للشاعر بوشكين، وقصيدة «عينان نجلاوان» للشاعر البلغاري بايو لافروف، وللفرنسي لامارتين قصيدة «البحيرة»، إضافة إلى «الحياة» للشاعر التركي توفيق فكرت.
وجاب مقداد السهيلي بقية أصقاع الأرض، ليتغنى بقصائد من اليابان ومن الهند ومن الصين الشعبية، ولم تنس الفرقة الموسيقية «غوته» شاعر ألمانيا العظيم، حيث أدت له قصيدة «العاشق رغم أنفه»، و«وداعا يا بلدي» للشاعر الإنجليزي لورد بايرون.
وانتهت رحلة الموسيقى الرائقة في تونس على إيقاعات الموسيقى العسكرية، حيث أدّت كامل المجموعة قصيدة «إلى طغاة العالم» لشاعر تونس الأول أبو القاسم الشابي.
وإثر العرض الموسيقي، قال مقداد السهيلي صاحب هذا التصور الفني، إن خصوصية عمل «للحب والسلام» تكمن في محافظة الموسيقى على ألحانها الشرقية ذات الطابع المميز طيلة العرض، رغم استعراضها ثقافات مختلفة ودولا لها ميزات ثقافية تختلف عن العالم العربي، وهو اختيار فسره السهيلي بالمحافظة على الموروث الموسيقي الشرقي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».