فضيحة البيض الملوث تطال مزيداً من الدول الأوروبية

TT

فضيحة البيض الملوث تطال مزيداً من الدول الأوروبية

ارتفع عدد الدول الأوروبية التي طالتها فضيحة البيض الملوث بمبيد الحشرات «فيبرونيل» التي أدى التحقيق فيها إلى توقيف شخصين في هولندا وإلى مداهمات في بلجيكا.
وأعلن المفوض الأوروبي للصحة فيتينيس أندريوكايتيس، لوكالة الصحافة الفرنسية، أن المفوضية ستدعو الدول التي طالتها الفضيحة إلى اجتماع فور كشف ملابساتها.
وقال في رسالة خطية: «اقترحت عقد اجتماع على مستوى عال يضم ممثلي وكالات الأمن الغذائي في كل الدول الأعضاء المتأثرة ما إن تعرض علينا الوقائع»، موضحا أنه ناقش هذه القضية مع وزراء من بلجيكا وهولندا وألمانيا.
ونجمت هذه الفضيحة عن استخدام مادة «الفيبرونيل» المحظورة في مزارع الدواجن في الاتحاد الأوروبي، من قبل شركات متخصصة في تطهير هذه المزارع في هولندا وبلجيكا وألمانيا.
وأعلنت الدنمارك ورومانيا وسلوفاكيا أول من أمس (الخميس)، أنها تأثرت بهذه القضية، ما يرفع إلى 12 عدد البلدان التي أكدت وجود بيض ملوث لديها.
وقالت السلطات الغذائية والبيطرية في الدنمارك، إن عشرين طنا من البيض الملوث القادم من بلجيكا بيعت في الدنمارك، بينما أعلنت سلوفاكيا أنها اكتشفت وجود بيض مستورد من هولندا وصل عن طريق ألمانيا.
أما السلطات الصحية البيطرية في رومانيا فقد عثرت في مستودع في غرب البلاد على طن من صفار البيض ملوث بالمادة نفسها قادمة من ألمانيا.
واعترفت بريطانيا التي كانت تؤكد أن الفضيحة لم تطلها سوى بشكل طفيف أول من أمس (الخميس)، بوجود 700 ألف بيضة ملوثة تم استيرادها لتستخدم في صنع منتجات غذائية.
وفي الشق القضائي من الفضيحة، أوقف في هولندا أول من أمس (الخميس)، مسؤولان «في الشركة التي استخدمت المادة في مزارع الطيور على الأرجح» حسب النيابة التي لم تكشف اسمي المسؤولين.
لكن وسائل الإعلام الهولندية قالت إنهما يعملان في شركة «تشيكفريند» التي وجه إليها عدد كبير المزارعين أصابع الاتهام.
وأخيرا في بلجيكا جرت 11 عملية دهم «في جميع أنحاء البلاد»، في إطار التحقيق الذي بات يشمل 26 شخصا وشركة تحوم حولهم الشبهات، كما قالت نيابة إنفير (شمال).
وقالت النيابة، إنه تمت مصادرة «نحو ستة آلاف لتر من المنتجات المحظورة» التي أوضحت وسائل الإعلام أنها «الفيبرونيل» تم ضبطها في يوليو (تموز) في شركة بلجيكية.
ولم يكشف القضاء اسم الشركة، لكن وسائل الإعلام قالت إنها الشركة الموزعة للمنتجات الصحية لمزارع تربية الدواجن «بولتري فيجن» التي تسببت بالفضيحة مع شركة «تشيكفريند».
وتأتي هذه التطورات بينما تثير الفضيحة قلق السلطات الصحية في أوروبا، وإن كان الخطر الذي تشكله على صحة المستهلك محدودا من حيث المبدأ.
ويقول الاتحاد الأوروبي، إنه لا خطر على المستهلك إذا تناول أقل من 0.009 ميلغرام لكل كيلوغرام خلال وجبة طعام أو خلال يوم.
فلشخص يزن ستين كيلوغراما، يشكل ذلك 0.54 ميلغرام أي ثماني بيضات تحوي أكبر كمية من مادة «الفيبرونيل».
وفي برلين أعادت سلسلة متاجر التجزئة للمواد الغذائية «ألدي» أمس الجمعة، بيع البيض في متاجرها بألمانيا عقب سحبها لمنتجات البيض تحسبا لتلوثه بالمبيد الحشري «فيبرونيل».
تجدر الإشارة إلى أن سلسلة «ألدي» تدير في ألمانيا مجموعتي متاجر منفصلتين «ألدي نورد» و«ألدي زود».
وذكرت «ألدي زود» في بيان لها أمس، أنه قد يكون هناك نقص في منتجات البيض حاليا في بعض الأفرع بسبب الفحوص التي تجرى للتأكد من خلو البيض من مادة «فيبرونيل»، «لكن جميع أنواع البيض متوفرة كما هو معتاد في أغلب فروعنا حاليا».
كما قالت متحدثة باسم «ألدي نورد» إن البيض الطازج سيكون متوفرا في أفرع المتاجر، اعتبارا من اليوم باستثناء أفرع قليلة.
وفي العاصمة الألمانية برلين ذكرت وزارة الزراعة الألمانية أن عدد البيض الملوث بالمبيد الحشري «فيبرونيل» ربما يكون أكبر مما هو معروف حتى الآن.
وذكرت صحيفة «راينيشه بوست» الألمانية الصادرة أمس، استنادا إلى رد الوزارة على طلب إحاطة من الكتلة البرلمانية لحزب الخضر، أنه من المرجح أن يكون عدد البيض الملوث الذي تم توريده من هولندا إلى ألمانيا 10.7 مليون بيضة.
و«فيبرونيل» هو مكون شائع في المنتجات البيطرية من أجل القضاء على البراغيث والقمل والقراد في الحيوانات. وهو مبيد محظور استخدامه على الحيوانات التي ستستخدم للاستهلاك الآدمي، إذ إنه يمكن أن يتسبب في أضرار بالكبد والغدة الدرقية والكلى إذا ما تم تناوله بكميات كبيرة.
وفي الدنمارك أعلنت هيئة سلامة الأغذية الوطنية أنها تتعقب أثر عشرين طنا من البيض المستورد الملوث بالمبيد الحشري.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».