شهيد خاقان عباسي «الوجه الآخر» لنواز شريف

يتمتع رئيس الوزراء الباكستاني الجديد، شهيد خاقان عباسي، بسمعة طيبة، باعتباره سياسياً أميناً يعمل بلا كلل، كما أنه لم يخسر انتخابات قط منذ اقتحامه المجال السياسي عام 1988.
انتخب عباسي عضواً في البرلمان ست مرات منذ عام 1988، ويكون بذلك قد فاز في كل الانتخابات التشريعية التي خاضها. وهو يُعتَبَر من الأنصار السياسيين الأوفياء لرئيس الوزراء السابق نواز شريف، وكان هذا تحديداً السبب وراء اختيار نواز له ليحل محله في أعقاب قرار المحكمة العليا في البلاد نزع الأهلية عنه فيما يتعلق بتولي مناصب عامة.
عشية انتخاب المجلس الوطني الباكستاني شهيد خاقان عباسي رئيساً للوزراء، كتبت مريم نواز شريف في تغريدة على «تويتر» أن «عباسي وجه آخر لنواز شريف. وأنا على ثقة بأن رئيس الوزراء الباكستاني الحقيقي نواز شريف سيعود إلى منصبه».
لكن عباسي قال في المقابل: «أنا رئيس وزراء البلاد. سواء كان ذلك لمدة 45 يوماً أو 45 ساعة - وأنا لست هنا فقط لأحتفظ بالمقعد لحساب شخص آخر». وأضاف متعهداً بأنه «إذا كنت بهذا المنصب لمدة 45 يوماً، فسأعمل على إنجاز العمل اللازم لـ45 شهراً».
ودعا رئيس الوزراء الجديد إلى احترام الدستور، قائلاً: «إن العمل السياسي، الذي تشوّهت سمعته، سيستعيد احترامه من جديد. وسواء كنت في الحكومة أو الجهاز البيروقراطي أو المعارضة أو الجيش، فإننا جميعاً في قارب واحد، وحال وجود ثقب في هذا القارب سيكون الغرق مصيرنا جميعاً».
وفي خطابه الأول بعد اختياره رئيساً للوزراء، ركّز عباسي على إحياء الاقتصاد وتحسين وضع القانون والنظام على مستوى البلاد، ووعد بـ«أن أركز جهودي على تحسين الوضع الاقتصادي. وينبغي الالتفات إلى أنه ما من حكومة بالعالم تصدر تراخيص أسلحة أوتوماتيكية لمواطنين عاديين... وإذا نالت حكومتي الموافقة، فسنشرع في اتخاذ إجراءات ضد من يلوحون بالأسلحة الأوتوماتيكية في الأماكن العامة ويثيرون بها الذعر».
يُذكَر أن عباسي ولد عام 1958 في كراتشي، ونال تعليمه المبكر في باكستان، ثم سافر إلى الولايات المتحدة حيث نال درجة البكالوريوس من جامعة كاليفورنيا قبل أن يحصل على درجة الماجستير من جامعة جورج واشنطن في العاصمة الأميركية.
وقبل دخوله الحقل السياسي، عمل مهندساً في مشروعات في الولايات المتحدة والشرق الأوسط.
وينتمي عباسي إلى عائلة باكستانية معروفة على الصعيد السياسي، فقد كان والده خاقان عباسي عميداً في القوات الجوية الباكستانية. وقد عمل بالسياسة ونال عضوية المجلس الوطني وتولى منصب وزير الإنتاج في حكومة ضياء الحق، وذلك حتى وفاته عام 1988 بانفجار ذخائر في معسكر أوجهري في البنجاب، وهو الحادث الذي أسفر عن مقتل أكثر عن 100 شخص وجرح قرابة ألف آخرين. وكانت شقيقة شهيد عباسي أيضاً عضواً في الحزب الحاكم في تسعينات القرن الماضي. أما والد زوجته، فوصل إلى رتبة لواء في الجيش الباكستاني.
وبدأ عباسي مسيرته السياسية في أعقاب وفاة والده بحادث انفجار المعسكر (عام 1988). ومنذ ذلك الحين، انتُخِب عضواً في المجلس الوطني الباكستاني ست مرات عن مقاطعة راولبندي. ويمتلك طائرات خاصة تعمل داخل باكستان، علماً بأنه أسس عام 2003 شركة «إيربلو ليمتد» للطيران التي تولى رئاستها حتى عام 2007. وسبق له أن تولى رئاسة شركة الخطوط الدولية الباكستانية بين عامي 1997 و1999 خلال ولاية الحكومة الثانية لنواز شريف.
وفي الأول من أغسطس (آب) 2017، وقع الاختيار عليه لتولِّي منصب رئيس الوزراء في أعقاب استقالة شريف بناءً على الحكم القضائي الصادر في القضية المعروفة باسم «أوراق بنما».
على الصعيد العلمي، تخصص عباسي في مجال الهندسة الكهربائية. وبعد تخرجه في جامعة جورج واشنطن، شارك في مجموعة مختلفة من المشروعات داخل الولايات المتحدة في ثمانينات القرن الماضي، قبل أن ينتقل إلى المملكة العربية السعودية حيث عمل بصناعة النفط وشارك في مجموعة متنوعة من المشروعات فيها.
وعلى الصعيد السياسي، يشتهر عباسي بالخدمات التي قدمها لأبناء دائرته الانتخابية في منطقة موري، قرب العاصمة إسلام آباد. وفي هذا الصدد، قال محمد إسلام وهو موظف حكومي من أبناء المنطقة: «لعب عباسي دوراً في الحث على بناء شبكة من الطرق والمدارس والمستشفيات داخل دائرته الانتخابية».
والجدير بالذكر أن عباسي تعرض لاتهامات إلى جانب شريف وآخرين في إطار القضية الشهيرة الخاصة بـ«اختطاف طائرة» من جانب حكومة الجنرال برويز مشرف العسكرية في أواخر التسعينات. وتضمنت الاتهامات ضد عباسي آنذاك تهمة منعه هبوط طائرة تقل مشرف في مطار جناح الدولي بكراتشي في طريق عودته من سريلانكا في 12 أكتوبر (تشرين الأول) 1999. وتشير ادعاءات إلى أن عباسي تعرض لضغوط للإدلاء بشهادة ضد شريف في قضية «اختطاف الطائرة»، لكنه رفض. وبالفعل، تعرض عباسي للسجن مدة عامين، وأخلت محكمة سبيله في مارس (آذار) 2001. وفي عام 2008، زعم عباسي خلال مقابلة أجريت معه أن مشرف شخصياً سيطر على الطائرة خلال حادثة «الخطف» عام 1999.
ويصبح عباسي، الذي انتخب لمنصبه يوم الثلاثاء، رئيس الوزراء الـ18 في تاريخ باكستان، وهو حصل على 221 صوتاً من إجمالي 339 صوتاً في المجلس الوطني.
وبوجه عام، يُنظر إلى عباسي (58 عاماً) باعتباره شخصاً شديد الذكاء ومن أشد أنصار شريف إخلاصاً. ويُعتقد على نطاق واسع أن توليه منصب رئيس الوزراء يشكل خطوة مؤقتة تمهيداً لانتقال المنصب إلى شاهباز شريف، الذي ينتمي إلى عائلة نواز شريف البارزة سياسياً. وقد أكد نواز شريف نفسه أن عباسي سيصبح رئيساً للوزراء لمدة 45 يوماً، وخلال هذه الفترة سيسعى شاهباز شريف إلى الفوز في الانتخابات بعضوية المجلس الوطني كي يصبح مؤهلاً لأن يصبح رئيساً للوزراء.
ومع ذلك، أفادت مصادر مطلعة في إسلام آباد بأن نواز شريف قد يبدل رأيه بخصوص الدفع بشاهباز شريف نحو رئاسة الوزراء، الأمر الذي قد يترك عباسي في منصبه الجديد لما تبقى من فترة حكم حزب «الرابطة الإسلامية» (جناح نواز شريف).
من جانبه، أعرب إعجاز الحق، عضو المجلس الوطني عن حزب «الرابطة الإسلامية» الحاكم، عن اعتقاده بأن «شهيد خان سيبقى في منصب رئيس الوزراء على امتداد فترة الولاية المتبقية للحزب الحاكم».
وعلى الصعيد الشخصي، ينتمي عباسي إلى عشيرة دهوند عباسي التي تحتل مكانة بارزة في شمال إقليم البنجاب، وتتمتع بنفوذ سياسي واسع. وهو متزوج وأب لثلاثة أبناء. كما أنه واحد من أثرى البرلمانيين الباكستانيين، بصافي ثروة يقدّر بـ1.3 مليار روبية (12 مليون دولار أميركي). وتتضمن الأصول التي يملكها أسهماً في شركة «إيربلو»، ومنزلاً في إسلام آباد، ومطعماً وأرضاً في موري.
والملاحَظ أن تولي عباسي رئاسة الوزراء يأتي في وقت عصيب سياسياً يشهد تفاقماً بالغاً في التناحر بين الأحزاب السياسية الباكستانية. وثمة مخاوف في إسلام آباد من أن الأيام المقبلة قد تشهد مواجهة مباشرة بين رئيس الوزراء السابق نواز شريف وعدد من المؤسسات المحورية في البلاد، ومنها الجيش والمحكمة العليا.
والمؤكَّد أن هذه المواجهات، إذا ما حصلت، ستضر بالعملية السياسية في البلاد. وأشار محللون سياسيون رفيعو المستوى إلى أنه سيتعين على عباسي محاولة تحقيق توازن بين الأطراف المختلفة في البلاد، إذا ما رغب في الاستمرار بمنصبه.
واللافت أن أعضاء في الحزب الحاكم اتهموا المؤسسة العسكرية بالتآمر لإسقاط شريف، لكن عباسي وشاهباز شريف من السياسيين المقربين من هذه المؤسسة الواسعة النفوذ في البلاد.
وفي الوقت الذي تردت العلاقة بين المؤسسة العسكرية ونواز شريف بسبب قرارات حكومته غير المستساغة، فإن علاقة شقيقه الأصغر، شاهباز، بهذه المؤسسة ما زالت قوية.