رحالة يتعلمون المهن في أوروبا من خلال العودة إلى القرون الوسطى

تقليد عريق يستمر في أوروبا الحديثة المعاصرة

حين يكون الطقس دافئا ينام الرحالة في المتنزهات وغيرها من الأماكن العامة (نيويورك تايمز) - العمال الرحالة يتميزون بارتداء سراويل فضفاضة من الأسفل مصنوعة من قماش قطني مخملي وقمصان رياضية بيضاء وسترات ملونة (نيويورك تايمز)
حين يكون الطقس دافئا ينام الرحالة في المتنزهات وغيرها من الأماكن العامة (نيويورك تايمز) - العمال الرحالة يتميزون بارتداء سراويل فضفاضة من الأسفل مصنوعة من قماش قطني مخملي وقمصان رياضية بيضاء وسترات ملونة (نيويورك تايمز)
TT

رحالة يتعلمون المهن في أوروبا من خلال العودة إلى القرون الوسطى

حين يكون الطقس دافئا ينام الرحالة في المتنزهات وغيرها من الأماكن العامة (نيويورك تايمز) - العمال الرحالة يتميزون بارتداء سراويل فضفاضة من الأسفل مصنوعة من قماش قطني مخملي وقمصان رياضية بيضاء وسترات ملونة (نيويورك تايمز)
حين يكون الطقس دافئا ينام الرحالة في المتنزهات وغيرها من الأماكن العامة (نيويورك تايمز) - العمال الرحالة يتميزون بارتداء سراويل فضفاضة من الأسفل مصنوعة من قماش قطني مخملي وقمصان رياضية بيضاء وسترات ملونة (نيويورك تايمز)

يقضي شباب وشابات أكثرهم من الدول التي تتحدث الألمانية سنوات في السفر والعمل مقابل غرفة أو طعام اتباعاً لتقاليد يعود تاريخها إلى قرون مضت.
إنهم يتنقلون في مختلف أنحاء أوروبا عن طريق طلب توصيلة من الغرباء على الطريق، ومن السهل التعرف عليهم حيث يرتدون سراويل فضفاضة من الأسفل، مصنوعة من قماش قطني مخملي، وقمصان رياضية بيضاء، وسترات ملونة، تميز بين من يعمل في صفّ الطوب، ومن يعمل خبازاً، أو نجاراً، أو قاطع أحجار، أو بنّاء أسطح. إنهم «عمال رحالة» أو رحالة متجولون من أجل العمل، وهو ثوب جديد للقرون الوسطى في أوروبا الحديثة المعاصرة. وتعني هذه الكلمة شباب وشابات أتموا التدريب اللازم في عدد من مجالات العمل، ويسافرون من أجل الحصول على الخبرة. أكثر هؤلاء من دول يتم التحدث الألمانية بها.
في الماضي كان هؤلاء العمّال الرحالة يسافرون تحت إشراف اتحادات العمال، ولا يزال الكثير منهم يفعل ذلك اليوم، لكن يقوم كثيرون بهذه الرحلة وحدهم دون إشراف، رغم التزامهم بالقواعد الصارمة، والتي كثيراً ما تكون غير مفهومة، ويتم تناقلها بطريقة شفاهية من أجل الحفاظ على التقليد.
بحسب التقاليد والأعراف يبحث الشباب والشابات، الذين يرغبون في أن يصبحوا عمالا رحالة، عن شخص مشارك في هذا الأمر، ومر بهذه التجربة، ليساعدهم في ترتيبات الرحلة. يجب أن يكون العمال الرحالة المستقبليون غير مديونين، وغير متزوجين، ولا تزيد أعمارهم عن الثلاثين، ويوافقون على الابتعاد عن المنزل لأي مدة يحتاجونها لإتمام تدريبهم، والتي عادة ما تتراوح بين عامين وثلاثة أعوام، وأن يعتمدوا على ذكائهم، وعملهم، وكرم الغرباء من أجل العيش.
عادة ما يقيم العامل الرحالة ليلة مغادرة المنزل حفلا لتوديع عائلته وأصدقائه. وخلال تلك الليلة يتم عمل ثقب في حلمة أذنه لوضع قرط طوال فترة الرحلة؛ فطبقاً للتقاليد يتم نزع القرط من أذن أي فرد يخالف هذه القواعد مما يترك أثر قطع في حلمة أذنه لتكون «أذنه منشقة» وهي كلمة دخلت اللغة الألمانية لتشير إلى شخص محتال.
في الصباح بعد ذلك الحفل، يدفن الرحالة المبتدئ تذكاراً بالقرب من حدود بلدته، ثم يصعد إلى اللافتة الموجودة على الحدود ليسقط بين أذرع زملائه من العمال الرحالة، الذين تجمعوا من أجل رؤية العامل الرحالة المستجد قبل استئناف رحلاتهم.
على مدى الأسابيع والسنوات المقبلة، تربط بين العمال الرحّالة صلة قوية تهديهم، وتساعدهم في أعمالهم، وتقدم لهم الدعم العاطفي. يحمل العمال الرحالة دفترا للمذكرات في حجم الجيب ليضعوا فيه طوابع بريد من المدن التي زاروها، وبيانا بالأعمال التي أنجزوها على طول الطريق. تكون تلك الدفاتر بمثابة سيرة ذاتية للعثور على عمل بعد الرحلة، لكنها اليوم أقرب إلى المذكرات.
من المفترض ألا يدفع العمال الرحالة طوال الطريق المال من أجل شراء طعام أو الإقامة، بل عليهم أن يعيشوا من خلال القيام بعمل مقابل غرفة أو طعام. حين يكون الطقس دافئا ينامون في المتنزهات وغيرها من الأماكن العامة، وعادة ما يحملون أدواتهم، وبعض الملابس الداخلية، والجوارب، والقمصان الرياضية الملفوفة بطريقة تسمح بربطها في عصي السير، وكذلك يمكن استخدامها كوسادة.
يقوم أكثر الرحالة بوظائف تدربوا عليها، لكنهم قد يقومون بأعمال أخرى من أجل تطوير مهاراتهم، أو بدافع الحاجة إلى الطعام، أو من قبيل التغيير. قد يشارك في مشروعات الصيف الكبرى، التي تستمر لعدة أسابيع، خبازون يستخدمون مطارق، ويساعد عمال حدائق في المطبخ. يرتدي العمال الرحالة ملابس مميزة، حيث تكون سراويلهم مخيطة، وجيوبهم عميقة حتى تتسع لأداة قياس، أو زجاجة من الشراب. وتشير ألوان ستراتهم إلى الحرفة الخاصة بكل منهم، حيث يرتدي النجارون وصانعو الأسطح ملابس سوداء، ويرتدي الترزية ملابس باللون البني، ويرتدي عمال الحدائق ملابس خضراء داكنة. كذلك هناك بعض العلامات الأخرى المميزة لهم ومنها حلية الحزام، والدبابيس المثبتة على ربطات العنق.
ملابسهم تجعل من السهل التعرف عليهم في الدول التي يتم تحدث الألمانية بها، رغم أن هذا لا يحدث في غيرها من الدول.
يقول أرنولد بوم، نجار يبلغ 25 عاما من غورليتس، عمل في جمهورية الرأس الأخضر، وناميبيا، وجنوب أفريقيا: «خارج ألمانيا كثيراً ما يظنون أننا رعاة بقر».
تم التوقف عن ممارسة هذا التقليد أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية، ولم يتم إحياؤه إلا في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. لا تزال الكثير من اتحادات العمال، التي تعود إلى القرون الوسطى، موجودة حتى الآن، وظهرت اتحادات جديدة خاصة بمهن جديدة. كذلك شاركت النساء في التقليد العصري الحديث.
وتعديلا للقواعد القديمة تماشيا مع العصر الحديث، تم الاتفاق على ألا يحمل العمال الرحالة أجهزة مثل الهواتف المحمولة التي يمكن من خلالها العثور عليهم، لكن يمكن أن يحملوا آلات تصوير رقمية إن أرادوا، وكتابة رسائل بالبريد الإلكتروني باستخدام أجهزة كومبيوتر عامة. يسافر العمال الرحالة فرادى أو في مجموعات وذلك بحسب المهن التي يتعلمونها ومسارهم، وكثيراً ما يتمكنون من العثور على بعضهم البعض بالنظر. يسأل ماثياس مولر، نجار، الناس في توبنغن، بعد الوصول إلى هناك من أجل لقاء زملائه: «هل رأيتم أشخاصا يشبهونني؟».
بحسب التقاليد لم يكن من المسموح للعامل الرحالة السفر أو العمل إلا في نطاق يبعد 60 كم على الأقل عن موقع بلدتهم، والهدف من ذلك هو الحثّ على تبادل الأفكار بين ممارسي أي حرفة أو مهنة. لا تزال هذه القاعدة مطبقة حتى يومنا هذا لضمان تحقيق الرحالة للاستقلالية.
يروي نيبوموك نير، الذي يغزل المواد الخام الخشبية، ويبلغ من العمر 26 عاما، من إنسبروك في النمسا، أنه حين غادر نطاق بلدته، كان لا يزال قريباً بدرجة كافية تجعله يرى الوادي ومنزله به. وقال: «كانت تلك اللحظة هي الأصعب».
الكثير من الشباب، الذين يشاركون في تلك الرحلة، من الذين نادراً ما يغادرون منازلهم ويكون ذلك إما بصحبة آبائهم أو في رحلات مدرسية. مع ذلك يعد الجزء الأصعب من هذه الرحلة بالنسبة إلى الكثيرين هو تحديد وقت انتهائها. تجعل المسؤوليات، والإيقاع اليومي الروتيني الرتيب من تحديات التجول، والانتقال من مكان إلى آخر دون حتى معرفة المكان الذي قد تنام فيه، أمراً ممتعاً. يقول بومسيد: «لا يكون المرء منشغلا بالنفقات، ولا يكون لديه عائلة أو منزل ليهتم بهما؛ بل يكون لديه الحرية».

* خدمة «نيويورك تايمز»



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».