«غاليري ضي»... يحتفي بالفنانة الرائدة عفت ناجي

كتاب عنها يروي رحلتها مع الفن والحياة

الفنان شوقي عزت مؤلف الكتاب - بورتريه للفنانة بريشة المؤلف
الفنان شوقي عزت مؤلف الكتاب - بورتريه للفنانة بريشة المؤلف
TT

«غاليري ضي»... يحتفي بالفنانة الرائدة عفت ناجي

الفنان شوقي عزت مؤلف الكتاب - بورتريه للفنانة بريشة المؤلف
الفنان شوقي عزت مؤلف الكتاب - بورتريه للفنانة بريشة المؤلف

يحتفي «غاليري ضي - أتيليه العرب»، بالفنانة المصرية الرائدة عفت ناجي، ويقيم الغاليري يوم السبت المقبل، حفل توقيع كتاب «عفت ضوء الشرق» للناقد الدكتور شوقي عزت، بحضور كوكبة من الفنانين التشكيليين والصحافيين، يعقبه افتتاح معرض خاص لأعمال الفنان شوقي عزت.
ولدت عفت ناجي بالإسكندرية في 5 أبريل (نيسان) 1905، وهي أخت الرسام محمد ناجي رائد التصوير العربي المعاصر، وكان يشجعها في صغرها بملاحظاته حول رسمها. درست الموسيقى واللغات والآداب والرياضيات في منزل أسرتها كعادة الأسر الأرستقراطية في بدايات القرن العشرين. ثم سافرت إلى إيطاليا في عام 1948 ودرست بأكاديمية الفنون الجميلة بروما فن الرسم الحائطي، وفن التصوير الجداري (الفريسك).
تزوجت من الفنان سعد الخادم عميد الفنون الشعبية في المنطقة العربية ولم تنجب أطفالا، وبعد وفاتها في 4 أكتوبر (تشرين الأول) 1994، ومن قبلها زوجها في 17 أكتوبر 1987، قامت وزارة الثقافة المصرية بشراء منزل زوجها سعد الخادم، بحي الزيتون بالقاهرة، وتحويله إلى متحف خاص باسميهما. يضم المتحف كل أعمالهما ومكتبتهما، وأيضا متعلقاتهما الخاصة.
أما شوقي عزت، صاحب الكتاب، فهو من مواليد مدينة بورسعيد الساحلية بمصر في عام 1953، وهو فنان تشكيلي وباحث في مجال الفن. درس بأكاديمية الفنون الجميلة بروما، ويقيم خاليا في مدينة أمستردام بهولندا، ويعيش فنانا حرا، وله كثير من المعارض الشخصية والجماعية منذ عام 1971 في مصر وإيطاليا وبلجيكا وهولندا، واقتنت أعماله مجموعة من المتاحف العالمية، منها متحف القاهرة للفن الحديث، ومتحف الشعوب بمدينة روتردام، ومحافظة دين هيلدر ومحافظة أمستردام بهولندا، بالإضافة إلى مقتنيات خاصة في كل من مصر وبلجيكا وسويسرا وهولندا.
ويستعرض كتاب عفت «ضوء الشرق» رحلة الفنانة الرائدة عفت ناجي التأملية والفنية والدراسية في أثناء الفترة التي درست فيها بأكاديمية روما للفنون الجميلة من 1949 إلى 1951، كتبها الفنان شوقي عزت بأسلوب روائي خيالي خلال تجربته الفنية والتشكيلية الشخصية طالبا كان يدرس بنفس الأكاديمية التي درست فيها الفنانة عفت ناجي، وفنانا كان يتجول في مدينة روما وفيما حولها. وفي الكتاب صور لكثير من أعمالها.
وعن الكتاب يقول مؤلفه الفنان شوقي: «كان هدفي أن يقدم الكتاب إضافة حقيقية إلى ما كُتب أو قِيل عن الفنانة عفت ناجي. وما إن شاهدت أعمالها وقرأت بعضا ما كُتب عنها حتى ذكرتني بذكريات عشتها خلال فترة دراستي التي درستها بنفس الأكاديمية، وتذكرت كم مشيت فوق درج السلم الداخلي بمبنى الأكاديمية التي مشيت فيه، وكم تجولت في أنحاء مدينة روما التي تجولت فيها، وكم شاهدت ميادين روما المزدهرة بنافوراتها ومائها وتماثيلها البيضاء التي شاهدتها»، لافتا إلى أن كل هذه الأجواء «كان له أثر غائر على إبداعها الفني، ولا شك في أن حوارها الدائم مع شقيقها الفنان محمد ناجي ولقاءها بالفنان الفرنسي آندريه لوت، والفنان الإيطالي ماريو توبي، أسفر عن رحلة مترامية الأطراف أبحرت بها في أغوار أعماقها.. وأخيرا عندما التقت مشاعرها بعواطف زوجها الرقيق الفنان سعد الخادم تفجرت في داخلها ينابيع من ذاك العالم، قد نستطيع أن نلمسه ولا نعرفه، أو نعرفه ولا نستطيع أن نلمسه، فدفعتني تلك الرحلة المتنوعة ما بين الشرق والغرب، لكتابة رحلتها الفنية في صورة تخيلية واقعها في الشرق وخيالها في الغرب، وما بينهما حياة ثرية بالإبداع».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».