قدرة الفن الساحرة على الشفاء

النشاطات الإبداعية تخفف التوتر وتساعد في التواصل وتوقف تدهور الإدراك

قدرة الفن الساحرة على الشفاء
TT

قدرة الفن الساحرة على الشفاء

قدرة الفن الساحرة على الشفاء

يوجز اسم فيلم وثائقي جديد «أتذكر أفضل حينما أرسم I Remember Better When I Paint» ما توصلت إليه الأبحاث المستمرة في تأثير الفن على الإدراك. ويعرض الفيلم كيف يحفز الرسم والتلوين استعادة الذكريات لدى الأشخاص المصابين بخرف الشيخوخة، ويمكنّهم من التواصل مرة أخرى مع العالم.
ومع ذلك، فإن مرضى خرف الشيخوخة ليسوا وحدهم الذين يمكنهم الاستفادة من الفن، فقد أوضحت الدراسات أن التعبير عن الذات من خلال الفن يساعد المصابين بالاكتئاب، أو القلق، أو حتى السرطان. ويرتبط ذلك الأمر أيضاً بتحسين الذاكرة، والتفكير العقلاني، والثبات والتكيف لدى الأشخاص الأصحاء من كبار السن.
ولا تعتمد الآثار الإيجابية للإبداع على مهارة أو مواهب الشخص، كما تقول ميغان كارلتون، اختصاصية العلاج بالفن لدى مستشفى ماساتشوستس العام التابع لجامعة هارفارد، فإن «الأمر يتعلق بالعملية، لا بنتاجاتها».

الفن دواء جيد

أوضحت عقود من الأبحاث، أن القدرة على إنتاج الفن لدى المصابين بخرف الشيخوخة وغيرها من الأمراض العصبية المتقدمة، تظل موجودة لفترة طويلة حتى بعد حدوث تراجع في الحديث واللغة لديهم. كذلك أشارت الأبحاث إلى أن إنتاج الفن البصري يساعد على تخفيف التوتر، والاسترخاء لدى المرضى من نزلاء المستشفيات، أو الذين اضطرهم المرض إلى البقاء في المنزل.
والاختصاصية كارلتون مثل الكثير من المتخصصين المعالجين بالفن، حاصلة على تصريح بالعمل استشارية في مجال الصحة العقلية، وتقدم أشكالا مختلفة من الوسائط من الرسم بألوان الأصباغ إلى الرسم بأجهزة الـ«آي باد»، للأفراد الذين يخضعون لعلاج السرطان في مستشفى ماساتشوستس العام. كذلك عملت مع محاربين قدامى، ومرضى ألزهايمر في بيئات أخرى. وتوضح قائلة: «بمجرد اندماج الأفراد في الممارسة، فإنهم يدركون أنهم يستمتعون بها، ويمضي الوقت سريعاً». وتشير إلى دور الفن المهم في مساعدة الناس على تجاوز الأوقات العصيبة مثل اقتراب حياتهم من النهاية. وتضيف قائلة: «يمكن للعمل مع معالج مدرّب بالفن، أن يمنحهم وسيلة للتعبير عن أنفسهم في بيئة آمنة؛ مما يساعدهم على الانتقال إلى المرحلة التالية بسلام».
وتروي كيف أنها رأت أشخاصاً يصنعون القلادات ليهدونها إلى أصدقائهم أو أقربائهم، أو يؤلفون الكتب، أو ينتجون المقاطع المصورة من أجل تخليد تجربتهم، بل وحتى يصنعون صناديق تحتوي على تعبيرهم عن الغضب والإحباط.

الفن والوقاية

تشير الأبحاث الحديثة إلى أن ممارسة الأنشطة الإبداعية أكثر فاعلية في الحد من تدهور الإدراك، مقارنة بتقييم وتقدير الأعمال الفنية. وأشار تقرير صادر عام 2017 عن «مايو كلينيك» عن التقدم في العمر، إلى أن احتمال إصابة الأشخاص، الذين تتجاوز أعمارهم السبعين وينخرطون في مشروعات يدوية، بالعجز الإدراكي، أقل منه لدى الذين يقرأون. وفي دراسة ألمانية عام 2014، تبين حدوث تحسن لدى المتقاعدين، الذين قاموا بأعمال رسم ونحت، في القدرة العقلانية المكانية، والتكيف العاطفي مع المشكلات والتوتر، بقدر أكبر مما لدى المجموعات المماثلة التي حضرت صفوف في تقدير النتاجات الفنية.
* نصيحة: إذا كان هناك شخص عزيز عليك نزيل مؤسسة طبية، انظر ما إذا كان العلاج بالفن متاحاً في تلك المؤسسة. وإذا لم يكن متاحاً، من الممكن العثور على معالج بالفن، ولا تتردد في استكشاف قدرتك الإبداعية والانضمام إلى صف للفن، أو معايشة تجربتك الخاصة. وفي الولايات المتحدة هناك موقع إلكتروني لمجلس مسوغات العلاج بالفن www.atcb.org.
* رسالة هارفارد «مراقبة صحة المرأة»، خدمات «تريبيون ميديا»



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».