القبائل والتيارات السياسية في موريتانيا أكبر مستفيد من تحرير الإعلام

13 إذاعة وثمانية تلفزيونات تتنافس على عدد محدود من المشاهدين

برنامج إخباري على قناة الساحل الموريتانية («الشرق الأوسط»)
برنامج إخباري على قناة الساحل الموريتانية («الشرق الأوسط»)
TT

القبائل والتيارات السياسية في موريتانيا أكبر مستفيد من تحرير الإعلام

برنامج إخباري على قناة الساحل الموريتانية («الشرق الأوسط»)
برنامج إخباري على قناة الساحل الموريتانية («الشرق الأوسط»)

على عكس التوقعات، جاءت نتائج تحرير الإعلام المسموع والمرئي في موريتانيا مفاجئة، من حيث العدد الكبير من الإذاعات والقنوات، ومن حيث محتواها، وتوجهها العام؛ فمنذ أغسطس (آب) 2005، تاريخ الإطاحة بالرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، وموريتانيا تشهد تعديل وإحداث قوانين منظمة لحرية الإعلام، وشهدت الفترة ما بين 2005 و2008 حالة من الانفتاح الإعلامي لم يعرفها البلد منذ استقلاله عن فرنسا عام 1960، حيث فُتحت الإذاعة والتلفزيون الحكوميان أمام مختلف الأطراف السياسية، كما أن مضمون وسائل الإعلام الحكومية، بما فيها الوكالة الموريتانية للأنباء، وجريدة الشعب الرسمية، صار مختلفا عما عهده الموريتانيون لعقود.
وعلى الرغم من تراجع حرية الإعلام بعد انقلاب 6 أغسطس (آب) 2008، فإن منتصف عام 2010 شهد بداية مسار جديد في خارطة الإعلام الموريتاني، مع إقرار البرلمان للقانون رقم 045 – 2010، الذي يقضي بتحرير الفضاء المسموع والمرئي، وتحويل المؤسسات الإعلامية الحكومية إلى شركات مساهمة، عمومية، وذات نفع عام، وفتح المجال لإنشاء إذاعات وتلفزيونات خصوصية.
وشكل إقرار القانون نقلة نوعية من الناحية المؤسسية، إضافة لعودة مستوى من الحرية والانفتاح، ساهم في تصنيف موريتانيا الثانية عربيا بعد جزر القمر، عامي 2011 و2012، في مؤشر حرية التعبير الذي تصدره منظمة «صحافيون بلا حدود» في فرنسا، وكانت موريتانيا قد احتلت الرتبة الأولى في 2006 و2007.
في أغسطس 2011، سلّم وزير الإعلام السابق حمدي ولد محجوب لرئيس السلطة العليا للصحافة والقطاع المسموع والمرئي المعروفة اختصارا باسم «الهابا»، نماذج دفاتر التحملات (دفاتر الالتزامات) التي تتضمن شروط ومعايير الخدمات التلفزيونية والإذاعية العمومية والخصوصية والجمعوية.
وبعد إقرار قانون تحرير الفضاء المسموع والمرئي، الذي فوض «الهابا» صلاحيات واسعة، أعلنت هذه الأخيرة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 عن منح تراخيص لخمس إذاعات وقناتين تلفزيونيتين، ورفض الترخيص لعدد كبير من الإذاعات والتلفزيونات، نتيجة لنقص في ملفاتها، في حين أجلت فتح المجال للإذاعات «الجمعوية» غير التجارية.
أثار القرار جدلا واسعا، لا سيما أن التلفزيونين تعود ملكيتهما لعائلتي «غده» و«ودادي» من قبيلة الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز، وكذلك الحال لاثنتين من الإذاعات الخمس.
لكن بعض القنوات التلفزيونية التي رفضت «الهابا» لها، سارعت إلى إطلاق بثها من خارج موريتانيا، وهي قناة «المرابطون» المحسوبة على التيار الإسلامي الإخواني، وقناة «شنقيط» التي يملكها رجل أعمال من أقارب الرئيس الأسبق معاوية ولد الطائع. كان ذلك قبل أن تبدأ قناتا «الساحل» و«الوطنية» التي رخصت لها «الهابا» البث، وهو ما أثار جدلا واسعا في الساحة الإعلامية، تبعه استقالة مديري «الساحل» و«الوطنية»، بسبب خلافاتهما مع الممولين، وإصابة المشروعين بشلل مؤقت. ويقول الصحافي حبيب الله ولد أحمد إن رفض بعض الملفات يعود لاستحضار ثلاثة أبعاد هي البعد الأمني (العلاقة بالاستخبارات) والاجتماعي (نفوذ القبيلة)، والسياسي المالي (النفوذ المالي)».
مع هذه الأجواء اضطرت «الهابا» للإعلان عن فتح باب الترشح للحصول على تراخيص جديدة، وأسفر الفرز عن منح تراخيص للقناتين الممنوعتين في يناير (كانون الثاني) 2013، ومعها قناة ثالثة سبق أن منعت هي الأخرى في 2011، ولكنها لم تبدأ البث بعد. وأصبحت هناك 13 عشر إذاعة تبث كلها - باستثناء الإذاعة الوطنية - على الموجة الترددية «FM» في العاصمة نواكشوط التي يقطنها نحو مليون نسمة. منها خمس إذاعات خصوصية رخصت لها سلطة الصحافة، هي: صحراء ميديا، نواكشوط، التنوير، موريتانيد، كوبني، بالإضافة للإذاعة الوطنية التي تحولت إلى مؤسسة عمومية، إذاعة الشباب، وإذاعة القرآن الكريم التابعتين لها. وإلى جانب هذه الإذاعات هنالك إذاعات دولية حصلت على تراخيص بث على موجة «FM» منذ عام 2006 حتى الآن، وهي إذاعة «بي بي سي» العربية، وإذاعة فرنسا الدولية، و«مونتي كارلو»، و«دي دبيليو» الألمانية، وإذاعة «الصين العربية»، وقناة «الجزيرة القطرية» (الموجة الإذاعية). في حين تتنافس على اكتساب المشاهدين ثماني قنوات تلفزيونية، هي القناتان الأولى والثانية للتلفزيون الوطني، وقنوات «شنقيط» و«الساحل» و«الوطنية» و«المرابطون» و«دافا»، هذه الأخيرة لم تبدأ بعد، إضافة لقناة «المحظرة»، التابعة لإذاعة القرآن الكريم. وأنشأت الحكومة الموريتانية شركة للبث الإعلامي دشنها رئيس الوزراء في يوليو (تموز) 2012، وتتولى توفير البث للمؤسسات الإعلامية الخاصة والعمومية بأسعار مخفضة، وقامت بحجز 15 قناة على قمر «عرب سات». وهذا المشهد خلق أجواء مرتبكة في بلد لم يتعود على التعددية في الإعلام التلفزيوني والإذاعي، وظل لسنوات يركز على الصحافة المكتوبة المستقلة، والإعلام الحكومي. وبات المشهد يوحي بأن أكبر المستفيدين من تحرير الإعلام هما التيارات السياسية وزعماء القبائل، خاصة في أوجه أزمة سياسية عرفتها موريتانيا خلال السنتين الأخيرتين متأثرة برياح الربيع العربي، وفي ظل التحضيرات للانتخابات البرلمانية والبلدية التي ستجري نهاية العام.
ويرى محمد ولد الدده مدير الأخبار السابق في قناة «الساحل» أن تجربة تحرير الفضاء المسموع والمرئي لم تنضج بعد، وتحتاج إلى إعادة نظر في أساليب عملها وتعاملها مع الأشخاص والأحداث، وأنها ما زالت دون المستوى المطلوب، وبعيدة من المستوى المتوقع.
ويقول ولد الدده إن السبب يعود لغياب آليات واضحة لتعامل المؤسسات الإعلامية مع أطقمها البشرية، مما جعل هذه الأطقم تنظر بشيء من غياب الارتياح إلى المهنة، وهذا ما أدى إلى أن تتحول في أحايين كثيرة إلى مهنة لمجموعة من الهواة. وأضاف أن من بين الأسباب الذاتية افتقار معظم العاملين في الحقل الإعلامي إلى الوسائل الضرورية والمهارات اللازمة التي يتطلبها العمل الإعلامي.
ويرجع ولد الدده هذه الحالة إلى أسباب موضوعية، فالتجربة ما زالت في بداياتها في بلد يعاني غياب المؤسسية على مستوى وسائل الإعلام ومصادر التأهيل، حيث تكاد تغيب المؤسسات الأكاديمية والمراكز التدريبية المؤهلة لتخريج صحافيين وفنيين قادرين على السمو بالإعلام. وأضاف: «التجربة تحمل داخلها عوامل فشلها، إذا لم تجرِ المبادرة بإصلاحها من خلال بذل جهود جدية في تنظيف الحقل من غير المهنيين، وفي مراقبة مدى احترام وسائل الإعلام للقواعد القانونية لمعاملة العاملين بها».
ويشير عدد من الإعلاميين في القطاع إلى أن المشكلة الأساسية في المشاريع الجديدة، خاصة التلفزيونات، تكمن في كون المستثمرين في القطاع هم من غير الإعلاميين، وليسوا مطلعين على واقع الإعلام، وما يتطلبه التلفزيون من وسائل وتكاليف، وفي هذا الإطار يقول ولد الدده إن رأس المال لم يستثمر بالطريقة الصحيحة الكفيلة بالتحسين من مستوى العملية، وهو بالتالي عامل موضوعي ساهم في إضعاف التجربة.
وقال الكاتب الصحفي والمخرج محمد ولد ادوم لـ«الشرق الأوسط» إن أداء القنوات والإذاعات الخاصة ما زال خجولا ومتواضعا، «حيث لم ترقَ حتى إلى مستوى التلفزيون الحكومي الذي كان قائما، والذي طالما انتقدناه». ويعود ذلك برأي ولد ادوم إلى سببين رئيسين، أحدهما يتعلق بالإمكانيات المادية، حيث تفتقر أغلب هذه القنوات إلى رأسمال مستعد للإنفاق من دون توقع عائد مادي على الأقل في الأمد القريب، وثانيهما يتعلق بغياب طاقم صحافي متخصص ومتمرس، إذ اعتمدت هذه القنوات على جيل من الشباب المبتدئ، الذي تنقصه الخبرة والمعرفة، وإن كان لا ينقصه الطموح والموهبة. ويشير ولد ادوم إلى جانب آخر هو أن عدد القنوات والإذاعات أكثر مما ينبغي، فلا سوق الإشهار المحلية التي لا تتجاوز ثمانية ملايين دولار سنويا يمكنها أن تستوعب وتساعد في التمويل، وهو مما يطرح مشكلتي الاستمرارية والتمويل على المحك. ويقول ولد ادوم، وهو أيضا مدير مهرجان نواكشوط السنوي للفيلم: «إن الساحة الإعلامية ليست بحاجة إلى هذا القدر من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، مما يحيلنا إلى تكرار تجربة الصحافة الورقية في عقد التسعينات من القرن الماضي، وهي تجربة يمكن وصفها بـ(الكارثية)». وحول متابعة القنوات التلفزيونية، يؤكد ولد ادوم أن المشاهد الموريتاني خصص حيزا من وقته لمتابعتها، على حساب القنوات العربية والعالمية والتلفزيون العمومي، بل إن بعض البرامج في الإذاعات والتلفزيونات حقق نجاحا منقطع النظير في عدد المتابعين، وأثار جدلا في شبكات التواصل الاجتماعي، إلا أن الإعلام المرئي والمسموع لم يستغل هذه النقطة ولم يستفد من الإقبال الجماهيري، فأصبحت البرامج متشابهة، وسعت القنوات إلى تقديم ما تملأ به الفراغ، في غياب سياسة إنتاجية حقيقية.



كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
TT

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)

أوردت تقارير، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أن ناشري الأخبار كثّفوا ظهورهم على «غوغل ديسكوفر» بهدف زيادة حركات المرور على مواقعهم، وهذا بعدما تراجعت وسائل التواصل الاجتماعي عن دعم ظهور الأخبار منذ مطلع العام. إذ اتجهت «غوغل» إلى نموذج الملخّصات المعزّز بالذكاء الاصطناعي بديلاً عن ترشيح روابط الأخبار من مصادرها، ما أدى إلى تراجع الزيارات تدريجياً. غير أن خبراء ناقشوا الأمر مع «الشرق الأوسط» عدُّوا هذا الاتجاه «رهاناً محفوفاً بالمخاطر، وقد لا يحقق نموذج عمل مستداماً». أبحاث أجرتها «نيوز داش»، وهي أداة متخصصة في تحسين محركات البحث (SEO) موجهة للناشرين والمواقع الإخبارية، أظهرت أن «غوغل ديسكوفر» بات يمثل في المتوسط 55 في المائة من إجمالي حركة المرور الآتية من «غوغل» للناشرين، مقارنة بـ41 في المائة، في دراسة سابقة، ما يعني أن «ديسكوفر» أضحى القناة الكبرى التي تجلب الزيارات إلى مواقع الأخبار.

جدير بالذكر أن «غوغل ديسكوفر» هو موجز للمقالات يظهر على نظامي «أندرويد» و«آبل» عند فتح «غوغل» للتصفّح. ووفق محرّك البحث، فإن المقالات المُوصى بها تُحدَّد وفقاً لاهتمامات المستخدم وعمليات البحث السابقة، ومن ثم، فإن ما يظهر لدى المستخدم من ترشيحات هو موجز شخصي جداً، لذا يحقق مزيداً من الجذب.

محمد الكبيسي، الباحث ومدرب الإعلام الرقمي العراقي المقيم في فنلندا، أرجع تكثيف بعض المواقع الإخبارية وجودها على «غوغل ديسكوفر» إلى احتدام المنافسة الرقمية بين المنصّات للوصول إلى الجمهور. وأوضح: «منطقياً، تسعى مواقع الأخبار إلى الظهور على منصات متعدّدة، مما يعزز فرص الوصول والتفاعل مع الأخبار دون الحاجة للبحث المباشر».

وحدَّد الكبيسي معايير ظهور المقالات على «غوغل ديسكوفر» بـ«جودة المحتوى، والتحديث المستمر، وتوافق SEO، والملاءمة مع اهتمامات المستخدمين وسلوكهم السابق في استخدام وسائل الإنترنت، إضافة إلى الالتزام بمعايير الإعلام والصحافة المهنية».

ومن ثم، بعدما رأى الباحث العراقي تكثيف الاهتمام بأداة «غوغل ديسكوفر» حلاًّ مؤقتاً للمرحلة الحالية، شرح أنه «يمكن القول عموماً إن (غوغل ديسكوفر) قد يُسهم في زيادة معدلات الزيارات للعديد من المواقع الإخبارية، لكن ذلك يعتمد على أهمية المحتوى وملاءمته اهتمامات الجمهور». أما عن الحلول المستدامة فاقترح الكبيسي على صُناع الأخبار تحقيق المواءمة مع تطوّرات المنصات ومواكبة التحديثات؛ لتجنب التبِعات التي قد تؤدي إلى تقليل الظهور أو انخفاض معدلات الوصول».

من جهته، يقول الحسيني موسى، الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة الـ«سي إن إن» العربية، إن «غوغل ديسكوفر» لا يقبل أي مقالات؛ لأن لديه معايير صارمة تتعلق بجودة المحتوى ومصداقيته. وتابع أن «الظهور على (غوغل ديسكوفر) يشترط تقديم معلومات دقيقة تلبّي اهتمامات المستخدمين وتُثري معرفتهم، مع استخدام صور عالية الجودة لا تقل عن 1200 بيكسل عرضاً، وعناوين جذابة تعكس مضمون المقال بشكل شفاف بعيداً عن التضليل». ثم أضاف: «يجب أن تكون المواقع متوافقة مع أجهزة الهواتف الذكية؛ لضمان تجربة مستخدم سلسة وسريعة، مع الالتزام الكامل بسياسات (غوغل) للمحتوى».

وعلى الرغم من أن معايير «غوغل ديسكوفر» تبدو مهنية، عَدَّ موسى أن هذا «الاتجاه لن يحقق مستقبلاً الاستقرار للناشرين... وصحيح أن (غوغل ديسكوفر) يمكن أن يحقق زيارات ضخمة، لكن الاعتماد عليه فقط قد لا يكون واقعاً مستداماً».

ورأى، من ثم، أن الحل المستدام «لن يتحقق إلا بالتنوع والتكيف»، لافتاً إلى أنه «يُنصح بالتركيز على تقديم محتوى ذي قيمة عالية وتحويله إلى فيديوهات طولية (فيرتيكال) مدعومة على منصات التواصل الاجتماعي لجذب المزيد من المتابعين وبناء قاعدة جماهيرية وفية».