البطريرك الماروني يرسخ مصالحة الجبل

نعمة طعمة ينفي لـ «الشرق الأوسط» أي أهداف انتخابية للزيارة

الرئيس اللبناني ميشال عون عند وصوله إلى دير القمر أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس اللبناني ميشال عون عند وصوله إلى دير القمر أمس (دالاتي ونهرا)
TT

البطريرك الماروني يرسخ مصالحة الجبل

الرئيس اللبناني ميشال عون عند وصوله إلى دير القمر أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس اللبناني ميشال عون عند وصوله إلى دير القمر أمس (دالاتي ونهرا)

دشّن البطريرك الماروني بشارة الراعي، أمس، كنيسة تاريخية في جبل لبنان بعد ترميمها، في زيارة ترسخ المصالحة التاريخية في الجبل في الذكرى السنوية الـ16 للمصالحة، وذلك بحضور رئيس الجمهورية ميشال عون.
ورغم عدم مشاركة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في الاحتفال الذي حضره نجله تيمور، رحب جنبلاط بحضور عون، قائلاً في تغريدة له: «أهلا وسهلا بالرئيس ميشال عون في الشوف في دير القمر في عيد سيدة التلة».
وصودف أن تاريخ هذه الزيارة من قبل البطريرك الراعي تتزامن في التاريخ مع زيارة البطريرك نصر الله صفير للجبل في عام 2001 يوم عقدت مصالحة الجبل التي رعاها الكاردينال صفير والنائب وليد جنبلاط.
وجاءت الزيارة في ظلّ التقارب بين حزب «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» الذي تجلى في أكثر من محطة سياسية واجتماعية، مما ينبئ، بحسب المقربين من الطرفين، بأن التحالف الانتخابي بينهما أمرٌ وارد، في وقت يخيم فيه الاستقرار السياسي على علاقة الزعيم الجنبلاطي مع رؤساء الأحزاب المسيحية، كذلك الأمر ينسحب على علاقته برئيس الجمهورية، فقد كانت له مؤخراً أكثر من إشارة إيجابية حيال الرئيس عون، وقد سبق أن دعاه في آخر لقاء بينهما إلى قضاء فصل الصيف في بيت الدين القريبة من المختارة.
وترأس البطريرك الماروني بشارة الراعي القداس الذي أقيم في كنيسة سيدة التلة في دير القمر، ودعا إلى قيام الدولة بمؤسساتها وإداراتها بالتحرر من التدخل السياسي والتمييز اللوني في التوظيف خلافا لآلية مبنية على الكفاءة والأخلاقي، «وإحياء اقتصاد منتج ينهض البلد من حافة الانهيار، ويرفع المواطنين من حال الفقر، ويفتح المجال أمام الشباب لتحفيز قدراتهم، ويحد من هجرتهم». كما دعا إلى «تعزيز التعليم الرسمي والخاص، والمحافظة على المدرسة الخاصة المجانية وغير المجانية وإنصافها، ومساعدة الأهالي في حرية اختيارها. كذلك إلى حماية المالية العامة بإيقاف الهدر والسرقة والفساد، وحفظ التوازن بين المداخيل والمصاريف ضمن موازنة واضحة ومدروسة، وضبط العجز والدين العام، وبناء قضاء شريف حر ومسؤول يكون حقا وفعلا أساس الملك، إضافة إلى الإسراع في تطبيق اللامركزية الإدارية، المناطقية والقطاعية».
وتكتسب الكنيسة المعروفة باسم «كرسي كنيسة بيت الدين»، رمزيتها من أنها تربطها علاقات تاريخية مع المختارة حيث الزعامة الجنبلاطية منذ أيام السيدة نظيرة جنبلاط جدة رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط. وهذه الكنيسة التي أعاد ترميمها عضو اللقاء النائب نعمة طعمة، تعد محطة أساسية للوجود المسيحي في الشوف، وهي على مسافة أمتار من قصر بيت الدين حيث المقرّ الصيفي لرئاسة الجمهورية.
وقال عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب نعمة طعمة لـ«الشرق الأوسط» إن زيارة البطريرك الراعي إلى كرسي بيت الدين «ترسّخ مصالحة الجبل، وتضفي عليها قيمة إضافية في مرحلة بالغة الدقة من خلال ما يشهده لبنان من تطورات أمنية وتباينات سياسية وفي خضم الحروب المشتعلة حولنا»، عادّاً أن هذه المناسبة وفي هذا التوقيت بالذات، سيكون لها وقعها الإيجابي على التعايش المسيحي – الدرزي، وعلى صعيد كلّ العائلات في الجبل بكل طوائفها ومذاهبها. وقد سبق للنائب جنبلاط أن دشّن كنيسة السيدة في المختارة وجامع الأمير شكيب أرسلان، في إطار دوره الوطني الهادف لتثبيت السلم الأهلي في لبنان.
ولفت طعمة إلى أن التواصل قائم بين رئيس «اللقاء الديمقراطي» وكلّ القيادات والزعامات المسيحية والوطنية بشكل عام بهدف حفظ البلد وتحصين الجبهة الداخلية وتمتين مصالحة الجبل بعيداً عن أي مزايدات سياسية وانتخابية، «لأننا نعيش على صفيح ساخن في ظلّ التطورات المتلاحقة في المنطقة»، نافياً «أي أهداف أو مكاسب انتخابية لهذه الزيارة منذ فترة، وبالتالي إنها رعوية ووطنية واجتماعية بامتياز».
بدوره، رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن والمقرّب من «بكركي»، أشار لـ«الشرق الأوسط» إلى ارتياح البابا فرنسيس الأول لهذا التعايش المسيحي - الإسلامي في لبنان، عادّاً أن زيارة البطريرك الراعي إلى الشوف تصبّ في هذا المنحى التوافقي، على مستوى طي صفحة الماضي والتأكيد على مصالحة الجبل ومن ثم التفاعل بين كل الطوائف والمذاهب في الجبل على المستوى الوطني، لافتًا إلى أن «هذا ما يشدّد عليه البطريرك الراعي في عظاته ومواقفه ومجالسه عبر حرصه على وحدة المسيحيين واللبنانيين، وزيارته إلى بيت الدين ستشكل منحىً إيجابياً يولّد ارتياحاً لدى أهالي الجبل برمتهم».
أما نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» عضو كتلة القوات النيابية النائب جورج عدوان، فأعرب لـ«الشرق الأوسط» عن اغتباطه بمسيرة التلاقي والتحالف بين «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي التي تجلّت في محطات كثيرة، منوهاً بالثقة التي أولاه إياها النائب جنبلاط يوم كان يسعى لإنجاز قانون الانتخاب وينسّق معه بكل التفاصيل، ناقلاً ارتياح رئيس الحزب سمير جعجع لزيارة البطريرك الراعي ومواقف النائب جنبلاط التي تصبّ في خانة الحفاظ على وحدة الجبل والبلد وتحصين المصالحة.



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.