{داعش}... «خلافة» تموت وتنظيم على قيد الحياة

الانعطاف التاريخي نحو التوحش ظاهرة تتجاوز التعصب الديني

مسلح يحمل علم «داعش» في وسط الموصل قبل طرد الإرهابيين منها (رويترز)
مسلح يحمل علم «داعش» في وسط الموصل قبل طرد الإرهابيين منها (رويترز)
TT

{داعش}... «خلافة» تموت وتنظيم على قيد الحياة

مسلح يحمل علم «داعش» في وسط الموصل قبل طرد الإرهابيين منها (رويترز)
مسلح يحمل علم «داعش» في وسط الموصل قبل طرد الإرهابيين منها (رويترز)

تثير الهزائم المتتالية التي تلقاها تنظيم داعش تبايناً واضحاً بين الباحثين والمتخصصين الغربيين بخصوص مستقبل التنظيم وطبيعة تحولاته الداخلية بعد فقدان «داعش» المحتمل لقائده أبو بكر البغدادي، وعاصمة دولته بالعراق. ويعد عالم السياسة الفرنسي فرنسوا بورغا، مدير الأبحاث في «معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي» في «إيكس أون بروفانس»، وأحد أبرز الخبراء المتابعين للمسار التاريخي للتنظيم المتوحش؛ أن الهزيمة القاسية للتنظيم بالموصل، لا تعني نهاية «داعش»، لأن الأسباب السياسية التي أنتجت التنظيم ما زالت قائمة.
في واقع الأمر، توجد 3 عوامل سياسية تجعل من «داعش» تنظيما قادرا على الاستمرار والتجدد، وإعادة بناء المشروعية الوجودية في زمن قياسي. العامل الأول تمثله ظاهرة الاستعمار والاستعمار الجديد بالشرق الأوسط، التي تحول دون تراجع «المتطرفين»، وتنظيماتهم المتعددة، لأن نتائجها على الجغرافيا الاجتماعية العربية في الشرق الأوسط، أنتجت خليطا من الإسلام السياسي والحركات الإرهابية.
وفي هذا السياق، يشير بورغا في كتابه «رايات سُود: صعود تنظيم داعش» الصادر سنة 2016، إلى أن جذور «داعش» تعود لطبيعة السياسة الدولية بالمنطقة، إضافة للعامل المحلي. فمنذ إطلاق السلطات الأردنية سنة 1999 سراح «أبو مصعب الزرقاوي»، تطور الأمر ليجد المجتمع الدولي نفسه أمام «حماسة هذا الرجل، والأخطاء الاستراتيجية للرئيسين بوش وأوباما أفضت إلى أن ترفع راية (داعش) على مناطق واسعة من العراق وسوريا.
وبناء على ذلك، يؤكد فرنسوا بورغا، مدير أبحاث في «المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية»، أن «جميع النظريات التفسيرية للحركات المتشددة، التي لا تأخذ بعين الاعتبار الآثار المترتّبة على علاقات الهيمنة بين الشمال والجنوب، تعد غير فعّالة، لأنها تركّز المسؤولية على فاعل العنف، دون التساؤل أو الدعوة إلى التساؤل بمنهجية عن الظروف التي أنتجت هذا الفاعل.
من جهته، تماشى الباحث بـ«مركز بروكينغز» شادي حميد، مع هذا التفسير لاستمرارية توالد الظاهرة الإرهابية بالشرق الأوسط؛ ففي مقالة له بعنوان: «هل الإسلام دين استثنائي؟» نشرت بمجلة «ذي أتلنتك» الأميركية، بتاريخ 11 - 9 – 2016، نبه شادي حميد إلى أنه «لا يمكن فهم الصراعات الحالية في الشرق الأوسط، دون العودة إلى عام 1924؛ من أجل الوصول إلى نظام سياسي شرعي بدرجات مختلفة، وربما كان ظهور (داعش) آخر تلك المحاولات التي أخفقت في الإجابة عن السؤال الأساسي».
وفي ما يخص العامل الثاني، يرى الخبير الفرنسي أن الانعطاف التاريخي نحو التوحش الحاصل اليوم، هو ظاهرة تتجاوز التعصب الديني، لكنها في الوقت نفسه وليدة أزمة سياسية، عنوانها الأبرز حاليا «المعضلة السورية». فالنظام السياسي السوري بقيادة الأسد، يعد الخميرة الأساسية لتوالد فطريات التوحش الداعشي، ذلك أن «صعود (داعش) بلا جدال كان مراداً من قبل استراتيجية النظام، وكانت ولادته على هذا النحو، بكل وضوح، بمساعدة متعددة الطرق قامت بها مختلف دوائره التابعة له. ذلك معطى لا جدال فيه، فقد فعل بشار الأسد منذ أيام الأزمة الأولى كل شيء كي تتمكن هذه الفزّاعة من لعب دورها بأكبر قدر من السرعة والإذهال إزاء الرأي العام الدولي من جهة، ثم بعد ذلك إزاء السكان الذين يديرهم (داعش)» من جهة أخرى.
أما العامل الثالث فهو فرعي وثانوي، فالتعصب ليس وليد الظاهرة الإرهابية، بل العاملان المشار إليهما أعلاه. ولهذا يعده بورغا البعد الإيديولوجي المقدس، والمعجم الديني القادم من ظرف «داعش»، مجرد عامل مساعد؛ لكن هذه «القراءة الأكثر شيوعا، ليس في الغرب فحسب، لظاهرة (الجهادية)، تتمثّل في اعتبار الجهاديين (متعصّبين)، وهذا ما يشكل وسيلة لإنكار أن العملية التي أنتجت هؤلاء (المتعصّبين) هي، في الواقع، سياسوية»؛ رغم أن تجربة الجزائر بشمال أفريقيا، وتجربة العراق وسوريا حاليا تثبت أن الأزمات السياسية هي التي تخلق الإرهاب وتنعش جغرافية انتشار التنظيمات الإرهابية.

«داعش» يستمر في العراق
وبناء على ما تقدم، فإن الأزمة السياسية الحالية التي تعصف بالعراق وسوريا، هي التي تفسر وجود سيطرة تنظيم داعش على بعض المناطق التي يعدها ولايات تابعة لدولته المزعومة رغم الهزيمة النكراء التي مني بها في عاصمة «خلافته المعلنة». على المستوى العملي، لا يزال تنظيم البغدادي موجودا في ولاية دجلة (شمالي وسط العراق) وولاية الفرات (غربي وسط العراق)، وولاية كركوك التي تتمتع بموقع استراتيجي ونشاط كبير للتنظيم حاليا، وتقع شمالي وسط العراق؛ وولاية الجزيرة (شمال غربي العراق) وهي منطقة يعاني فيها التنظيم من صعوبات كبيرة جراء الحصار وضعف القاعدة الشعبية للتنظيم بالمنطقة. واقعيا لا يسيطر تنظيم البغدادي الإرهابي في «ولاية الجزيرة»، إلا على مدينة تلعفر ونواحيها، فيما تعاني هذه السيطرة من حصار تفرضه «البيشمركة الكردية» شمالا، والجيش العراقي جنوبا وشرقا وغربا. وجراء هذه العزلة يعاني التنظيم في هذه المنطقة من صعوبات تنظيمية داخلية وصلت لدرجة إعلان جزء من مسلحي «داعش» تلعفر ولاية مستقلة عن «دولة الخلافة»؛ مما أدى إلى نشوب مواجهة مسلحة بين مقاتلي التنظيم الإرهابي يوم 14 يوليو (تموز) 2017 أسفرت عن 4 قتلى.
أما في ولاية كركوك، فالتنظيم كذلك يتمتع بوجود مهم في منطقة لها أهمية في الجغرافيا السياسية العراقية؛ حيث إن «داعش» يوجد على التماس مع «قوات البيشمركة الكردية»، من جهة الشمال؛ ولا تخفي هذه القوات رغبتها في التوسع على حساب المناطق الخاضعة لـ«داعش»، لأسباب سياسية، وهذا ما يجعل المواجهة بين الطرفين مستمرة، وتشهد تنسيقا بين الأكراد والولايات المتحدة الأميركية التي توفر الغطاء الجوي للبيشمركة. ورغم ذلك، فإن تنظيم البغدادي يعرف نشاطاً في مناطق الرياض والحويجة ودوكمات والرشاد، مستغلا بذلك الطموحات القبلية بالمنطقة، وقدرته الجيدة في إدارة الموارد بين السكان.
وعلى مستوى «ولاية الفرات»، تعد منطقتا القائم ورواة، محل نشاط مهماً للتنظيم لتوفر الموارد الفلاحية، كما أن الولاية منفتحة على سوريا حيث يتمتع التنظيم بحرية الحركة، مما يحافظ للمنطقة على نوع من التوازن والسيطرة الداعشية.

لماذا يستمر الإرهابيون؟
هذا الاستمرار على أرض العراق وسوريا رغم المواجهة الدولية والمحلية للإرهابيين، لا يعود لما يسميه عالم السياسيّة الفرنسي أوليفييه روا «أسلمة التعصب» وولادة «ظاهرة جيليّة عدميّة»، هدفها الانتقام من الآخر، بل إن الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، باعتبارها ظاهرة خلقتها الأزمة السياسية، تتقوى باستمرار؛ نظرا لعامل معقد، يتلخص في استحالة فصل الأسباب الداخلية للتنظيمات، عن طبيعة السياسة الخارجية للدول الغربية بمنطقة الشرق الأوسط، حسبما يؤكد فرنسوا بورغا.
ولذلك يلاحظ المتخصص في التنظيمات الإرهابية أنها تخلق آليات جديدة للتكيف مع طبيعة تحولاتها الداخلية، كما تنوع من طرق مواجهتها مع القوى الغربية التي تعدها مستعمرة للمنطقة. وفي هذا السياق، تظهر التحركات الأخيرة لتنظيم داعش، أنه واع بقسوة الهزائم التي تلقاها في المعارك الأخيرة، وما صاحبها من فقدان قيادييه العسكريين والماليين وصولا لمزاعم مقتل زعيمه البغدادي؛ كما أن التنظيم يحاول «تجاوز» الصعوبات التي يعانيها بالعراق، ولذلك عمل على خلق مركز جديد بمدينة الميادين بمحافظة دير الزور السورية، حيث حرية الحركة والقدرة على رص الصفوف.
من جهة أخرى، يقاوم التنظيم بالرقة السورية، كما يستعد للمعركة المقبلة مع الجيش العراقي والتحالف الدولي، وستكون مدينة تلعفر وبمشاركة ميليشيات «الحشد الشعبي»، ولا يعرف لحد اليوم ما إذا كان التنظيم سيتشبث بالمدينة في حال الهجوم عليها؛ خصوصا أن القيادي البارز في التنظيم «أبو البراء الموصلى»، أكد أن ما وقع بالموصل هزيمة، فيما قالت مصادر أمنية عراقية إن عدد مقاتلي «داعش» بتلعفر، نقص إلى نحو 350 مقاتلا، وكان قبل معركة الموصل للتنظيم نحو ألف مقاتل بالمدينة.
عموما يمكن القول إن الخبراء والمتخصصين في الظاهرة الإرهابية متفقون على أن المعركة الدولية مع تنظيم البغدادي، تحقق هدفها تدريجيا بالتحطيم المستمر لخرافة صناعة «داعش» وقدرة التنظيم على الإمساك بالأرض وبناء الإدارة والمؤسسات. إلا أن هذه الهزائم المتوالية، كما يقول الباحث الأميركي المتخصص في الإرهاب «هارون.ي. زيلين» لن تؤدي «إلى القضاء على الجماعة، التي ستستمر في تشكيل تهديد من ناحية التمرد والإرهاب، لكنها ستزيل أي حجج قد يميل (الجهاديون) إلى تقديمها لتبرير استمرارية دولتهم؛ حتى لو كانت تلك الدولة عبارة عن مجرد صورة مضمحلة لكيانها السابق».
أما بالنسبة لعالم السياسة والخبير، فرنسوا بورغا، مدير الأبحاث في «معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي» في «إيكس أون بروفانس»؛ فإن «ما حدث في الموصل هو أن العالم قدّم مفاتيح أبواب ركام مدن سنية إلى ميليشيات شيعية أو كردية، وبهذا الشكل فقد تمّ التأجيل زمنيا والتوزيع جغرافيا للمشكلات التي لم تقدر المنظومة الدّولية على حلها. في العراق، كما في سوريا وغيرها من الدّول المُشابهة لها، لطالما لم يتم بناء مُؤسّسات سياسية صلبة قادرة على معالجة الأسباب العميقة للتطرّف في الموصل. انتصرت القوة المُطلقة العمياء وفشلت السياسة».
وهذا الفشل يجعل من تنظيم داعش مظهرا بارزا للأزمة السياسة العامة التي تضرب العراق منذ سنة 2003، وسوريا بعد سنة 2011. وبالتالي، فإن عجز المؤسسات السياسية للدولتين، على تجاوز البنية الطائفية العنيفة، وضمان المشاركة السياسية للجميع وتحقيق المواطنة، وبناء ديمقراطية تشاركية؛ يجعل من فرص القضاء على الإرهاب شبه منعدمة، حسب ما يطرحه عالم السياسة والخبير في الظاهرة الإرهابية، فرنسوا بورغا.
* أستاذ زائر للعلوم السياسية
بجامعة محمد الخامس



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».