المهرجانات اللبنانية الرئيسية في حفلاتها الأخيرة

مع سميرة سعيد وبوكورا انقسم الجمهور بين الغناء العربي والفرنسي

الفنانة سميرة سعيد في مهرجانات بعلبك الدولية   -  المغني م. بوكورا في «مهرجانات جبيل» - الفنانة سميرة سعيد تؤدي إحدى أغانيها في مهرجانات بعلبك الدولية
الفنانة سميرة سعيد في مهرجانات بعلبك الدولية - المغني م. بوكورا في «مهرجانات جبيل» - الفنانة سميرة سعيد تؤدي إحدى أغانيها في مهرجانات بعلبك الدولية
TT

المهرجانات اللبنانية الرئيسية في حفلاتها الأخيرة

الفنانة سميرة سعيد في مهرجانات بعلبك الدولية   -  المغني م. بوكورا في «مهرجانات جبيل» - الفنانة سميرة سعيد تؤدي إحدى أغانيها في مهرجانات بعلبك الدولية
الفنانة سميرة سعيد في مهرجانات بعلبك الدولية - المغني م. بوكورا في «مهرجانات جبيل» - الفنانة سميرة سعيد تؤدي إحدى أغانيها في مهرجانات بعلبك الدولية

حفلان كبيران شهدهما لبنان، مساء أول من أمس، في إطار مهرجاناته الرئيسية التي بدأت تشرف على نهاية برامجها؛ إذ انقسم الجمهور بين ميّال للأغنية العربية توجه إلى قلعة بعلبك التاريخية للقاء «الديفا» المغربية سميرة سعيد، في واحدة من حفلاتها القليلة التي تحييها وبعد غياب طويل عن لبنان. وهناك بدأت الحفلة متأخرة بسبب الازدحام وتعذر وصول الجمهور. فيما ذهب جمهور آخر أصغر سناً، فرنكوفونياً هذه المرة باتجاه بيبلوس للقاء المغني الشهير م. بوكورا في «مهرجانات جبيل» الذي حط في لبنان ضمن جولة تحمل اسم «ماي واي»، وهو عنوان ألبومه الذي حصد «أسطوانة بلاتينية» بعد 10 أيام على صدوره في يونيو (حزيران) 2016. الحفلة التي غنى فيها بوكورا بعض أغنياته والكثير من أغنيات الكبير كلود فرنسوا، المولود في الإسماعيلية في مصر ورحل شاباً صغيراً عن عمر لم يتجاوز 39 عاماً، هي خاتمة هذا الموسم في بيبلوس. على طريقة كلود فرنسوا وراقصاته كان الحفل مع لمسات تحديثية من مؤثرات وشاشات وإضاءة، استمتع آلاف الحضور بأشهر الأغنيات التي يحفظونها ويرددونها، مثل «ألكسندري ألكسندرا»، «بليندا»، «ست أنيه لا». وبصحبة فرقة موسيقية مؤلفة من 3 عازفين على الغيتار، ودرامز، وعازفي بوق، وأورغ، و6 راقصات أشعلن المسرح، ورقص بوكورا... وأضاء آلاف الحاضرين هواتفهم، ورددوا معه: «فجأة لا تبقى غير الأغنية»، «صورة لك»، «غنيت للمرة الأولى في تلك السنة». وقدّم م. بوكورا، الذي أحدثت أغنياته صدى كبيراً في فرنسا منذ بداياته الفنية، عرضاً اجتمعت له الأغنية إلى جانب الرقص والاستعراض. وقال لمحبيه الذين لم يتوقفوا عن الصراخ وهم يرونه يرقص على المسرح إنه يشكرهم، وهو يقارب على الاحتفال بـ14 سنة من دخوله عالم الغناء، وإنها المرة الأولى التي يزور فيها لبنان، لكن نبضهم كان يصله وهو فرنسا، وهو سعيد أن يراهم يحفظون أغنياته ويعرفونها. لم يتوقف بوكورا، شديد التواضع، عن شكر جمهوره لوفائه له واهتمامه بأعماله، وقال، إنه «لمن الصعب على الفنان أن يستمر مع كل التقلبات التي تحدث في العالم، وإنه هو نفسه لا يعرف كيف صمد هذه السنين، وبقي قادراً على مجاراة كل هذه التغيرات».
أمسية بوكورا في بيبلوس كانت مختلفة تماماً في روحها ومضمونها وذائقة حاضريها عن تلك التي كانت تجري في بعلبك في الوقت نفسه. وإذا كان بوكورا أعاد أغنية «ألكسندري، ألكسندرا» لكلود فرنسوا مرة ثانية وهو يودع جمهوره، فإن سميرة سعيد كررت أغنيتها الشهيرة «هوا هوا» 4 مرات تحت طلب الجمهور، وقدمت إلى جانب آخر من قديمها وجديدها، مثل «يوم ورا يوم»، «يا عم عيش»، «روح يا زمان»، «محصلش حاجة»، «يا لطيف»، «ع البال»، «بشتقلك ساعات»، «بالسلامة»، «آه بحبك يا حبيبي»، «ساعة عصاري»، وختمت بإحدى أجمل أغانيها وأكثرها شعبية ورومانسية «آل جاني بعد يومين».
وكما علم متابعو سميرة سعيد مسبقاً، من خلال فيديو وضعته قبيل حضورها إلى لبنان على وسائل التواصل الاجتماعي لبروفاتها التحضيرية في مصر، فقد تمرنت على أغنية الفرنسية الشهيرة الفنانة أديث بياف «جو نو روغريت ريان» وقدمتها في بعلبك. وتعبيرا منها عن حبها للبنان الذي عبرت عنه أثناء الحفل، وتقديراً للرحابنة وفيروز غنت «عندي ثقة فيك» على طريقتها. وتحية للفنانين الكبيرين الراحلين عبد الحليم حافظ وبليغ حمدي غنت «بنلف» ومطلعها: «بنلف، والسنين بتلف، وألم بيزيد، وجراح بتخف، حبيبي».
وقالت «سعيد»، إن «وقوفي على خشبة مسرح بعلبك حلم تحقق، بعدما راودني طوال عمري، فأشكر لجنة مهرجانات بعلبك الدولية على استضافتي، وإتاحة الفرصة لمشاركتي التي تشكل إضافة لرصيدي الفني». ومما قالته في هذا الحفل إن أول بلد عربي سافرت إليه وكان عمرها 8 سنوات هو لبنان. وأضافت: «ولي ذكريات رائعة في هذا المكان، وإنني أحب ناسه وطبيعته، وإن شاء الله يرجع لبنان كما كان، وأفضل مما كان».
مع حفلتي م. بوكورا وسميرة سعيد، تكون «مهرجانات بيبلوس» قد اختتمت موسمها لهذه السنة، فيما يتبقى حفل واحد لـ«مهرجانات بعلبك» تحييه فرقة الروك الأميركية المعروفة «توتو» يوم 15 من الجاري، بينما تنهي «مهرجانات بيت الدين» موسمها لهذا الصيف بحفلة أخيرة ستكون للفنانة ماجدة الرومي يوم 12 من الشهر الحالي.
أما المهرجانات التي تجاوز عددها المائة والمنتشرة في المناطق فلا يزال بعضها لم يبدأ بعدها، وغيرها يجتذب من خلال حفلات شبه يومية آلاف الأشخاص الذين يتجهون شمالاً وجنوباً لحاقاً بفنانيهم المفضلين.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».