مشروع إحياء القاهرة التاريخية يدخل مرحلته الثالثة

ضمن مشروع ضخم بتكلفة 600 مليون جنيه بالتعاون مع اليونيسكو

عقارات وسط القاهرة تنفض عنها غبار الزمن («الشرق الأوسط»)
عقارات وسط القاهرة تنفض عنها غبار الزمن («الشرق الأوسط»)
TT

مشروع إحياء القاهرة التاريخية يدخل مرحلته الثالثة

عقارات وسط القاهرة تنفض عنها غبار الزمن («الشرق الأوسط»)
عقارات وسط القاهرة تنفض عنها غبار الزمن («الشرق الأوسط»)

بعد أن نفضت مباني القاهرة التاريخية والخديوية غبار الزمن عنها استعادت ألقها وبريقها بوصفها تحفا معمارية، تزينها النقوش الذهبية والتيجان البارزة والأضواء الجذابة، ولافتات تحمل تاريخ أهم مبانيها. وتستمر جهود التطوير وإنعاش قلب العاصمة المصرية التي عادت كما كانت في عصرها الذهبي بمبانيها العريقة ذات الطرز المعمارية المتأثرة بفنون عصر النهضة والممهورة بأيدي معماريين إيطاليين وفرنسيين. وأعلنت وزارة الآثار المصرية بدء أعمال المرحلة الثالثة من مشروع تنمية وإحياء القاهرة التاريخية، وذلك استكمالاً لأعمال المرحلتين الأولى والثانية اللتين تم الانتهاء منهما في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 بالتعاون مع منظمة اليونيسكو.
وتضم منطقة القاهرة الخديوية ثروة من المباني التاريخية يبلغ عددها 421 بناية داخل مساحة لا تقل عن 700 فدان، ومن أشهر العقارات التي تعكس جمال القاهرة وماضيها عبر أكثر من 150 سنة: عمارة الإيموبيليا، وعمارة يعقوبيان، وعمارة تريستا، وعمارة بناجا، وعمارة النادي الإنجليزي سابقا، وعمارة جروبي، ومبنى سينما راديو، وعمارة أسيكيورازيوني، والعمارات البلجيكية أمام قصر عابدين، كما توجد فنادق تحمل تاريخا عريقا، هي: شبرد وريتز كارلتون وكزوموبوليتان.
وصرح محمد عبد العزيز، مدير عام القاهرة التاريخية، بأن الوزارة انتهت من إعداد رؤية متكاملة لمشروعات التنمية والإحياء العمراني لمناطق القاهرة التاريخية والتعاقد مع استشاري عام للمشروع (مركز هندسة الآثار والبيئة - كلية الهندسة - جامعة القاهرة) الذي بدوره تعاقد مع مجموعة من الخبراء تجاوز عددهم الأربعين خبيرا في جميع المجالات التخصصية المطلوبة للعمل بالمشروع.
وأضاف عبد العزيز أن أعمال المرحلة الثالثة تتضمن إعداد دراسات ومنهج يهدف إلى وضع أسس إدارية واقتصادية وعمرانية وقانونية وثقافية للمشروع تتناسب مع كون القاهرة التاريخية تراثا محليا وعالميا ومراعاة الحفاظ على النسيج العمراني والتوازن البيئي لمناطق الاستثمار.
وأكد عبد العزيز أن هذه المرحلة تأتي ضمانة لاستمرار المشروع خلال الأعوام المقبلة بصورة مرحلية ومرتبة لتنمية مناطق القاهرة التاريخية بوصفها أحياء عمرانية وليس فقط مباني أثرية، بالإضافة إلى الالتزام بإطار زمني يعطي نتائج إيجابية طوال فترة العام الواحد وهي الفترة المتوقعة للمشروع.
واستطرد قائلا إن «من أهم المحاور التي يهدف إليها المشروع هو وضع برامج اقتصادية، تعمل على خلق فرص استثمارية، وفرص عمل لأفراد المجتمع وتنشيط الحرف اليدوية والصناعات الصغيرة ذات الصلة بالطابع العمراني الأمر الذي سيساهم في جذب السكان الأصليين للعودة للمنطقة ودفع عمليات التنمية المجتمعية».
وأشار إلى ضرورة وضع البرامج والخطط اللازمة للحصول على الدعم المالي والعلمي (المحلي والعالمي) وعمليات التمويل والاستثمار، بالإضافة إلى وضع الخطط العامة للتسويق للمشروع وكذلك البرامج الدعائية لفكرة المشروع ونجاحاته.
ويذكر أن أعمال المرحلتين الأولى والثانية، قد انتهت من وضع برنامج شامل يستهدف ثلاث مراحل للمشروع، تمثل في إعداد مخطط متكامل للحفاظ على الهوية التاريخية والتراثية للمنطقة، وخطة إدارة الموقع حسب الآلية المتفق عليها من خلال إنشاء إطار مؤسسي يدعو إلى التطوير المستمر وتعميق التنسيق بين المؤسسات والهيئات المنوطة بالتعاون في شأن ذلك، بالإضافة إلى إنشاء قاعدة بيانات للتراث العمراني لكل منطقة يتم تطويرها، والتوعية الأثرية العامة للشعب المصري ووضع معايير محددة يلتزم بها في كيفية التعامل مع ذلك التراث. وقد شملت تطوير أهم مناطق القاهرة، وهي: مباني شارعي قصر النيل والألفي وميدان عرابي الذي أصبح فضاء للتنزه، وشمل التطوير أعمال التشجير والإنارة والرصف التي تمتد حتى ميدان عابدين، وتبلغ تكلفة مراحل المشروع 600 مليون جنيه مصري.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».