الفنان عبد الرحمن محمد أصاب جمهور قرطاج بسهام عشق عربية

«عندليب مواقع التواصل الاجتماعي» نجح في مصالحة الشعر الغزلي مع الموسيقى العصرية

عبد الرحمن محمد
عبد الرحمن محمد
TT

الفنان عبد الرحمن محمد أصاب جمهور قرطاج بسهام عشق عربية

عبد الرحمن محمد
عبد الرحمن محمد

قدم الفنان السعودي عبد الرحمن محمد تصوراً موسيقياً جديداً أسر به جمهور مهرجان قرطاج الدولي في دورته 53، وتمكن خلال أول اعتلاء له لركح هذا المهرجان من تسويق شخصية فنية مختلفة عن السائد من خلال مصالحة الشعر الغزلي العربي مع الموسيقى العصرية من دون أن يؤثر ذلك على آذان المتفرجين.
وغصت مدرجات مهرجان قرطاج بالمتفرجين الذين كانوا على اطلاع على تجربة الفنان عبد الرحمن محمد، واغتنموا هذه المناسبة لاكتشاف فنان التجريب ورائد الأغنية البديلة التي تعتمد على آلات وألحان غربية ولأنّها تنهل من التراث العربي الأصيل.
وخلال السهرة، عرض الفنان السعودي على الساهرين الباحثين عن الغناء العربي الفصيح، قصيدة «أصابك عشق»، فأصاب الحاضرين بسهام عشق عربي صميم، وأطلعهم على مكامن القصيدة العربية من دون أن يحسوا بصعوبة استيعابها، مقارنة مع الموسيقى الاستهلاكية الحالية، ووقفوا في المقابل على مساحة عشق واسعة تمنحها لهم القصيدة العربية القديمة. واعتمد عبد الرحمن على صوته الشجي ليخاطب الوجدان، ولتتغلغل موسيقاه ذات الألحان العميقة في أعماق الروح وترحل بها إلى عوالم حالمة.
واعتمد عبد الرحمن محمد على فرقة تونسية مبدعة تضم خمسة عازفين على آلات القيتار والباتري والكلارينات، تمكنت من أداء الألحان بطريقة منسجمة مما ساهم في تطويع الشعر العربي القديم إلى جمل موسيقية غربية جميلة اللحن والوقع على السامعين.
و«أصابك عشق» قصيدة غزلية للخليفة الأموي يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، استحضرها عبد الرحمن محمد بتوزيع موسيقي جديد محكم التنفيذ، لتشهد نسب مشاهدة عالية على قناة «اليوتيوب» الخاصة به التي أنشأها لتكون منصته الفنية للعزف والغناء والتصوير الوثائقي، وحاول من خلالها نشر رؤية جديدة للفن بعيدا عن الموسيقى التجارية الصاخبة.
أطرب عبد الرحمن محمد الحاضرين من خلال أدائه لمجموعة من الأغاني الشجية على غرار في «بروحي فتاة» و«لما التقينا» و«حبيبي على الدنيا» و«يا من هواه»، ونجح في استثمار ثراء الصور الشعرية في القصيد العربي على أكمل وجه ليرسم لوحات غنائية تجتاز حدود الزمان والمكان وتسافر إلى عالم جديد قوامه الشعر العربي الفصيح والموسيقى العصرية الغنية بألحانها.
هذه الأغاني أنشدها عبد الرحمن بكل تحرر وانسيابية ليفرض ضربا موسيقيا خارجا عن المألوف والتقليد وفق ما أكده خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده إثر الحفل.
وقد بدا عبد الرحمن سعيدا ومنبهرا بمهرجان قرطاج وجمهوره وأعلن أنّ حفله في هذا المهرجان والمشروع الفني الذي قدمه سيكونان فاتحة لعروض مقبلة على المستوى العربي والدولي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».