السينما اللبنانية منتعشة على جانبيها الفني والتجاري

من فيلم طوني جعيتاني «اختفاء غويا» - المخرج فيليب عرقتنجي خلال تصوير «اسمعي»
من فيلم طوني جعيتاني «اختفاء غويا» - المخرج فيليب عرقتنجي خلال تصوير «اسمعي»
TT

السينما اللبنانية منتعشة على جانبيها الفني والتجاري

من فيلم طوني جعيتاني «اختفاء غويا» - المخرج فيليب عرقتنجي خلال تصوير «اسمعي»
من فيلم طوني جعيتاني «اختفاء غويا» - المخرج فيليب عرقتنجي خلال تصوير «اسمعي»

بينما لا يزال البعض يتساءل عما إذا كانت هناك سينما لبنانية فعلاً، متجاهلين أنّ الواقع الملموس يؤكد وجودها كما أكّده في مراحل مختلفة من قبل، يسعى البعض الآخر إلى البحث عن هويّتها، وعمّا إذا كان من الممكن اعتبار الفيلم اللبناني حالة أكثر منه تعبيرا عن سينما واقعة. وعمّا إذا كانت السينما اللبنانية تستطيع مواصلة مسيرتها الأخيرة بالثبات والقوة نفسيها.
في غضون ذلك، وخلال الأعوام العشرة الأخيرة الماضية، لم تتوقّف هذه السينما عن تقديم نماذجها من الأفلام التي تنقسم، كما في كل دول العالم، إلى أفلام فنية تقصد الخروج إلى المهرجانات واستحواذ ما تستطيع من جوائز، وأخرى تطرح نفسها في أسواق الأفلام لبنانياً، أساساً، وفي المحيط العربي إجمالاً إذا ما أتيح لها ذلك.

«كوميرشل»

الحكاية ما زالت كما هي منذ عقود طويلة: الفيلم اللبناني، ليكون لبنانياً بالفعل، عليه أن يحتوي على موضوع لبناني القصّـة والأحداث واللهجة والممثلين والإخراج. هذا ينطبق على الأفلام الفنية كما على تلك التجارية، لكن في حين أن تلك الفنية تعرف أنّ سوقها المحلي يصغر ويكبر حسب قوّة المضمون وأهمية فعل الترويج الذاتي، فإنّ الأفلام التجارية لديها أزمة أكبر من المتوقع لأنّ عروضها العربية خارج لبنان نادرة، ومحلياً بلغ المشاهد اللبناني والمقيم من الرشد بحيث تجاوز الرغبة في التشجيع العاطفي للسينما كما يؤكد المنتج جمال سنان، صاحب «إيغل فيلمز»، واحدة من أقوى شركات التوزيع للأفلام في العالم العربي، والشركة التي أنتجت في الأعوام الثلاث الأخيرة أكثر مما أنتجته باقي الشركات الأخرى العاملة في لبنان من مسلسلات وأفلام سينمائية، مضيفاً: «الجمهور اللبناني يريد الخامة الجيدة والمناسبة والمتميّـزة. لا بد للفيلم المنتج محلياً أن يتميّز عن الأفلام الأخرى وعلى نحو شامل. من أ إلى ي». ويحدد أكثر: «عندما ننوي إنتاج فيلم نقوم بعملنا على نحو مدروس. كل شيء من الورق إلى الشاشة عليه أن يتمتع بالمستوى الجيد. لا يستطيع المنتج اليوم تحقيق أفلامه من دون تأمين النوعية الفنية والإنتاجية الصحيحة».
جمال سنّان، في نظر بعض المنتجين الآخرين في السوق اللبناني، أصبح عنوان السينما اللبنانية الجديدة. «السوق كله له»، كما يقول أحدهم. لذلك ربما من الطبيعي أن يسأله البعض عن سبب عدم رغبته في تحقيق أفلام تنتمي إلى الصنف الآخر من السينما.
«أتلقى الكثير من الأسئلة في هذا الشأن، لكنني لا أحبّذ إنتاج أفلام فنية أو أفلام المهرجانات. أنا منتج أنتمي إلى صناعة الفيلم المطلوب جماهيرياً» ويضيف بصراحة: «بدي أعمل أفلام كوميرشل».
حين أسأله ما المانع في أن يكون الفيلم «كوميرشل» وفي الوقت نفسه جيداً يجيب: «لا مانع على الإطلاق. لكنّ المسألة ليست سهلة. الجمع بين العناصر الجماهيرية والعناصر الفنية بمعنى Art film عمل صعب. وإذا ما وجدت النص الصحيح لذلك، لم لا؟».

إلى «فينسيا»

إنّه ليس موقف جمال سنان الوحيد. منذ عمق التجربة اللبنانية في الإنتاج، ومعظم المنتجين فضّلوا التعامل مع الفيلم التجاري لأنّ الليرة المدفوعة تستطيع أن تعد بليرتين في المقابل في الفيلم الجماهيري. الفيلم الفني قد يكلف (أحياناً) أقل، لكنّ ليرته قد لا تعود وإن عادت فعلى شكل جوائز ونياشين وشهادات تقدير لم تقنع منتجي السينما في لبنان بالإقدام عليها.
الفيلم التجاري اللبناني فيما سبق كان محدود التطلعات والقدرات. هذا جعل المستثمرين في الستينات وما بعدها يجدون في التعاون مع جهات سورية أو مصرية (أو الجهتين معاً أحياناً) البديل المناسب.
فنياً، هي كانت دائماً مثل الفتاة التي عليها الاعتماد على نفسها في هذا العالم المادي المحيط بها. ليس فقط أن الجمهور العربي لم يكن ليأبه لأي سينما باستثناء المصرية، بل كان من الصعب جداً الوصول إلى نيل احترام وإقبال الجمهور اللبناني نفسه.
الوضع في السنوات العشر الأخيرة تغير للأفضل ولو أنّه ما زال بعيداً عن الكمال. صارت للسينما اللبنانية أفلام تدخل المنافسات في معظم المهرجانات الأولى حول العالم. وهذا العام لا يختلف الأمر مطلقاً.
أحد الأفلام اللبنانية المقبلة على دورة مهرجانات واسعة، هو «الإهانة» لزياد الدويري. ذات المخرج الذي انطلق من لبنان قبل نحو 30 سنة بفيلم «بيروت الغربية» سنة 1989، وذات المخرج الذي صوّر «الهجوم» في إسرائيل، ما جعل الرقيب اللبناني يمنع الفيلم في وقت تداعى البعض لاعتبار الدويري «طبّع مع العدو»، ما يستحق معه تقديمه إلى المحاكمة.
«الإهانة» هو أحد الأفلام المتسابقة في مهرجان «فينسيا» المقبل. الفيلم الروائي الطويل الوحيد الذي يحمل اسم مخرج عربي، علماً بأن الإنتاج بالكاد لبناني كون تمويله الأول جاء من شركتي «روج إنترناسيونال» و«تيساليت برودكشنز» الفرنسيّتين. هذه الأخيرة يرأسها ويديرها المنتج والمخرج الجزائري الأصل رشيد بوشارب.
من شاهد الفيلم، مثل كوليت نوفل، رئيسة مهرجان بيروت السينمائي الدولي، أعرب عن إعجابه الكبير. تقول لنا السيدة نوفل: «لم أر شخصياً فيلماً جيداً كهذا بين كل الإنتاجات التي شاهدتها وأنا شاهدت الكثير. فيلم رائع إلى حد مذهل ويستحق التوجه إلى الأوسكار المقبل».
لكن بيننا وبين الأوسكار أكثر من شهرين ولو أنّ التحضير للاشتراك في سباق الأفلام الأجنبية في لبنان يتم الآن.
أحد الأفلام اللبنانية التي تستحق التوجه كذلك إلى هذا الحفل هو «اسمعي» لفيليب عرقتنجي: دراما روائية حول شخصيات هي من نتاج الحرب اللبنانية وإن لم تعشها فعلياً. قصّـة حب فيها منافذ متعددة على الوضع اللبناني الداخلي (على الأخص) حيث يقع الدرزي في حب الفتاة المسيحية. إلى جانب اختلاف الدين هناك الاختلاف الطبقي والفروق في التقاليد في مقابل ما قد يشكل تهديداً لإلغائه. عندما تدخل الفتاة المستشفى في حالة غياب عن الوعي الكامل (كوما)، يؤمن بطل الفيلم أنّ الأصوات التي يسجلها بمهارة من شتى مصادر الطبيعة بالإضافة إلى الموسيقى وصوت الذكريات التي جمعتهما كفيلة بشفائها.

صوب صناعة كاملة

في المضمار الفني ذاته أنهى المخرج اللبناني طوني جعيتاني فيلماً ذا بصريات غير مسبوقة وطرح بصياغة فنية رائعة عنوانه «اختفاء غويا»، ويمزج فيه بين أحداث تُروى وبين وقائع تُسجّـل. بالتالي لا هو فيلم روائي بالكامل ولا فيلم تسجيلي بالكامل ولا حتى عمل بين الاثنين. جهد المخرج المبذول لصياغة هذا الفيلم يتجاوز ذلك بطلاقة.
إلى جانب ما سبق، ومنذ أواخر السنة الماضية وحتى الآن، عرفت السينما اللبنانية أعمالاً أخرى من النوعية الفنية بأساليب مختلفة. «مخدومين» لماهر أبي سمرا، «ميل يا غزيّـل» لإليان الراهب، «يا عمري» لهادي زكّاك، «ربيع» لفاتشي بولغورجيان من بين أخرى.
في الوقت ذاته، لم تتوقف حركة الإنتاج الجماهيري التوجه خلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي وحتى اليوم، فشهدنا «يللا عقبالكن شباب» لشادي حنا و«ماكس وعنتر» لعماد الرفاعي و«مرحباً في لبنان» لسيف الشيخ نجيب و«بينغو» و«السيدة الثانية».
هذان الفيلمان الأخيران هما لجمال سنّان الذي تقدّم على منافسيه في أكثر من مجال عمل. فهو يمول عدداً من الأفلام المصرية كل سنة (من بينها هذا العام «حلاوة الدنيا» مع هند صبري وحنان مطاوع وأنوشكا)، وعدد كبير من الأعمال التلفزيونية. كذلك يتوجه خليجياً وفي نيته تقديم ما هو جديد في مضمار الأعمال التلفزيونية.
«الغاية ليست التوسع بقدر السعي لخلق الصناعات المطلوبة لتقدم الحركتين السينمائية والتلفزيونية. والتوفيق حالفنا في هذا السعي على الرغم من المنافسة الشديدة. بعد الثورة المصرية استغلت المسلسلات التركية الفجوة التي تركها غياب المسلسل المصري ودخلت التلفزيونات العربية بقوّة. غايتي كانت، من عام 2014 وحتى الآن هي أن أنتج أفلاماً ومسلسلات على مستوى لا تستطيع المسلسلات التركية منافستها فيه». على الرغم من ذلك، فإن موقفه من السينما ذات التوجه الفني لن يتغيّر في المستقبل القريب: «نريد أولاً تقوية هذه الصناعة. لقد انطلقنا بها، لكنّها تحتاج لدعم وتحتاج لأن تقف بقوة على قدميها أولاً قبل أن نبدأ التفكير في تحقيق أفلام متخصصة. الأولوية الآن هي للأفلام التي تجد الرواج عند جمهور كبير».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».