«طفلي يقرأ» مبادرة تطوعية سعودية لإنشاء مكتبات الأطفال المنزلية

حققت طلبات لـ35 أسرة في أقل من شهر ونصف من عمر المبادرة

«طفلي يقرأ» مبادرة تطوعية سعودية لإنشاء مكتبات الأطفال المنزلية
TT

«طفلي يقرأ» مبادرة تطوعية سعودية لإنشاء مكتبات الأطفال المنزلية

«طفلي يقرأ» مبادرة تطوعية سعودية لإنشاء مكتبات الأطفال المنزلية

أطلق 15 شابا وفتاة سعوديين مبادرة تطوعية تستهدف إنشاء مكتبة للطفل في كل منزل، عبر تبني مشروع اتخذ من مواقع التواصل الاجتماعي «منصة» لنشر تلك الجهود التطوعية، فيما أنشأ المشروع الذي اتخذ من اسم «طفلي يقرأ» عنوانا لحسابه على موقع «تويتر»، ما يزيد على 35 مكتبة منزلية للأطفال بالسعودية.
وأوضح عويد السبيعي، صاحب ومؤسس مبادرة «طفلي يقرأ»، أن المبادرة تهدف إلى رفع المستوى الثقافي لدى الأسر بأهمية وجود مكتبة الطفل في كل منزل. موضحا أن المبادرة تعمل على تسهيل وصول الكتاب إلى الطفل بأسعار تكون في متناول الجميع، وتهدف كذلك إلى نشر المكتبة المنزلية الخاصة بالطفل، عبر تسهيل وصول الكتاب المميز بأسعار معقولة إلى كافة الأسر وأطفالهم في أرجاء الوطن العربي المختلفة.
وقال السبيعي: «تعد كتب الأطفال من أغلى الكتب من حيث السعر، وفي الوقت نفسه نعاني قلة في المحتوى العربي للطفل الذي لا يتجاوز معدل 200 - 250 كتابا كل عام، وهو معدل ضعيف جدا إذا قارناه بالمحتوى الإنجليزي للطفل الذي قد يتجاوز 4000 كتاب كل عام».
وأشار العويد إلى أن المبادرة بدأت بفكرة التواصل مع المكتبات التجارية الموردة لكتب الأطفال؛ للحصول على خصم خاص للمبادرة بهدف تقديم الكتب للأسر بأسعار تشجيعية، لحثهم على تأسيس مكتبة الطفل الخاصة به داخل منزل أسرته، مشيرا إلى تمكن المبادرة من الحصول على خصم يقدر بـ40 في المائة، لافتا إلى توفير كتب الأطفال وفق ثلاث فئات عمرية لتتناسب مع أكبر شريحة ممكنة من الأطفال.
تستهدف المبادرة نشر المكتبات الخاصة بالطفل، بالإضافة إلى توعية الأسر بأهمية أن يكون الطفل قارئا منذ صغره، وتسليط الضوء على طرق القراءة الصحيحة والكتب المميزة للأطفال، فيما ذهبت المبادرة إلى اتخاذ مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك، ويوتيوب، وتويتر، ومدونات) طريقا للانتشار بين أفراد المجتمع المحلي.
وبين السبيعي أن الهدف من اتخاذ حساب «تويتر» لمبادرة «طفلي يقرأ» هو الانتشار بشكل أوسع، مبينا أن «تويتر» بات الطريقة الأسرع لوصول الأفكار والتواصل مع الأسر المعنية بالمبادرة. لافتا إلى أن المبادرة لم تقتصر على حساب «تويتر»؛ بل لديها عدد من الحسابات على شبكات التواصل الاجتماعي، أهمها مدونة إلكترونية، وحساب بـ«الانستغرام»، وقناة على «يوتيوب»، بالإضافة إلى حساب خاص بالصور على موقع «تمبلر».
وحسب دراسة علمية حديثة، فإن الأطفال قبل المدرسة تناسبهم القصص القصيرة التي تدور موضوعاتها حول الحيوانات والقصص الكوميدية أو الفكاهية، فيما الأطفال في سن (6 - 10 سنوات) يميلون إلى القصص الخيالية، التي تتحدث عن الشخصيات الخارقة والمغامرات، كما تجذبهم القصص المنقولة من الثقافات الأجنبية؛ لما فيها من معارف مشوقة. أما الأطفال الأكبر سنًا (10-12 سنة) فيتقبلون القصص الواقعية وقصص الأبطال، التي تتضمن شخصية إيجابية، كما تستهويهم المغامرات والأساطير الشعبية.
وتذهب الدراسة إلى أنه يمكن تقسيم القصة الواحدة إلى جلسات عدة بالنسبة للأطفال الكبار. أما الصغار فيفضلون القصص ذات النهاية السريعة؛ لعدم قدرتهم على التركيز والانتباه لمدة طويلة.
وفي السياق ذاته، أكد صاحب ومؤسس مبادرة «طفلي يقرأ»، أن المؤشرات الأولية لاستجابة أسر الأطفال أبهرت فريق العمل التطوعي للمبادرة، مؤكدا أن خططهم للمبادرة كانت تستهدف إنشاء 10 مكتبات شهريا، إلا أن الإقبال الكبير من الأسر ضاعف الرقم ليصل إلى ما يزيد على 35 مكتبة طفل في كل منزل بمناطق المملكة المختلفة خلال الشهر والنصف الأول من عمر المبادرة.
فيما تلقت المبادرة عبر حسابها على مواقع التواصل الاجتماعي العديد من الطلبات من قبل أسر الأطفال، بالإضافة إلى تلقيها العديد من الأسئلة والاستفسارات حول المبادرة وطريقة الاستفادة منها لإنشاء مكتبة أطفالهم، ويتوقع القائمون على المبادرة وصول طلبات من 13 دولة عربية.
وحول آلية عمل المبادرة في التواصل مع أسر الأطفال لتزويدهم بالكتب التي يطلبونها، أوضح السبيعي أن المبادرة تقوم بعرض الكتب عبر حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت؛ ليتمكن أولياء أمر الطفل من اختيار ما يناسب طفلهم منها، ومن ثم يقوم فريق العمل بالمبادرة بتجهيز الكتب وشحنها عبر البريد السعودي إلى عنوان الأسرة.
وشدد السبيعي على أن حجم الطلبات المقدمة للمبادرة لتأسيس مكتبات الأطفال المنزلية يدل على مدى التعطش الكبير لدى أسر الأطفال، وحرصهم على تكوين مكتبات خاصة لأطفالهم، مؤكدا عدم تلقي المبادرة أي عوائد مالية من قبل المكتبات الموردة لكتب الأطفال، لافتا إلى أن فريق العمل يقوم بدور الوسيط فقط بين المكتبات وأسر الأطفال.
وانطلقت مبادرة «طفلي يقرأ» في 16 سبتمبر (أيلول) الماضي وتستعد لإطلاق لقاءاتها الشهرية منتصف الشهر المقبل، موضحا أنه تم التنسيق مع 8 مراكز ترفيهية في مناطق السعودية المختلفة لاستضافة اللقاء الشهري، وهذه المراكز الترفيهية موزعة بواقع مركزين في كل من الرياض وجدة، ومركز واحد في كل من المنطقة الشرقية وبيشة والباحة.
ولمح السبيعي إلى أن فريق العمل التطوعي للمبادرة يتجه - حاليا - لإقامة مجموعة ثقافية تضم عددا من المبادرات المتخصصة في نشر ثقافة التواصل مع الكتاب بين شرائح المجتمع المختلفة، وأن استهداف الأطفال كان مرحلة أولية للمبادرة ستليها مبادرات أخرى لفئة الشباب لاحقا.
يشار إلى أن مبادرة «طفلي يقرأ» عمدت إلى نشر صور للأطفال بعد تلقيهم كتبهم الخاصة بهم عبر حسابي «الانستغرام» و«التمبلر» على شبكات التواصل الاجتماعي؛ بهدف تشجيع الصغار على اقتناء الكتاب، ورفع نسبة التواصل بين الأطفال والكتب كمصدر للمعرفة والمعلومة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)