«بؤرة» إدلب تترقب مصيرها

بعد التقارير عن حملة عسكرية دولية للقضاء على «النصرة»

«بؤرة» إدلب تترقب مصيرها
TT

«بؤرة» إدلب تترقب مصيرها

«بؤرة» إدلب تترقب مصيرها

يغلب التشاؤم التام على ما تبقى من قياديين في «الجيش السوري الحر» بمحافظة إدلب في أقصى شمال غربي سوريا؛ وذلك بعد تحويل منطقتهم إلى «بؤرة» لتجميع المجموعات المتطرفة، وبخاصة عناصر «هيئة تحرير الشام» وعلى رأسهم مقاتلو «جبهة النصرة»، الذين وصل أخيراً قسم منهم من جرود بلدة عرسال الحدودية اللبنانية. وما يزيد الطين بلة بالنسبة للمقاتلين المعتدلين في المحافظة هو بسط «النصرة» نهاية شهر يوليو (تموز) الماضي سيطرتها على معظم أرجائها بعد اقتتال عنيف نجحت خلاله في تقليص حجم «حركة أحرار الشام» التي كانت تتقاسم وإياها الحضور والنفوذ في إدلب، ريفاً ومدينة.
مع إمساك «هيئة تحرير الشام» بكل المعابر الحدودية الشمالية الغربية السورية مع تركيا، سواءً عسكرياً أم عبر «واجهة الإدارة المدنية»، تكون «الهيئة» كمن يستجدي تدخلاً دولياً بات على نار حامية، كما تؤكد مصادر متعددة، آخرها صحيفة «قرار» المُقرَّبة من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا. فلقد كشفت الصحيفة أن أنقرة بالتشاور مع التحالف الدولي وضعت خطة من أجل تنفيذ عملية عسكرية مشتركة في إدلب، وذلك بعد سيطرة «هيئة تحرير الشام» على المنطقة.
الصحيفة ذكرت أيضاً في أحد تقاريرها أن «سيطرة هيئة تحرير الشام، المرتبطة بتنظيم القاعدة، على معبر باب الهوى الحدودي من الجانب السوري أدى لزيادة خطرها». وأضافت: «مع وصول معلومات تفيد بالتحاق عناصر تنظيم داعش الهاربين بصفوف (هيئة تحرير الشام)، يجري العمل على إنشاء حلف روسي - أميركي - تركي - فرنسي من أجل شنّ عملية ضد التنظيم الإرهابي، مع العلم أن (هيئة تحرير الشام) كانت قد أعلنت فكّها ارتباطها بتنظيم القاعدة قبل ما يقارب السنة، إلا أنها بحسب المعلومات المتوافرة ما زالت على علاقة وثيقة به».
هذا، وتحاول «هيئة تحرير الشام» بعد فرض سيطرتها على نحو 70 في المائة من محافظة إدلب، على خلفية المواجهات الدامية التي خاضتها بوجه «أحرار الشام» الشهر الماضي، الاستعانة بما تسميه «إدارات مدنية» للتخفيف من وطأة الحملة التي استهدفتها. وهو «سيناريو» اعتمدته بوجه خاص في معبر باب الهوى الذي كان تحت سيطرة «أحرار الشام» فحوّلته إلى «إدارة مدنية» يؤكد قياديون في «الجيش السوري الحر» أن موظفيها يخضعون مباشرة للهيئة ويسلمون مداخيله لـ«أبو محمد الجولاني» زعيم «النصرة».
ودعت «الهيئة» نهاية الشهر الماضي جميع الفصائل العاملة في الشمال السوري، إضافة إلى العلماء والنخب الثورية والكوادر المدنية، إلى اجتماع عاجل للوقوف على تحديات المرحلة «والخروج بمشروع يحفظ الثورة». ويؤكد مقرّبون من «الهيئة» أن تسليمها معبر باب الهوى الحدودي والمجلس المحلي في إدلب لجهات إدارية مدنية «رسالة إيجابية تعكس رغبتها في أن تنزع عن نفسها تهمة السعي لفرض لون واحد على المحافظة»، كما يؤكدون وجود إمكانية أن «تجلس الهيئة على طاولة المفاوضات مع جهات دولية حتى تنزع عنها الشكوك والتهم المثارة ضدها بانتماء بعض مكوّناتها للقاعدة».
من ناحية أخرى، تنظر فصائل المعارضة المعتدلة بريبة إلى التطورات الأخيرة التي شهدتها محافظة إدلب ككل، وهي تلمّح إلى وقوف أنقرة «طرفاً متفرجاً» رغم كل ما سبق تداوله عن استعدادها للتدخل لدعم «أحرار الشام» في المعارك التي خاضوها بوجه «النصرة». وفي هذا السياق، يدّعي أحد القياديين في «الجيش الحر» موجود في إدلب أنه «لو أرادت أنقرة لمنعت تمدّد (الهيئة) بالشكل الذي تمدّدت فيه الشهر الماضي، لكنها تتبع خطة دولية تتقاطع فيها مصالحها مع مصالح دول أخرى تقضي بتحويل إدلب إلى قندهار أو موصل ثانية، أو على الأقل تصويرها كذلك؛ ما يعطي نوعا من الشرعية لتدخل دولي ينهي ما تبقى من ثورة تحت ذريعة القضاء على (النصرة)». ويضيف القائد العسكري - الذي فضل التكتم على هويته - في تصريح لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «كل المؤشرات توحي بعملية عسكرية مقبلة على المحافظة، ولقد رصدنا أخيراً وجوداً كثيفاً لعربات مصفّحة تركية عند معبر أطمة، وكذلك لا تغادر طائرات الاستطلاع أجواء إدلب منذ نحو شهر».

«موصل ثانية»؟!
في هذا السياق، لم يعد التنبيه من تحويل إدلب إلى «موصل ثانية» يقتصر على طرف معين، باعتبارها باتت عبارة تتردد في مجالس متعددة. ولفت أخيراً ما نقلته صفحة «قاعدة حميميم» غير الرسمية على موقع «فيسبوك» نقلا عن المتحدث الروسي باسمها ألكسندر إيفانوف عن «تحويل مدينة إدلب إلى(موصل ثانية) في حال تمكنت (هيئة تحرير الشام) من السيطرة على كامل إدلب». وأضافت الصفحة أن استهداف «الهيئة» في إدلب «سيتسبب في حدوث دمار واسع في المنطقة، وسيكون للقوات الروسية دور مباشر في المعركة، كما كان في مدينة تدمر ومناطق ريف محافظة حمص الشرقي». وتزامنت هذه التصريحات مع تحذيرات أطلقها القائد العام السابق لـ«حركة أحرار الشام»، علي العمر، قبل الإعلان عن توقيع اتفاق تهدئة مع «جبهة النصرة»، اعتبر فيها أن «اعتداء (هيئة تحرير الشام) على (الأحرار) يهدف لإنهاء الثورة السورية، وتحويل مناطق أهل السنة إلى رقّة وموصل جديدتين». وظهر العمر في شريط فيديو بثه المكتب الإعلامي للحركة على أحد محاور الاشتباك مع «هيئة تحرير الشام» في ريف إدلب، متحدثا عن «معلومات تؤكد تجهيز (تحرير الشام) للهجوم على الحركة منذ أكثر من شهر، حيث أقامت معسكرات خاصة لعناصرها من أجل ذلك»، مطالباً الشعب السوري بـ«الدفاع عن الثورة».
من جانبه، يعتبر «أبو علي عبد الوهاب»، القيادي في «جيش الإسلام» أن وجود تركيا شريكاً في أي تحالف دولي جديد سيتولى معركة القضاء على «جبهة النصرة» في محافظة إدلب «سيجعل حجم التداعيات على المدنيين وعلى فصائل المعارضة أقل وطأة»، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «التحذيرات المتتالية التي نسمعها من تحويل إدلب إلى موصل 2، تخيفنا باعتبار أننا تابعنا أن المدنيين هم مَن يدفعون ثمن الضربات العشوائية التي ينفذها طيران التحالف، إن كان في الرقة أو دير الزور أو الموصل».
وإذ يؤكد عبد الوهاب أن تركيا لا تنسّق مع أي من الفصائل بخصوص أي معركة مرتقبة في إدلب، يشير إلى «هدوء يسيطر على المحافظة ككل منذ أكثر من أسبوع بعدما انكفأت حركة (أحرار الشام) في منطقة جغرافية محددة تمتد من جبل الزاوية الشرقي مرورا بجبل شحبشو في ريف محافظة حماة وصولا إلى سهل الغاب»، لافتا إلى «وجود بقايا صغيرة لـ«الأحرار» في ريف إدلب الشمالي وريف محافظة حلب الغربي لكنّهم منكفئون في مقراتهم».
وهنا يعتبر خبراء معنيون بشؤون المجموعات المتطرفة، أن الخيار الوحيد أمام «هيئة تحرير الشام» أو «جبهة النصرة» لإنقاذ إدلب من مصير حلب، الذي سيكون على الأرجح أصعب ألف مرة من مصير الموصل، هو حل نفسها وترحيل القيادات الأجنبية (المهاجرون).
ويرى الخبراء أن «النصرة» لا تزال تراهن على «وهم الاعتراف بها سلطة أمر واقع، وهذا مجرد وهم، باعتبار أن مصيرها محسوم هو مصير (داعش)». وينقل معهد «كارنيغي» عن سام هيلر، من مؤسسة «سنشوري فاونديشن» Century Foundation أن ما يجعل النظام السوري عاجزاً، سواء بمفرده أو حتى بالتعاون مع المجموعات التي تدعمه، على السيطرة على إدلب «هو مجموعة عناصر، أبرزها الجغرافيا الجبلية الصعبة التي تعقّد الأمور العسكرية عليه، إضافة إلى خطوط الإمداد المفتوحة للمقاتلين عبر الحدود التركية». ويضيف أن «قوات النظام تتعاطى مع إدلب كمشكلة دولية، وتحاول تصويرها كذلك للقوى الدولية، وهي تنتظر حالياً تفاهماً بين الدول الكبرى لدعمها أو خوض الحرب عنها لاستئصال المجموعات القتالية المتشددة من المحافظة».

موقف النظام من إدلب
تقع محافظة إدلب في شمال غربي سوريا، وهي محاذية للحدود مع تركيا، وتقع بين محافظة اللاذقية الساحلية ومحافظتي حلب وحماة. وفي العام 2015 سيطر تحالف «جيش الفتح»، الذي كان يضم «جبهة النصرة» سابقاً و«حركة أحرار الشام» على كامل محافظة إدلب باستثناء بلدتين شيعيتين (الفوعة وكفريا). وتشكل محافظة إدلب اليوم إحدى المناطق الأربع التي يتضمنها «اتفاق خفض التصعيد» الموقع في العاصمة الكازاخية آستانة في بداية مايو (أيار) برعاية روسية - تركية - إيرانية.
وكان علي حيدر، وزير «المصالحة» في النظام السوري، قد تحدث في وقت سابق عن إمكانية أن تكون إدلب «ساحة لمعركة مفتوحة في المستقبل». وقال حيدر في مقابلة مع وكالة «رويترز» قبل أشهر مع بدء حملات ترحيل المقاتلين إلى المحافظة الشمالية ضمن إطار «اتفاقات مصالحة»، إن «الدولة لن تسمح ببقاء إدلب في يد مقاتلي المعارضة إلى الأبد، فقد كانت الدولة واضحة في سياستها عندما قالت إنها لن تتخلى عن أي بقعة من بقاع سوريا، وأظن أن إدلب هي من الساحات الحارة القادمة التي تضطلع الدولة السورية بمسؤوليتها في مواجهة الإرهابيين في تلك المساحة».
واعتبر حيدر أنه «إذا لم يكن هناك من توافق دولي على حل الأزمة السورية يُخرِج المسلحين الأجانب ويقطع الطريق على الإمداد والتمويل والتسليح، وإن بقي هذا الظرف الموضوعي قائماً وبقيت إدلب ساحة لهؤلاء، فالخيار الآخر هو الذهاب إلى معركة مفتوحة معهم في تلك المناطق».
وكان النظام كثّف العام الماضي ما أسماها «اتفاقات مصالحة» كانت تفضي في معظم الأوقات إلى تهجير معارضيه وترحيلهم إلى إدلب. وتم ذلك في محافظات حلب وريف دمشق وحمص وحماة واللاذقية وغيرها. ويرجِّح معنيون بهذا الملف أن يكون مليونا نسمة يعيشون حالياً في محافظة إدلب التي كان عدد سكانها قبل اندلاع الانتفاضة السورية في العام 2011 نحو مليون ونصف المليون.

البعد الدولي للتجميع
من ناحية ثانية، يعتبر الباحث المتخصص بشؤون الجماعات المتشددة عبد الرحمن الحاج، أن عملية «التجميع المستمرة في إدلب لا تلحظ في الواقع (النصرة) والمتطرفين فقط، بل كل المناهضين لنظام الأسد لحصرهم في مكان واحد محدد يمكن عزله أو السيطرة عليه بالتدريج، بحيث تفضي الهُدَن إلى تسليم المناطق للنظام وإخلائها من المظاهر المسلحة لتصبح فعلياً مثبتة لسلطة النظام».
ويرى الحاج في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «بعد سيطرة (جبهة النصرة) على إدلب صار الأمر أكثر تعقيدا وصار سيناريو عملية عسكرية كبيرة بدعم من التحالف الدولي وتركيا أمراً مرجحاً»، مشددا في الوقت عينه على أن «المعركة لن تكون سهلة، ولن يكون بالإمكان اقتلاع (النصرة) بسهولة؛ كونها استطاعت تكوين قاعدة اجتماعية لها». ويتابع: «كذلك لن يكون بالإمكان استخدام قوات كردية أو من غيرها في المنطقة لإن ذلك سيدفع الفصائل إلى التحالف مع النصرة بدافع عرقي، وبخاصة أن معظم مقاتلي (النصرة) هم من السكان المحليين، وهذا ما يميّزها عن (داعش) لجهة العلاقة بالمجتمع السوري. ولهذا؛ فإن المعارك معها ستكون صعبة وشرسة في إدلب».
في هذه الأثناء، وجه محمد علوش، رئيس وفد الفصائل المعارضة إلى محادثات السلام في جنيف والقيادي البارز في فصيل «جيش الإسلام»، أخيراً، نداء إلى أهالي محافظة إدلب دعاهم فيه إلى «الاعتبار مما جرى في الموصل»، قائلا: «فصائلكم تبخّرت والقرار بيدكم إن قبلتم بسيطرة هؤلاء (في إشارة إلى «النصرة» سابقاً) سيخذلونكم عند القتال وسيكونون أول الهاربين». وكان أحد المسؤولين في المعارضة السورية قد كشف عن أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري «اعترف» له قبل مغادرة منصبه أن الولايات المتحدة «أخطأت وغرَّرت بالشعب السوري»، مؤكدا أن «مصير مدينة إدلب هو الإبادة». كذلك أشار إلى أن «كيري أكد وجود اتفاق عالمي على تجميع المتطرفين، حسب قوله، في إدلب، وأنهم لن يرحلوا إلا بالقوة».

كلام بريت ماكغورك
وبخصوص الموقف الأميركي، عادت العلاقات الأميركية – التركية لتتفاقم مجدداً على خلفية الملف السوري. ونددت تركيا الثلاثاء الماضي بتصريحات الموفد الأميركي لدى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش بريت ماكغورك الذي لمّح إلى احتمال أن تكون أنقرة «أفسحت مجالاً لتشكل معقل لتنظيم القاعدة» بالقرب من الحدود مع سوريا. وكان ماكغورك قد لمّح في خطاب ألقاه في معهد الشرق الأوسط في واشنطن إلى أن «أنشطة تركيا سمحت بطريقة غير مباشرة لفصائل مرتبطة بالقاعدة، مثل (جبهة فتح الشام) (النصرة سابقا) بالسيطرة على محافظة إدلب» في شمال سوريا. وأردف ماكغورك «تشكل إدلب مشكلة كبيرة اليوم. فهي معقل للقاعدة قريب جداً من الحدود مع سوريا. وهي مسألة سنناقشها حتماً مع الأتراك». وبسرعة، استنكر إبراهيم كالن، الناطق باسم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بشدة تصريحات ماكغورك واعتبرها مرفوضة؛ إذ قال إن «تلميحاً من هذا القبيل يربط بين تركيا وهذه المنظمة الإرهابية في إدلب غير مقبول». واستطرد، إن تصريحات المسؤول الأميركي لم تأت «بنية حسنة». ويذكر أنه سبق لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن دعا لتنحي ماكغورك في مايو الماضي، غير أن واشنطن جددت تأييدها لمبعوثها.
في هذه الأثناء، ما زال عدد من القياديين في «الجيش السوري الحر» يعتقدون أن أي حملة دولية على إدلب للقضاء على «جبهة النصرة» لن يكون ممكناً من دون التعاون مع الفصائل الموجودة في المنطقة، وعلى رأسها «حركة أحرار الشام»، وإن كانت المواجهات التي خاضتها في شهر يوليو الماضي تركتها منهكة ومفككة إلى حد كبير. وحالياً تحاول «الحركة» على ما يبدو إعادة تجميع صفوفها وشد عصبها، من خلال الإعلان عن تغيير قائدها العام يوم الثلاثاء الماضي، وتعيين رئيس «مجلس الشورى» حسن صوفان خلفاً لعلي العمر (أبو عمار) المستقيل. وصوفان، المتحدر من محافظة اللاذقية، كان معتقلا في سجون النظام السوري منذ 12 سنة، ولقد خرج خلال العام الماضي بـ«صفقة تبادل للأسرى بين كتائب الثوار وقوات النظام في حلب».
ويرجع خبراء بشؤون التنظيمات المتطرفة تعيين صوفان قائداً عاماً لـ«الحركة» إلى «بحثها عن زعيم يتمتع بالقدرة والكاريزما، وقادر على جمع شتاتها بعدما عانت من أزمة تفكيك مارستها (النصرة) بحقها». ويعتبر هؤلاء أن من أبرز التحديات التي تنتظر صوفان «إيجاد حل للأزمة الوجودية الداخلية التي تعصف بـ(الأحرار)»، ويرجحون أن اختياره قائداً عاماً جاء بعد استشارة حلفائهم وداعميهم، ليكون جزءا من أي عملية عسكرية كبيرة محتملة ضد (النصرة)».
وفي هذا الصدد، يقول مصدر قيادي في «الجيش الحر» تعليقا على تغيير القائد العام لـ«حركة الأحرار» أن «أبو عمار أظهر أنه غير كفء، وقد ترهّلت الحركة على أيامه وخسرت الكثير من مكتسباتها، فكان من الضروري تعيين بديل عنه ينتشل (أحرار الشام) من حالتهم الراهنة، ومع أن صوفان ليس ابن الثورة، فإنه على ما يبدو قد تم التفاهم على اسمه لغياب خيارات أخرى مناسبة».
وتزامن تعيين صوفان قائدا لـ«حركة أحرار الشام» مع تناقل مواقع معارضة معلومات عن نية «جيش الأحرار» الانفصال عن «هيئة تحرير الشام» خلال الساعات القليلة المقبلة، وهو جيش يضم في صفوفه أكثر من ألفي مقاتل، ويعتبر من أبرز الملتحقين بـ«الهيئة» في وقت سابق، بعد الانفصال عن حركة «أحرار الشام». وانضم «جيش الأحرار» إلى صفوف الهيئة، آتياً من «الحركة» في شهر يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، برفقة عدد من قيادات الحركة، أبرزهم هاشم الشيخ، المعروف بـ«أبي جابر» القائد العام لـ«الهيئة» حالياً.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.