«بؤرة» إدلب تترقب مصيرها

بعد التقارير عن حملة عسكرية دولية للقضاء على «النصرة»

«بؤرة» إدلب تترقب مصيرها
TT

«بؤرة» إدلب تترقب مصيرها

«بؤرة» إدلب تترقب مصيرها

يغلب التشاؤم التام على ما تبقى من قياديين في «الجيش السوري الحر» بمحافظة إدلب في أقصى شمال غربي سوريا؛ وذلك بعد تحويل منطقتهم إلى «بؤرة» لتجميع المجموعات المتطرفة، وبخاصة عناصر «هيئة تحرير الشام» وعلى رأسهم مقاتلو «جبهة النصرة»، الذين وصل أخيراً قسم منهم من جرود بلدة عرسال الحدودية اللبنانية. وما يزيد الطين بلة بالنسبة للمقاتلين المعتدلين في المحافظة هو بسط «النصرة» نهاية شهر يوليو (تموز) الماضي سيطرتها على معظم أرجائها بعد اقتتال عنيف نجحت خلاله في تقليص حجم «حركة أحرار الشام» التي كانت تتقاسم وإياها الحضور والنفوذ في إدلب، ريفاً ومدينة.
مع إمساك «هيئة تحرير الشام» بكل المعابر الحدودية الشمالية الغربية السورية مع تركيا، سواءً عسكرياً أم عبر «واجهة الإدارة المدنية»، تكون «الهيئة» كمن يستجدي تدخلاً دولياً بات على نار حامية، كما تؤكد مصادر متعددة، آخرها صحيفة «قرار» المُقرَّبة من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا. فلقد كشفت الصحيفة أن أنقرة بالتشاور مع التحالف الدولي وضعت خطة من أجل تنفيذ عملية عسكرية مشتركة في إدلب، وذلك بعد سيطرة «هيئة تحرير الشام» على المنطقة.
الصحيفة ذكرت أيضاً في أحد تقاريرها أن «سيطرة هيئة تحرير الشام، المرتبطة بتنظيم القاعدة، على معبر باب الهوى الحدودي من الجانب السوري أدى لزيادة خطرها». وأضافت: «مع وصول معلومات تفيد بالتحاق عناصر تنظيم داعش الهاربين بصفوف (هيئة تحرير الشام)، يجري العمل على إنشاء حلف روسي - أميركي - تركي - فرنسي من أجل شنّ عملية ضد التنظيم الإرهابي، مع العلم أن (هيئة تحرير الشام) كانت قد أعلنت فكّها ارتباطها بتنظيم القاعدة قبل ما يقارب السنة، إلا أنها بحسب المعلومات المتوافرة ما زالت على علاقة وثيقة به».
هذا، وتحاول «هيئة تحرير الشام» بعد فرض سيطرتها على نحو 70 في المائة من محافظة إدلب، على خلفية المواجهات الدامية التي خاضتها بوجه «أحرار الشام» الشهر الماضي، الاستعانة بما تسميه «إدارات مدنية» للتخفيف من وطأة الحملة التي استهدفتها. وهو «سيناريو» اعتمدته بوجه خاص في معبر باب الهوى الذي كان تحت سيطرة «أحرار الشام» فحوّلته إلى «إدارة مدنية» يؤكد قياديون في «الجيش السوري الحر» أن موظفيها يخضعون مباشرة للهيئة ويسلمون مداخيله لـ«أبو محمد الجولاني» زعيم «النصرة».
ودعت «الهيئة» نهاية الشهر الماضي جميع الفصائل العاملة في الشمال السوري، إضافة إلى العلماء والنخب الثورية والكوادر المدنية، إلى اجتماع عاجل للوقوف على تحديات المرحلة «والخروج بمشروع يحفظ الثورة». ويؤكد مقرّبون من «الهيئة» أن تسليمها معبر باب الهوى الحدودي والمجلس المحلي في إدلب لجهات إدارية مدنية «رسالة إيجابية تعكس رغبتها في أن تنزع عن نفسها تهمة السعي لفرض لون واحد على المحافظة»، كما يؤكدون وجود إمكانية أن «تجلس الهيئة على طاولة المفاوضات مع جهات دولية حتى تنزع عنها الشكوك والتهم المثارة ضدها بانتماء بعض مكوّناتها للقاعدة».
من ناحية أخرى، تنظر فصائل المعارضة المعتدلة بريبة إلى التطورات الأخيرة التي شهدتها محافظة إدلب ككل، وهي تلمّح إلى وقوف أنقرة «طرفاً متفرجاً» رغم كل ما سبق تداوله عن استعدادها للتدخل لدعم «أحرار الشام» في المعارك التي خاضوها بوجه «النصرة». وفي هذا السياق، يدّعي أحد القياديين في «الجيش الحر» موجود في إدلب أنه «لو أرادت أنقرة لمنعت تمدّد (الهيئة) بالشكل الذي تمدّدت فيه الشهر الماضي، لكنها تتبع خطة دولية تتقاطع فيها مصالحها مع مصالح دول أخرى تقضي بتحويل إدلب إلى قندهار أو موصل ثانية، أو على الأقل تصويرها كذلك؛ ما يعطي نوعا من الشرعية لتدخل دولي ينهي ما تبقى من ثورة تحت ذريعة القضاء على (النصرة)». ويضيف القائد العسكري - الذي فضل التكتم على هويته - في تصريح لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «كل المؤشرات توحي بعملية عسكرية مقبلة على المحافظة، ولقد رصدنا أخيراً وجوداً كثيفاً لعربات مصفّحة تركية عند معبر أطمة، وكذلك لا تغادر طائرات الاستطلاع أجواء إدلب منذ نحو شهر».

«موصل ثانية»؟!
في هذا السياق، لم يعد التنبيه من تحويل إدلب إلى «موصل ثانية» يقتصر على طرف معين، باعتبارها باتت عبارة تتردد في مجالس متعددة. ولفت أخيراً ما نقلته صفحة «قاعدة حميميم» غير الرسمية على موقع «فيسبوك» نقلا عن المتحدث الروسي باسمها ألكسندر إيفانوف عن «تحويل مدينة إدلب إلى(موصل ثانية) في حال تمكنت (هيئة تحرير الشام) من السيطرة على كامل إدلب». وأضافت الصفحة أن استهداف «الهيئة» في إدلب «سيتسبب في حدوث دمار واسع في المنطقة، وسيكون للقوات الروسية دور مباشر في المعركة، كما كان في مدينة تدمر ومناطق ريف محافظة حمص الشرقي». وتزامنت هذه التصريحات مع تحذيرات أطلقها القائد العام السابق لـ«حركة أحرار الشام»، علي العمر، قبل الإعلان عن توقيع اتفاق تهدئة مع «جبهة النصرة»، اعتبر فيها أن «اعتداء (هيئة تحرير الشام) على (الأحرار) يهدف لإنهاء الثورة السورية، وتحويل مناطق أهل السنة إلى رقّة وموصل جديدتين». وظهر العمر في شريط فيديو بثه المكتب الإعلامي للحركة على أحد محاور الاشتباك مع «هيئة تحرير الشام» في ريف إدلب، متحدثا عن «معلومات تؤكد تجهيز (تحرير الشام) للهجوم على الحركة منذ أكثر من شهر، حيث أقامت معسكرات خاصة لعناصرها من أجل ذلك»، مطالباً الشعب السوري بـ«الدفاع عن الثورة».
من جانبه، يعتبر «أبو علي عبد الوهاب»، القيادي في «جيش الإسلام» أن وجود تركيا شريكاً في أي تحالف دولي جديد سيتولى معركة القضاء على «جبهة النصرة» في محافظة إدلب «سيجعل حجم التداعيات على المدنيين وعلى فصائل المعارضة أقل وطأة»، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «التحذيرات المتتالية التي نسمعها من تحويل إدلب إلى موصل 2، تخيفنا باعتبار أننا تابعنا أن المدنيين هم مَن يدفعون ثمن الضربات العشوائية التي ينفذها طيران التحالف، إن كان في الرقة أو دير الزور أو الموصل».
وإذ يؤكد عبد الوهاب أن تركيا لا تنسّق مع أي من الفصائل بخصوص أي معركة مرتقبة في إدلب، يشير إلى «هدوء يسيطر على المحافظة ككل منذ أكثر من أسبوع بعدما انكفأت حركة (أحرار الشام) في منطقة جغرافية محددة تمتد من جبل الزاوية الشرقي مرورا بجبل شحبشو في ريف محافظة حماة وصولا إلى سهل الغاب»، لافتا إلى «وجود بقايا صغيرة لـ«الأحرار» في ريف إدلب الشمالي وريف محافظة حلب الغربي لكنّهم منكفئون في مقراتهم».
وهنا يعتبر خبراء معنيون بشؤون المجموعات المتطرفة، أن الخيار الوحيد أمام «هيئة تحرير الشام» أو «جبهة النصرة» لإنقاذ إدلب من مصير حلب، الذي سيكون على الأرجح أصعب ألف مرة من مصير الموصل، هو حل نفسها وترحيل القيادات الأجنبية (المهاجرون).
ويرى الخبراء أن «النصرة» لا تزال تراهن على «وهم الاعتراف بها سلطة أمر واقع، وهذا مجرد وهم، باعتبار أن مصيرها محسوم هو مصير (داعش)». وينقل معهد «كارنيغي» عن سام هيلر، من مؤسسة «سنشوري فاونديشن» Century Foundation أن ما يجعل النظام السوري عاجزاً، سواء بمفرده أو حتى بالتعاون مع المجموعات التي تدعمه، على السيطرة على إدلب «هو مجموعة عناصر، أبرزها الجغرافيا الجبلية الصعبة التي تعقّد الأمور العسكرية عليه، إضافة إلى خطوط الإمداد المفتوحة للمقاتلين عبر الحدود التركية». ويضيف أن «قوات النظام تتعاطى مع إدلب كمشكلة دولية، وتحاول تصويرها كذلك للقوى الدولية، وهي تنتظر حالياً تفاهماً بين الدول الكبرى لدعمها أو خوض الحرب عنها لاستئصال المجموعات القتالية المتشددة من المحافظة».

موقف النظام من إدلب
تقع محافظة إدلب في شمال غربي سوريا، وهي محاذية للحدود مع تركيا، وتقع بين محافظة اللاذقية الساحلية ومحافظتي حلب وحماة. وفي العام 2015 سيطر تحالف «جيش الفتح»، الذي كان يضم «جبهة النصرة» سابقاً و«حركة أحرار الشام» على كامل محافظة إدلب باستثناء بلدتين شيعيتين (الفوعة وكفريا). وتشكل محافظة إدلب اليوم إحدى المناطق الأربع التي يتضمنها «اتفاق خفض التصعيد» الموقع في العاصمة الكازاخية آستانة في بداية مايو (أيار) برعاية روسية - تركية - إيرانية.
وكان علي حيدر، وزير «المصالحة» في النظام السوري، قد تحدث في وقت سابق عن إمكانية أن تكون إدلب «ساحة لمعركة مفتوحة في المستقبل». وقال حيدر في مقابلة مع وكالة «رويترز» قبل أشهر مع بدء حملات ترحيل المقاتلين إلى المحافظة الشمالية ضمن إطار «اتفاقات مصالحة»، إن «الدولة لن تسمح ببقاء إدلب في يد مقاتلي المعارضة إلى الأبد، فقد كانت الدولة واضحة في سياستها عندما قالت إنها لن تتخلى عن أي بقعة من بقاع سوريا، وأظن أن إدلب هي من الساحات الحارة القادمة التي تضطلع الدولة السورية بمسؤوليتها في مواجهة الإرهابيين في تلك المساحة».
واعتبر حيدر أنه «إذا لم يكن هناك من توافق دولي على حل الأزمة السورية يُخرِج المسلحين الأجانب ويقطع الطريق على الإمداد والتمويل والتسليح، وإن بقي هذا الظرف الموضوعي قائماً وبقيت إدلب ساحة لهؤلاء، فالخيار الآخر هو الذهاب إلى معركة مفتوحة معهم في تلك المناطق».
وكان النظام كثّف العام الماضي ما أسماها «اتفاقات مصالحة» كانت تفضي في معظم الأوقات إلى تهجير معارضيه وترحيلهم إلى إدلب. وتم ذلك في محافظات حلب وريف دمشق وحمص وحماة واللاذقية وغيرها. ويرجِّح معنيون بهذا الملف أن يكون مليونا نسمة يعيشون حالياً في محافظة إدلب التي كان عدد سكانها قبل اندلاع الانتفاضة السورية في العام 2011 نحو مليون ونصف المليون.

البعد الدولي للتجميع
من ناحية ثانية، يعتبر الباحث المتخصص بشؤون الجماعات المتشددة عبد الرحمن الحاج، أن عملية «التجميع المستمرة في إدلب لا تلحظ في الواقع (النصرة) والمتطرفين فقط، بل كل المناهضين لنظام الأسد لحصرهم في مكان واحد محدد يمكن عزله أو السيطرة عليه بالتدريج، بحيث تفضي الهُدَن إلى تسليم المناطق للنظام وإخلائها من المظاهر المسلحة لتصبح فعلياً مثبتة لسلطة النظام».
ويرى الحاج في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «بعد سيطرة (جبهة النصرة) على إدلب صار الأمر أكثر تعقيدا وصار سيناريو عملية عسكرية كبيرة بدعم من التحالف الدولي وتركيا أمراً مرجحاً»، مشددا في الوقت عينه على أن «المعركة لن تكون سهلة، ولن يكون بالإمكان اقتلاع (النصرة) بسهولة؛ كونها استطاعت تكوين قاعدة اجتماعية لها». ويتابع: «كذلك لن يكون بالإمكان استخدام قوات كردية أو من غيرها في المنطقة لإن ذلك سيدفع الفصائل إلى التحالف مع النصرة بدافع عرقي، وبخاصة أن معظم مقاتلي (النصرة) هم من السكان المحليين، وهذا ما يميّزها عن (داعش) لجهة العلاقة بالمجتمع السوري. ولهذا؛ فإن المعارك معها ستكون صعبة وشرسة في إدلب».
في هذه الأثناء، وجه محمد علوش، رئيس وفد الفصائل المعارضة إلى محادثات السلام في جنيف والقيادي البارز في فصيل «جيش الإسلام»، أخيراً، نداء إلى أهالي محافظة إدلب دعاهم فيه إلى «الاعتبار مما جرى في الموصل»، قائلا: «فصائلكم تبخّرت والقرار بيدكم إن قبلتم بسيطرة هؤلاء (في إشارة إلى «النصرة» سابقاً) سيخذلونكم عند القتال وسيكونون أول الهاربين». وكان أحد المسؤولين في المعارضة السورية قد كشف عن أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري «اعترف» له قبل مغادرة منصبه أن الولايات المتحدة «أخطأت وغرَّرت بالشعب السوري»، مؤكدا أن «مصير مدينة إدلب هو الإبادة». كذلك أشار إلى أن «كيري أكد وجود اتفاق عالمي على تجميع المتطرفين، حسب قوله، في إدلب، وأنهم لن يرحلوا إلا بالقوة».

كلام بريت ماكغورك
وبخصوص الموقف الأميركي، عادت العلاقات الأميركية – التركية لتتفاقم مجدداً على خلفية الملف السوري. ونددت تركيا الثلاثاء الماضي بتصريحات الموفد الأميركي لدى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش بريت ماكغورك الذي لمّح إلى احتمال أن تكون أنقرة «أفسحت مجالاً لتشكل معقل لتنظيم القاعدة» بالقرب من الحدود مع سوريا. وكان ماكغورك قد لمّح في خطاب ألقاه في معهد الشرق الأوسط في واشنطن إلى أن «أنشطة تركيا سمحت بطريقة غير مباشرة لفصائل مرتبطة بالقاعدة، مثل (جبهة فتح الشام) (النصرة سابقا) بالسيطرة على محافظة إدلب» في شمال سوريا. وأردف ماكغورك «تشكل إدلب مشكلة كبيرة اليوم. فهي معقل للقاعدة قريب جداً من الحدود مع سوريا. وهي مسألة سنناقشها حتماً مع الأتراك». وبسرعة، استنكر إبراهيم كالن، الناطق باسم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بشدة تصريحات ماكغورك واعتبرها مرفوضة؛ إذ قال إن «تلميحاً من هذا القبيل يربط بين تركيا وهذه المنظمة الإرهابية في إدلب غير مقبول». واستطرد، إن تصريحات المسؤول الأميركي لم تأت «بنية حسنة». ويذكر أنه سبق لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن دعا لتنحي ماكغورك في مايو الماضي، غير أن واشنطن جددت تأييدها لمبعوثها.
في هذه الأثناء، ما زال عدد من القياديين في «الجيش السوري الحر» يعتقدون أن أي حملة دولية على إدلب للقضاء على «جبهة النصرة» لن يكون ممكناً من دون التعاون مع الفصائل الموجودة في المنطقة، وعلى رأسها «حركة أحرار الشام»، وإن كانت المواجهات التي خاضتها في شهر يوليو الماضي تركتها منهكة ومفككة إلى حد كبير. وحالياً تحاول «الحركة» على ما يبدو إعادة تجميع صفوفها وشد عصبها، من خلال الإعلان عن تغيير قائدها العام يوم الثلاثاء الماضي، وتعيين رئيس «مجلس الشورى» حسن صوفان خلفاً لعلي العمر (أبو عمار) المستقيل. وصوفان، المتحدر من محافظة اللاذقية، كان معتقلا في سجون النظام السوري منذ 12 سنة، ولقد خرج خلال العام الماضي بـ«صفقة تبادل للأسرى بين كتائب الثوار وقوات النظام في حلب».
ويرجع خبراء بشؤون التنظيمات المتطرفة تعيين صوفان قائداً عاماً لـ«الحركة» إلى «بحثها عن زعيم يتمتع بالقدرة والكاريزما، وقادر على جمع شتاتها بعدما عانت من أزمة تفكيك مارستها (النصرة) بحقها». ويعتبر هؤلاء أن من أبرز التحديات التي تنتظر صوفان «إيجاد حل للأزمة الوجودية الداخلية التي تعصف بـ(الأحرار)»، ويرجحون أن اختياره قائداً عاماً جاء بعد استشارة حلفائهم وداعميهم، ليكون جزءا من أي عملية عسكرية كبيرة محتملة ضد (النصرة)».
وفي هذا الصدد، يقول مصدر قيادي في «الجيش الحر» تعليقا على تغيير القائد العام لـ«حركة الأحرار» أن «أبو عمار أظهر أنه غير كفء، وقد ترهّلت الحركة على أيامه وخسرت الكثير من مكتسباتها، فكان من الضروري تعيين بديل عنه ينتشل (أحرار الشام) من حالتهم الراهنة، ومع أن صوفان ليس ابن الثورة، فإنه على ما يبدو قد تم التفاهم على اسمه لغياب خيارات أخرى مناسبة».
وتزامن تعيين صوفان قائدا لـ«حركة أحرار الشام» مع تناقل مواقع معارضة معلومات عن نية «جيش الأحرار» الانفصال عن «هيئة تحرير الشام» خلال الساعات القليلة المقبلة، وهو جيش يضم في صفوفه أكثر من ألفي مقاتل، ويعتبر من أبرز الملتحقين بـ«الهيئة» في وقت سابق، بعد الانفصال عن حركة «أحرار الشام». وانضم «جيش الأحرار» إلى صفوف الهيئة، آتياً من «الحركة» في شهر يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، برفقة عدد من قيادات الحركة، أبرزهم هاشم الشيخ، المعروف بـ«أبي جابر» القائد العام لـ«الهيئة» حالياً.



منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».