مصر تودّع علي السمان إلى مثواه الأخير غداً

جثمان «فارس حوار الأديان» يصل اليوم من باريس

المفكر المصري الراحل الدكتور علي السمان
المفكر المصري الراحل الدكتور علي السمان
TT

مصر تودّع علي السمان إلى مثواه الأخير غداً

المفكر المصري الراحل الدكتور علي السمان
المفكر المصري الراحل الدكتور علي السمان

يصل إلى القاهرة اليوم (السبت)، جثمان المفكر المصري الدكتور علي السمان، رئيس الاتحاد الدولي لحوار الثقافات والأديان، الذي وافته المنية في العاصمة الفرنسية باريس، عن عمر ناهز 88 سنة، بعد مشوار طويل اشتهر خلاله بدعمه الحوار بين الأديان السماوية ونشر ثقافة السلام.
ومن المقرر أن تشيع جنازته غدا (الأحد)، في مسجد السيدة نفسية (جنوب القاهرة)، عقب صلاة الظهر، في حين يقام العزاء بمسجد المشير طنطاوي بالتجمع الخامس في القاهرة الجديدة بعد غد (الاثنين).
ولد السمان الذي عرف بـ«فارس حوار الثقافات والأديان»، في عام 1929، وحصل على إجازة في الحقوق في جامعة الإسكندرية عام 1953، ثم دبلوم في الدراسات العليا في القانون الدولي والعلوم السياسية في جامعة غرونوبل في فرنسا عام 1956، وحصل بعدها على الدكتوراه في القانون والعلوم السياسية من جامعة باريس عام 1966.
تنقل السمان في الكثير من المناصب، منها نائب رئيس اللجنة الدائمة للأزهر للحوار بين الأديان السماوية، ومستشار شيخ الأزهر السابق الدكتور محمد سيد طنطاوي لحوار الأديان، ورئيس لجنة الحوار والعلاقات الإسلامية بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف المصرية، كما ترأس وكالة أنباء «الشرق الأوسط» الرسمية في مصر، في فترة مبكرة من حياته، وكان آخر منصب له، رئيس الاتحاد الدولي لحوار الثقافات والأديان وتعليم السلام (أديك)... ويعد أبزر من ساهم في تأسيس «بيت العائلة المصرية».
من أبرز المواقع التي عمل بها في الخارج، لجنة المائة بالمنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس)، وكان عضواً عاملاً بها، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، وعضو المجلس المصري الأوروبي، ورئيس مصر في منتدى شؤون الفرانكفونية بفرنسا، وعضو مجلس الأمناء والمستشار الإعلامي للاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية في القاهرة.
أجاد السمان الإنجليزية والفرنسية إلى جانب لغته العربية، وكتب مقالات للكثير من الصحف العربية والأجنبية وكان له مقال في مجلة «المجلة».. كما صدرت له أبحاث في مجالات مختلفة، ومن مؤلفاته كتاب «أوراق عمري.. من الملك إلى عبد الناصر والسادات».
حصل السمان على وسام شرف «ضابط النظام الوطني الفرنسي» عام 2012، والميدالية التقديرية من رئيس أساقفة كانتربري لجهوده المثمرة في خدمة الحوار بين الأديان عام 2004، كما حصل على شهادة تقدير من مؤسسة «الناس الدولية» عن إسهاماته القيّمة في دفع ودعم الصداقات الدولية، وما ينتج من ذلك من سلام عالمي عام 2003، واختير لعضوية الهيئة الدولية لقيادات الإنجاز في إنجلترا عام 1991.
كما يُعرف بكونه مؤرخا وشاهدا على تاريخ مصر الحديث.. وكان السمان مسؤولا عن الإعلام الخارجي في الرئاسة المصرية في حرب أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1972 إلى 1974 في فترة حكم الرئيس الراحل أنور السادات... وكان أول من أعلن للعالم انتصار مصر في هذه الحرب.
ونعى الكاتب الصحافي حلمي النمنم، وزير الثقافة المصري، الراحل، وقال أمس: إن الراحل كان واجهة فكرية كبيرة لمصر، وكان له الكثير من الآراء البناءة في الحياة السياسية والاجتماعية المصرية، مضيفا: «الراحل ترك لنا إرثا عظيماً من كتاباته التي تثري المكتبة العربية».
كما نعى المجلس الأعلى للثقافة في مصر الراحل، وقال الدكتور حاتم ربيع، أمين عام المجلس: إن «مصر خسرت قيمة وقامة كبيرة برحيل المفكر الكبير علي السمان، الذي أسهم في الكثير من القضايا، سواء الفكرية أو السياسية، كما له تاريخ كبير من الإنجازات في خدمة الوطن». في حين نعت السفيرة سيريناد جميل، قنصل عام مصر بباريس، الدكتور السمان، ووصفته بأنه رمز من رموز مصر الدولية التي عملت من أجل السلام وإعلاء قيم التسامح والحوار.
في السياق نفسه، نعى مفتي مصر الدكتور شوقي علام الراحل، وقال في بيان له أمس: إن «مصر خسرت قيمة كبيرة برحيل المفكر الكبير الدكتور السمان، الذي أسهم في الكثير من القضايا، وبخاصة في مجال الحوار مع الآخر وحوار الأديان والثقافات والحضارات، ونشر المفاهيم الدينية الصحيحة والتعريف بسماحة الإسلام ولقاءاته التي أفاد منها طلاب العلم».
وقال الدكتور محمود مهني، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: إن «الراحل له إسهامات كثيرة في الأبحاث والمؤلفات»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» كان له دور كبير في «بيت العائلة المصرية» بإسهاماته وآرائه، فضلا عن دوره الكبير في نشر ثقافة الحوار مع الآخر.
كان السمان من كتاب مجلة «المجلة» البارزين. وجدير بالذكر أن آخر مقال كتبه الفقيد لمجلة «المجلة» كان بعنوان: «تيران وصنافير حق تاريخي مشروع للسعودية».

تيران وصنافير حق تاريخي مشروع للسعودية



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».