واشنطن تمهد لـ«حرب دولية» في إدلب «أكبر معقل للقاعدة في العالم»

ثلاثة مواقف توضح المقاربة الأميركية للأزمة السورية

TT

واشنطن تمهد لـ«حرب دولية» في إدلب «أكبر معقل للقاعدة في العالم»

أظهرت مواقف ثلاثة من كبار المسؤولين الأميركيين مقاربة واشنطن للوضع السوري القائم على أساس تجميد الصراع بين القوات الحكومية والمعارضة مقابل التركيز على قتال «داعش» و«جبهة النصرة» وتوحيد القوى العسكرية كافة لهزيمة هذين التنظيمين، خصوصاً أن المبعوث الرئاسي الأميركي في التحالف الدولي ضد «داعش» برت ماغورك قال إن بلاده «ملتزمة» قتل جميع المقاتلين الأجانب، بينهم 40 ألفا انضموا إلى «داعش» و«النصرة» في سوريا والعراق، وعدم السماح لهم بالخروج من هذين البلدين.
وكان لافتاً أن ماغورك قال: إن إدلب، وهي المحافظة الخارجة عن سيطرة القوات الحكومية، باتت «أكبر معقل لتنظيم القاعدة في العالم»؛ ما يفتح الباب أمام احتمالات عدة لـ«معالجة هذه المشكلة الدولية» التي لا تثير اهتمام أميركا وروسيا وحسب، بل الصين بسبب وجود آلاف من «إيغور» ضمن «الجيش الإسلامي التركستاني» في ريف إدلب، إضافة إلى تركيا بوابة إدلب إلى العالم.

حل سياسي وخروج إيران
أولاً، الصورة السورية أميركياً، حدد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في بيان مكتوب تسلمت «الشرق الأوسط» نسخة منها، مبادئ موقف واشنطن من الأزمة السورية، قائلا: إنها الساحة الوحيدة التي وفرت فرصة للتعاون الأميركي - الروسي. وقال: «استكشفنا (مع موسكو) في الأيام الأولى مجالاً من مجالات الاهتمام المشترك، ألا وهو الإرهاب، واخترنا سوريا مكانا نختبر فيه قدرتنا على العمل معاً. نتشارك في اعتبارنا (داعش) تهديداً لكلا البلدين؛ لذا نحن ملتزمون هزيمة تنظيم داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى، ثم استقرار سوريا في أعقاب هزيمة (داعش)». وتابع: «نعمل مع روسيا لنرى كيف نستطيع تحقيق الغاية النهائية، ألا وهي سوريا موحدة وغير مقسمة، لكن سوريا تقدم الفرصة للشعب السوري لوضع دستور جديد وإجراء انتخابات حرة ونزيهة واختيار قيادة جديدة. ولا تزال وجهة نظرنا هي أنه ليس لنظام (الرئيس بشار) الأسد دور في الحكم المستقبلي لسوريا. نحن منفتحون لتسلسل مختلف للأمور ما دام هذا ما سيتحقق في نهاية المطاف».
وأضاف نقطة ثانية، وهي «نفوذ إيران العسكري والوجود المباشر للقوات العسكرية الإيرانية داخل سوريا». وقال: «يجب أن يغادروا ويعودوا إلى ديارهم، سواء كانوا من قوات الحرس الثوري الإيراني أم من الميليشيات مدفوعة الأجر أم مقاتلين أجانب جلبتهم إيران إلى سوريا للمشاركة في هذه المعركة». هاتان، أي هزيمة «الإرهاب» وتقليص نفوذ إيران: «هما الحالتان اللتان نريدهما في نهاية المطاف، ويشاركنا في رأينا بشأنهما العديد من شركائنا في التحالف من مختلف أنحاء العالم... ونعمل مع حلفائنا في المنطقة للرد على جهود إيران التوسعية لزعزعة استقرار المناطق، ولا سيما في اليمن والعراق وسوريا، لكننا نراها أيضاً في أفغانستان».
ووضع تيلرسون ضمن ذلك الاتفاق الأميركي - الروسي - الأردني لـ«خفض التصعيد» جنوب غربي سوريا الذي هو «صامد حتى الآن، والإنجاز من هذا الموضوع هو عدم قتل المدنيين وكان هذا هدفنا، أي وقف الهجمات بالقنابل والهجمات المدفعية الضخمة التي أدت إلى مقتل الكثير من المدنيين».
ثانياً: «داعش» و«النصرة»: قدم ماغورك في جلسة مرئية في «معهد الشرق الأوسط» في واشنطن رؤية تفصيلية عن جهود التحالف الدولي لقتال «داعش» في العراق وسوريا ومدى التأثير الإيجابي لدى تفويض الرئيس دونالد ترمب إلى القادة العسكريين المحليين صلاحية اتخاذ قرارات من دون الرجوع إلى القيادة؛ ما أدى إلى استعجال السيطرة على مدينة الطبقة في ريف الرقة قبل القوات الحكومية و«حزب الله» المدعومين من روسيا وإسقاط قاذفة أميركية طائرة سورية في ريف الرقة قبل أسابيع. وقال: إن سوريا والعراق تضمان 40 ألف مقاتل أجنبي و«سيكونون هناك ونحن ملتزمون تحقيق ذلك». وأشار إلى الدور الذي تلعبه «قوات سوريا الديمقراطية» التي تضم 25 ألف مقاتل عربي ومثلهم من المقاتلين الأكراد، في تحرير الرقة، مشيراً إلى عودة الأهالي إلى مناطقهم لدى تحريرها من «داعش».
كان لافتاً، أن ماغورك سجل أن مناطق سيطرة القوات الحكومة السورية «تضم عشرة ملايين شخص 60 في المائة من السنة. هذا لا يعني أنهم يؤيدون النظام، لكن لم يجدوا سبباً لتركه»؛ الأمر الذي يفهم منه أن «قوات سوريا الديمقراطية» تقدم بديلاً للعرب السنة، بالنسبة إلى واشنطن التي دعمت تشكل مجلس مدني لحكم الرقة بعد تحريرها.

معركتا «وادي الفرات» وإدلب
بالنسبة لماغورك، هناك معركتان قادمتان: الأولى، في وادي الفرات بعد طرد «داعش» من الرقة على أيدي «قوات سوريا الديمقراطية» ومن دير الزور بأيدي قوات الحكومة بدعم روسي، خصوصاً أن واشنطن قبلت الأمر الواقع بتوغل هذه القوات من تدمر إلى دير الزور والالتفاف وراء قاعدة التنف الأميركية قرب العراق للوصول إلى البوكمال وشمال شرقي سوريا. الثانية، في إدلب؛ إذ قال ماغورك إنها «أكبر معقل لتنظيم القاعدة في العالم بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2011، حيث ركز تنظيم القاعدة على إدلب التي تضم نائب التنظيم أيمن الظواهري» في إشارة إلى «أبو خيري المصري» الذي قتل بغارة أميركية ضمن سلسلة من الغارات ضربت قياديين في «النصرة» وتنظيمات قريبة من «القاعدة».
وانتقد ماغورك دور تركيا في «ترك السلاح» يصل إلى التنظيم في إدلب و«سنناقش ذلك مع حلفائها الأتراك لضبط الحدود». وإذ ذكر هذا بموقف واشنطن السابق بالضغط على أنقرة لإغلاق الحدود في مناطق سيطرة «داعش» شرق سوريا، فإن الخارجية التركية أعربت عن استيائها من موقف ماغورك.
الثالث: التمهيد لمعركة إدلب: وزع المبعوث الأميركي إلى سوريا السفير مايكل راتني أول من أمس بياناً خصصه للموقف من إدلب؛ إذ اعتبر أن الهجوم الذي شنته «هيئة تحرير الشام» ضد «حركة أحرار الشام» في إدلب «يعرض مستقبل شمال سوريا لخطر كبير، وشهد شمال سوريا واحدة من أكبر مآسيه». وقال راتني: «في حالة هيمنة (جبهة النصرة) على إدلب سيكون من الصعب على الولايات المتحدة إقناع الأطراف الدولية باتخاذ الإجراءات العسكرية اللازمة».
وكان تحالف «جيش الفتح» الذي يضم فصائل إسلامية بينها «النصرة» و«أحرار الشام» ويتعاون مع «الجيش الإسلامي التركستاني» (يضم نحو 2500 من إيغور الصين) سيطر على إدلب في ربيع 2015، قبل التدخل العسكري الروسي المباشر الذي أدى إلى تغيير المعادلة لصالح النظام. وبدأت سلسلة من «المصالحات» و«التسويات» التي أسفرت عن نقل مقاتلين معارضين وأسرهم ونازحين إلى إدلب كان آخرهم نحو ثمانية آلاف من جرود عرسال شرق لبنان، لتضم أكبر منطقة للمعارضة، حيث يعيش أكثر من مليوني شخص.
وشكل «جيش الفتح» مجلساً مدنياً لحكم إدلب و«قوة تنفيذية» من الفصائل لفرض السيطرة، إضافة إلى مؤسسات للخدمات وهيئات شرعية وقضائية ومدارسة ومجالس محلية. لكن «النصرة» التي باتت جزءا من «هيئة تحرير الشام» بقيادة هاشم الشيخ القيادي السابق في «أحرار الشام»، شنت الأسبوع الماضي هجوماً على «أحرار الشام» الحليف في «جيش الفتح». وبحسب مسؤول معارض، استخدمت «النصرة» تكتيكات للسيطرة واكتساح «الأحرار» بما في ذلك طردها من معبر باب الهوى مع تركيا. وأعيد فتح المعبر واستؤنف دخول المساعدات والسلع للمحافظة وهو ما خفف معاناة كثيرين.
وقال راتني: «يجب أن يعلم الجميع أن الجولاني وعصابته هم المسؤولون عن العواقب الوخيمة التي ستحل بإدلب» في إشارة إلى زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني الذي يقود «هيئة تحرير الشام». وحض راتني فصائل معارضة التي اضطرت إلى العمل مع «النصرة» بدافع من تحقيق منفعة أو الحفاظ على النفس، إن عليها أن تبتعد عن التنظيم «قبل فوات الأوان».
وقال راتني، إن واشنطن لا تزال ملتزمة توصيل المساعدات عبر قنوات تتفادى سقوطها في أيدي المتشددين، مكررا مخاوف عبرت عنها منظمات غير حكومية وهيئات معنية بتقديم المساعدات بعد مكاسبهم في الآونة الأخيرة. وقال: «خطة (النصرة) الاختباء وراء إدارة مدنية مجرد أساليب مراوغة... وهذه الإدارة مجرد واجهة زائفة».
وكانت أنقرة، التي لم تفعل الكثير لوقف تقدم «النصرة» على حساب «الأحرار»، أبدت رغبتها في دعم عملية جديدة في إدلب مشابهة لـ«درع الفرات» عندما قدمت غطاء جوياً لفصائل من «الجيش الحر» لطرد «داعش» من ريف حلب والسيطرة على ألفي كيلومتر مربع. كما أن إيران حضت النظام على التوغل إلى إدلب عبر السيطرة على جسر الشغور بين إدلب واللاذقية. وأبدت «قوات سوريا الديمقراطية» الرغبة للتقدم من عفرين، حيث يقع مركز للجيش الروسي، بدعم من موسكو لطرد «النصرة» من إدلب التي تشكل رابع منطقة لـ«خفض التصعيد» بعد غوطة دمشق وريف حمص وريف درعا التي ثبتت روسيا اتفاق «خفض التصعيد» في آستانة عبر اتفاقيات دولية - إقليمية. وأمام الاحتمالات الثلاثة، النظام وحلفاؤه أو الأتراك والمعارضة أو الأكراد وحلفاؤهم، عبر مسؤول غربي رفيع المستوى عن احتمال أن تشكل إدلب نقطة تقاطع بين الجيشين الأميركي والروسي باعتبار أن إدلب تتحول يوماً بعد يوم إلى «مشكلة دولية، وعلاجها يجب أن يكون دولياً». وقال راتني: «من الصعب إقناع الأطراف الدولية بعدم اتخاذ الإجراءات العسكرية المطلوبة» ضد إدلب.



مصر تؤكد رفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية

وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
TT

مصر تؤكد رفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية

وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)

أكدت مصر «موقفها الثابت والرافض للمساس بسيادة لبنان ووحدة وسلامه أراضيه، فضلاً عن دعم المؤسسات الوطنية للاضطلاع الكامل بمسؤولياتها في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان». وشددت على «ضرورة منع التصعيد واحتوائه، ورفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية».

جاء ذلك خلال لقاء وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط، كلير لوجندر، على هامش «منتدى صير بنى ياس» في الإمارات، السبت.

وثمن عبد العاطي العلاقات الاستراتيجية بين مصر وفرنسا، معرباً عن التطلع لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري وزيادة الاستثمارات الفرنسية في مصر، فضلاً عن تعزيز التعاون في مختلف المجالات وفى مقدمتها قطاعات الصناعة والنقل والسياحة والثقافة والتعليم. كما رحب بقرب انعقاد الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي بين وزارتي الخارجية المصرية والفرنسية.

وفيما يتعلق بتطورات القضية الفلسطينية، رحب وزير الخارجية المصري بالموقف الفرنسي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، مبرزاً الجهود التي تقوم بها مصر لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وأكد «ضرورة تضافر الجهود الدولية لضمان تنفيذ قرار مجلس الأمن 2803 وسرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية في غزة للاضطلاع بمسؤوليتها ومهامها».

ونوه عبد العاطي بأهمية المضي في خطوات تشكيل لجنة التكنوقراط الفلسطينية لإدارة قطاع غزة. ولفت إلى أهمية ضمان نفاذ المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق إلى قطاع غزة في ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية، مشدداً على أهمية خلق الأفق السياسي للتوصل إلى تسوية عادلة ومستدامة للقضية الفلسطينية من خلال تنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

الشيخ عبد الله بن زايد خلال لقاء وزير الخارجية المصري في الإمارات (الخارجية المصرية)

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، السبت، تم التطرق خلال اللقاء إلى الأوضاع في السودان، حيث أطلع الوزير عبد العاطي المسؤولة الفرنسية على الجهود المصرية في إطار الرباعية بهدف تحقيق وقف إطلاق النار بما يسمح بإطلاق عملية سياسية سودانية شاملة، مؤكداً على ثوابت الموقف المصري بشأن حماية سيادة السودان، ووحدة وسلامة أراضيه، ورفض التقسيم، ودعم مؤسسات الدولة. وشدد على ضرورة توحيد الجهود الإقليمية والدولية لدفع مسار التهدئة والتوصل إلى وقف لإطلاق النار ونفاذ المساعدات الإنسانية. كما حرص وزير الخارجية على إطلاع المسئولة الفرنسية على نتائج زيارته الأخيرة للبنان.

وقال وزير الخارجية المصري خلال زيارته إلى العاصمة اللبنانية بيروت، الشهر الماضي، إن بلاده تنظر إلى لبنان بعدّه ركناً أساسياً في منظومة الأمن والاستقرار الإقليمي، مؤكداً على أن صون سيادته واستقلال قراره الوطني يظلان أولوية ثابتة في السياسة الخارجية المصرية.

في سياق آخر، التقى عبد العاطي، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، مساء السبت. وتناول اللقاء آفاق تعزيز العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين الشقيقين والبناء على ما تشهده من زخم إيجابي في مختلف المجالات، في ضوء ما يجمع القيادتين والشعبين من روابط راسخة وشراكة استراتيجية.

وبحسب «الخارجية المصرية»، السبت، تبادل الجانبان الرؤى حول عدد من القضايا والملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والأوضاع في الضفة الغربية وتنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب للسلام في قطاع غزة، فضلاً عن تطورات الأوضاع في السودان والتنسيق القائم في إطار الرباعية، والأوضاع في اليمن وسوريا وليبيا. واتفق الوزيران على «أهمية مواصلة التنسيق والتشاور لدعم جهود تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وتعزيز العمل العربي المشترك».


«قوة استقرار غزة»... اجتماع مرتقب بالدوحة لسد الفجوات

أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
TT

«قوة استقرار غزة»... اجتماع مرتقب بالدوحة لسد الفجوات

أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)

تستضيف العاصمة القطرية، الدوحة، اجتماعاً عسكرياً، الثلاثاء، لبحث «تشكيل قوة الاستقرار» في قطاع غزة التي تنص عليها خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام، التي دخلت حيز التنفيذ 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولاقت دعماً من مجلس الأمن في نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت.

ذلك الاجتماع المرتقب يأتي وسط ضبابية بشأن مستقبل تلك القوات وتعثر الانتقال للمرحلة الثانية، ويراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» محاولة لسد فجوات، منها مهام تعترض عليها فصائل فلسطينية مرتبطة بالوجود داخل القطاع أو نزع السلاح، بخلاف وجود «فيتو إسرائيلي» على مشاركة دول بينها تركيا، وسط تباين بشأن قدرة الاجتماع على تقديم حلول ناجزة، في ظل عدم اتفاق سياسي على الانتقال للمرحلة الثانية، وترقب نتائج لقاء ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أواخر هذا الشهر.

وتوقع مسؤولون أميركيون نشر هذه القوات مطلع العام المقبل، بعد بحث التفاصيل خلال اجتماع للقيادة المركزية الأميركية، بمشاركة عدد من الدول، في العاصمة القطرية، الدوحة، الثلاثاء، وفق ما أوردت وكالة «رويترز».

وقال مسؤولان أميركيان للوكالة، أخيراً، إنه من المتوقع أن ترسل أكثر من 25 دولة ممثلين عنها للمشاركة في الاجتماع الذي «سيتضمن جلسات لمناقشة هيكل القيادة، وقضايا أخرى متعلقة بقوة الاستقرار في غزة»، لافتين إلى أن «قوة الاستقرار الدولية لن تقاتل حركة (حماس)، وأن دولاً كثيرة أبدت رغبتها في المساهمة فيها».

ونقل موقع «أكسيوس»، الجمعة، أن مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، الذي زار إسرائيل أخيراً، أبلغ نتنياهو ومسؤولين آخرين بأن إدارة ترمب ستتولى قيادة ما تُعرف باسم «قوة الاستقرار الدولية» وستعين جنرالاً قائداً لها.

ويعطي قرار تبناه مجلس الأمن الدولي في 17 نوفمبر الماضي تفويضاً «لمجلس سلام» في غزة والدول التي تتعاون معه، من أجل تأسيس «قوة استقرار دولية» مؤقتة في القطاع.

وسبق أن تحدثت القناة الـ«14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر الماضي، بأن الولايات المتحدة الأميركية حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة لإمكانية تأجيله مجدداً.

صبيَّان يحتميان من المطر وهما جالسان على عربة يجرُّها حمار في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

رئيس «المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية»، العميد سمير راغب، يرى أن اجتماع الدوحة سيركز على «سد الفجوات» مثل عدم تعيين قائد للقوة، رغم أن التسريبات تشير إلى أنه أميركي، فلا مهام محددة بشأن القوة حتى الآن، كما أنه لم يتم تشكيل «مجلس السلام» الذي صدر له التفويض الأممي بتشكيل القوة، بجانب وجود «فيتو إسرائيلي» على مشاركة تركيا، وهذا يعرقل مسار تحديد الدول، بخلاف عدم حسم قضايا سياسية مرتبطة بنزع السلاح.

وأشار إلى أن حديث انتشار القوات بداية العام يكون صحيحاً إذا كنا قد عرفنا الآن مهام وتسليح القوات، وباتت تتجمع هذه الأيام، وبالتالي نحن بصدد ترتيبات ستأخذ ربما شهرين لتحقيق انتشار لو حُسمت الملفات السياسية.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن اجتماع الدوحة بشأن تلك القوات يناقش سد الفجوات «لكنه يشكل إطاراً عاماً للتعايش معها، وليس لحلها»، موضحاً أن الفجوات تتعلق بكيفية الانتشار ومهام القوات، وهل ستنزع سلاح «حماس» وتبدأ الانسحابات. ونبه إلى أن هذا الاجتماع قد يحسم التشكيل والتمويل، و«لا يعني مشاركة 25 دولة فيه أن هناك موافقة على الانخراط في القوة؛ لكن ستتم مناقشة الخطوط الأولية».

منظر عام لمخيَّم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بغزة (أ.ف.ب)

وعلى هامش مشاركته في «منتدى صير بني ياس» بالإمارات، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، السبت: «ضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وأهمية تشكيل قوة الاستقرار الدولية»، وذلك خلال لقاء المدير العام لـ«أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية»، والمنسق الأممي الخاص السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية».

وهذا التأكيد ليس الأول من نوعه من جانب مصر؛ حيث أعلنته أكثر من مرة أخيراً.

وردت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، على الصحافيين أخيراً بشأن تطورات اتفاق غزة، قائلة إن «هناك كثيراً من التخطيط الهادئ الذي يجري خلف الكواليس في الوقت الحالي للمرحلة الثانية من اتفاق السلام... نريد ضمان سلام دائم ومستمر».

وأوضح راغب أن المرحلة الأولى لم تنتهِ بعد، وهناك أمور سياسية لم تُحَل، لافتاً إلى أن «قمة ترمب-نتنياهو» المقررة نهاية هذا الشهر ستكون فاصلة في المرحلة الثانية، وتشكيل القوات، ورفع «الفيتو»، وإنهاء الفجوات.

أما نزال فيرى أن المرحلة الثانية لم تنضج بعد، والهدوء الأميركي في المناقشات محاولة لتفادي الفشل من أي إعلان قد يُحدث ضجة عند أي طرف، في ظل ريبة فلسطينية مما يُعد في الكواليس، متوقعاً أن تزداد مساعي الوسطاء تجاه الانتقال للمرحلة الثانية بأقل تكلفة ومخاطرة، وهذا سيتضح عقب لقاء ترمب بنتنياهو.


حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

يترقَّب الشارع اليمني أن تُكلَّل الجهود التي تقودها السعودية، بشراكة مع الإمارات، بنزع فتيل التوتر وإنهاء التصعيد في حضرموت والمهرة على خلفية التحركات الأحادية الميدانية التي قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي في الأيام الماضية، التي أدت إلى إرباك معسكر الشرعية اليمنية، وسط مخاوف من أن يقود ذلك إلى تبعات اقتصادية وإنسانية وأمنية في ظل تربص الجماعة الحوثية بالمناطق المُحرَّرة.

جاء ذلك غداة حراك سياسي وعسكري مكثَّف في إطار الجهود السعودية - الإماراتية الرامية إلى احتواء التوتر في المحافظات الشرقية، وذلك مع وصول فريق عسكري مشترك إلى عدن، وعقد لقاءات رسمية مع قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، بالتوازي مع لقاءات في حضرموت مع قيادات محلية وقبلية، في مسعى لإعادة تطبيع الأوضاع ومنع انزلاقها إلى مزيد من التصعيد.

وجاءت هذه التحركات في وقت تشهد فيه محافظتا حضرموت والمهرة توتراً متزايداً على خلفية تحركات ميدانية للمجلس الانتقالي الجنوبي، وما أعقبها من مواجهات وأحداث أمنية، دفعت «تحالف دعم الشرعية» إلى تكثيف مساعيه السياسية والعسكرية لفرض التهدئة، والحفاظ على وحدة مؤسسات الدولة في المناطق المُحرَّرة.

الزبيدي استقبل في عدن وفداً عسكرياً سعودياً إماراتياً مشتركاً (سبأ)

في هذا السياق، استقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي، وهو رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في القصر الرئاسي بعدن، قيادة القوات المشتركة لـ«تحالف دعم الشرعية»، يتقدمهم اللواء الركن سلطان العنزي، واللواء الركن عوض الأحبابي، بحضور عضو مجلس القيادة عبد الرحمن المحرمي، ورئيس هيئة التشاور والمصالحة محمد الغيثي، ورئيس اللجنة العسكرية والأمنية المشتركة العليا اللواء هيثم قاسم طاهر.

ووفق مصادر رسمية، ناقش اللقاء سبل توحيد الجهود لمواجهة التحديات التي تهدِّد أمن اليمن والمنطقة، وفي مقدمتها الإرهاب، وتهريب الأسلحة، والتهديدات التي تمس المصالح الدولية وحرية الملاحة، إلى جانب آليات تعزيز التنسيق العسكري والأمني بين القوات اليمنية والتحالف.

وأشاد الزُبيدي بالدور الذي تضطلع به دول التحالف بقيادة السعودية والإمارات، مؤكداً أهمية الشراكة القائمة في دعم القوات اليمنية، بينما أكدت قيادة القوات المشتركة دعمها المستمر للقوات المسلحة اليمنية في مواجهة الميليشيات الحوثية، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز الاستقرار في المرحلتين الحالية والمستقبلية.

بيان رئاسي

بالتوازي مع هذه التحركات، جدَّد مصدر مسؤول في مكتب الرئاسة اليمني الإشادة بجهود السعودية لخفض التصعيد وإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية، وذلك بعد وصول الفريق العسكري السعودي - الإماراتي إلى عدن.

وأوضح المصدر أن الزيارة تأتي ضمن جهود الرياض وأبوظبي لتعزيز وحدة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، ومعالجة تداعيات الإجراءات الأحادية الأخيرة، بما يضمن عودة الأوضاع إلى مسارها الطبيعي، وتمكين السلطات المحلية والحكومة من أداء مهامها وفقاً للدستور والقانون.

وأشار البيان إلى أن المشاورات الجارية تتناول معالجة مسألة القوات المُستقدَمة من خارج المحافظات الشرقية، وسبل مغادرتها، إضافة إلى تمكين مؤسسات الدولة من ممارسة صلاحياتها الحصرية، واحترام المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي خلال حشد في عدن (أ.ف.ب)

وحذَّر المصدر من أن أي تصعيد إضافي من شأنه تبديد المكاسب المُحقَّقة، وصرف الانتباه بعيداً عن المعركة ضد جماعة الحوثي، وتقويض جهود الإصلاحات الاقتصادية، ومفاقمة الأزمة الإنسانية في البلاد، مؤكداً حرص قيادة الدولة على تغليب الحلول السياسية، ودعم الجهود السعودية - الإماراتية، والعمل الوثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين.

آليات مرتقبة للحل

أفادت مصادر مطلعة بأن الفريق العسكري السعودي - الإماراتي يبحث وضع آليات تنفيذية لخروج القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي من محافظتَي حضرموت والمهرة، وإعادتها إلى مواقعها السابقة، إلى جانب ترتيبات لتسليم بعض المواقع لقوات «درع الوطن»، في إطار إجراءات منسقة تهدف إلى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التصعيد.

كما عقد الوفد السعودي، برئاسة اللواء الدكتور محمد القحطاني، لقاءً موسعاً في حضرموت مع قيادة السلطة المحلية برئاسة المحافظ سالم الخنبشي، وقيادات الكتلة البرلمانية ومجلس الشورى، ومرجعيات قبائل حضرموت، ومشايخ وأعيان الوادي والصحراء.

وأكد المحافظ الخنبشي أن زيارة الوفد السعودي تمثل دعامةً لأواصر الأخوة بين البلدين، مشيداً بمواقف المملكة الداعمة لحضرموت في هذه الظروف، بينما شدَّد رئيس الوفد السعودي على أن اللقاءات تأتي في إطار فرض التهدئة، ورفض أي تشكيلات عسكرية خارج نطاق الدولة، والحفاظ على أمن واستقرار المحافظة.

رئيس الوفد السعودي في حضرموت اللواء محمد القحطاني يلتقي قيادات قبلية ومحلية (سبأ)

وأشادت القيادات البرلمانية والقبلية بالموقف السعودي، عادّةً أن هذه التحركات تمثل تطميناً للمواطنين، وتؤكد الحرص على معالجة تداعيات دخول قوات من خارج المحافظة، والحفاظ على النسيج الاجتماعي.

في المقابل، نعت رئاسة هيئة الأركان العامة اليمنية عدداً من منتسبي المنطقة العسكرية الأولى، الذين سقطوا خلال مواجهات وصفتها بأنها اعتداءات نفَّذتها مجاميع تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، مشيرةً إلى سقوط 32 قتيلاً و45 جريحاً، إضافة إلى مفقودين، ومؤكدة التزام القوات المسلحة بواجباتها تحت قيادة الدولة ووفقاً للدستور والقانون.

وفي موقف سياسي لافت دعا أحمد علي عبد الله صالح، وهو النجل الأكبر للرئيس اليمني الأسبق، جميع الأطراف اليمنية، إلى وقف التصعيد وضبط النفس، والعودة إلى الحوار، محذِّراً من أن استمرار التوتر في المحافظات الشرقية لا يخدم استقرار البلاد، ولا جهود توحيد الصف في مواجهة الحوثيين والتنظيمات الإرهابية.