فندق اليمامة يرحل إلى ذاكرة أهالي الرياض وزوارها

افتتحه الملك سعود واستضاف ضيوف السعودية من سياسيين ومشاهير وحفلات الأثرياء

فندق اليمامة في السنوات الأولى من تأسيسه - الفندق قبل هدمه
فندق اليمامة في السنوات الأولى من تأسيسه - الفندق قبل هدمه
TT

فندق اليمامة يرحل إلى ذاكرة أهالي الرياض وزوارها

فندق اليمامة في السنوات الأولى من تأسيسه - الفندق قبل هدمه
فندق اليمامة في السنوات الأولى من تأسيسه - الفندق قبل هدمه

قبل أكثر من ستة عقود وفي عهد ثاني ملوك الدولة السعودية الثالثة، شُيد على مشارف العاصمة السعودية فندق «اليمامة»، الذي يعد من أوائل الفنادق في الرياض، وحقق شهرة محلية وعربية وعالمية، وافتتحه الملك سعود في احتفالية كبيرة وصفته الجريدة الرسمية بالدولة الناشئة «أم القرى»، بـ«الحفل المشهود»، حيث كان الحفل كبيراً من خلال حضور الملك والأمراء والوجهاء ورجال المال والأعمال وأعيان البلاد قاطني العاصمة.
ظل فندق اليمامة في سنواته الأولى أحد معالم الرياض، رغم وقوعه على أطراف المدينة بل وفي صحرائها، ومع توسع المدينة ونموها السريع ووصول العمران إلى موقعه، احتفظ الفندق بأهميته، حيث وقع في أحد أعرق شوارع الرياض وهو طريق يحمل اسم الملك المؤسس ويؤدي من جهة الشمال إلى مطار الرياض القديم، وتقع على جنبات الشارع الوزارات السعودية التي شيدت بمبان حديثة في عهد الملك سعود.
مرت على الفندق تحولات وأحداث وأزمان، وكان شاهداً عليها وعلى التغيير الذي طرأ على العاصمة السعودية، بل يمكن القول: إن الفندق راصد للتحولات في الدولة الحديثة الفندق الذي كان ينبض بالحيوية خلال ستة عقود، توقف نبضه قبل أيام بعد أن خضع لعملية هدم بالكامل، أخفت معالمه إلى الأبد، ولم يتبق منه سوى ذكريات اختزلتها ذاكرة من عاشوا بدايات الإنشاء، أو أولئك الذين كانوا من نزلاء الفندق، أو ممن حضر حفلات الزفاف التي كانت تقام في قاعاته الفخمة التي حملت أسماء شخصيات ألف ليلة وليلة، من خلال قاعتي الفندق: شهرزاد، وشهريار، والمناسبات المختلفة التي كان يقيمها الأثرياء في الفندق، أو تلك النخب والمشاهير والأدباء والشعراء الذين تسامروا أمام نوافيره وشلالات مياهه، وباحاته الخارجية أو السياسيون الذين كانوا من نزلاء الفندق وناقشوا خلال زيارتهم للرياض قضايا سياسية واقتصادية في المشهد السائد آنذاك، كما شهد الفندق عرضاً لأفلام سينمائية.
اشتهر فندق اليمامة بأجنحته الفاخرة وغرفه الواسعة وقاعاته الفخمة وملاعب الرياضات المختلفة وبرك السباحة التي كانت تقام فيها مسابقات محلية وعالمية، وحمامات البخار والساونا، وبهو الفندق الذي كان أشبه بالصالونات الأدبية التي اشتهرت بها المدن العربية، وكان الفندق وجهة لضيوف السعودية الذين يزورون الرياض، وقد استضاف العديد من الزعماء السياسيين والمشاهير من مختلف دول العالم، لعل أبرزهم هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق الذي زار الرياض عام 1973. في عهد الملك فيصل وهو العام الذي شهد حرب أكتوبر (تشرين الأول) وأعلن الملك فيصل حينها استخدام سلاح النفط كورقة رابحة لخدمة القضايا العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين، بعد أن اتخذ في قرار تاريخي قطع النفط السعودي وحظر تصديره للدول التي تساند إسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، كما استضاف الفندق القرّاء المشهورين حيث سجل كل من: الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، والشيخ محمود خليل الحصري، والشيخ محمد الطبلاوي أسماءهم نزلاء في الفندق، ونظموا أثناء إقامتهم فيه حلقات قراءة للذكر الحكيم، بحضور العديد من السكان الذين وفدوا إلى الفندق للسلام على هؤلاء المشاهير الثلاثة والاستماع إلى قراءتهم المميزة للقرآن الكريم في بهو الفندق.
كما كان الفندق نزلاً لضيوف الوزارات والجهات الحكومية ورجال الأعمال والمال والتجار الذين زاروا الرياض في مهمات مختلفة، مع نظرائهم السعوديين، وسجل الفندق فريقاً من العسكريين الأميركيين الذين أشرفوا على نظام الإنذار المبكر لطائرات الأواكس وتدريب السعوديين عليها عملياً في أواخر السبعينات، وساهمت في مراقبة الأجواء السعودية وقدمت مساعدات لشقيقها العراق في حربه مع إيران.
يحمل الفندق اسم «اليمامة» وهي المنطقة التي كانت تطلق على جزء من وسط الجزيرة العربية، وتمتد من الزلفي شمالاً إلى السليل جنوباً، وكانت في وسطها تقع مدينة «حجر اليمامة» (الرياض حالياً)، وتقع فيها سلسلة جبال طويق التي ذكرها الشاعر عمرو بن كلثوم في معلقته: أعرضت اليمامة واشمخرت *** كأسياف بأيد مصلتنا
يشار إلى أن فندق اليمامة أنشأه رجل الأعمال السعودي الراحل محمد بن لادن، وتم خلال عمر الفندق الطويل استثماره من قبل رجال أعمال.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».