«مؤسسة بدر بن عبد المحسن الحضارية» تبرز إبداعاتها في أولى انطلاقتها بالسعودية

من خلال سوق عكاظ بعمل يجسد دهشة الشعر والغناء معاً

TT

«مؤسسة بدر بن عبد المحسن الحضارية» تبرز إبداعاتها في أولى انطلاقتها بالسعودية

سجلت مؤسسة بدر بن عبد المحسن الحضارية التي أقرّتها السعودية أخيراً، أول نجاحاتها كمؤسسة ثقافية غير ربحية، تكمن رؤيتها في نشر الثقافة والفنون والنهوض بالإبداع السعودي داخل المملكة وخارجها والوصول به إلى أعلى المراتب عالمياً، والمساهمة في دعم الهيئات والمؤسسات المعنية به.
جاء هذا النجاح في أول اختبار حقيقي لانطلاقة المؤسسة بالتزامن مع مهرجان سوق عكاظ في دورته الحادية عشرة، وقد كان العمل انطلاقة مهمة للمؤسسة وركيزة أساسية في العمل الإبداعي على مستوى الوطن، حيث تميز سوق عكاظ في دورته الأخيرة بدهشة الورد والكلمة واللون، وذلك عبر إحياء السوق التاريخي الحضاري الذي يعكس تراثنا العربي الأصيل والذي يضم قصصاً تستحق أن تروى ومعلقات شعرية ذاع صيتها في هذا المكان، فكان شاهداً على الكلمة، موثقاً للإبداع.
ومن هذا الإرث الجمالي، نجح الأمير بدر بن عبد المحسن عبْر المؤسسة الحضارية التي تحمل اسمه، بإعداد حفل افتتاح مهرجان سوق عكاظ 11. ضمن عملٍ إبداعي فريد يجسّد دهشة الشعر والغناء معاً، من خلال تطوير حفل افتتاح مهرجان سوق عكاظ في دورته الـ11 لهذا العام، وإعداد عمل فني شعري وغنائي لحفل الافتتاح، تضمن كتابة المشاهد المسرحيّة والعمل الفنّي والإشراف والمتابعة الفنيّة والإدارية، إضافة إلى إعداد برنامج النابغة الشعري التلفزيوني الذي سيبث عبر محطة mbc في دورة قادمة. وكان التطوير برؤية وأفكار جديدة تُمثل الثقافة الوطنية وتنطلق بها إلى آفاق جديدة.
وأكد الأمير بدر بن عبد المحسن في إعداده للحفل الغنائي، على أهمية التراث الحضاري، وما لدى بلاده من جذور متأصلة في الشعر، وكيف لا وهي موطن الشعراء الذين أثروا الذائقة العربية بأمهات القصائد في مكان واحد وخيمة شعرية واحدة في سوق عكاظ، هذا المكان الذي يجسد تاريخاً شعرياً أصيلاً ليس فقط لوطننا الحبيب وإنما للعالم العربي أجمع، ويظهر هذا جلياً في خلفيات مشاهد المسرحية الشعرية لافتتاح مهرجان سوق عكاظ، عبر قراءة باقة من المعلقات والقصائد الشعرية من عصور مختلفة، وقد قُرئت بصوت عبد الله سنكر وكانت بمثابة فواصل شعرية لفصول المسرحية.
ولأن الشعر هو السمة الغالبة في حفل مهرجان سوق عكاظ، فقد تميز المهرجان في دورته الأخيرة بقصيدة كتبها الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن، خصيصاً للمناسبة بعنوان «دهشة الورد»، قام بغنائها على مسرح سوق عكاظ الفنان عبد المجيد عبد الله، وهي من تلحين الفنان ياسر أبو علي، كما كتب الأمير بدر قصيدة وطنية بعنوان «يا دار»، وهي «شيلة» مطورة أداء الفنان حسين اليامي وفرقته الموسيقية بإشراف وتنفيذ الفنان الدكتور عبد الرب إدريس، كما تضمن الحفل قصيدة «عطر الناس»، وهي من كلمات الشاعر محمد جبر الحربي، وقام بغنائها الفنان رامي عبد الله، ولحنها الدكتور عبد الرب إدريس على لون المجرور الطائفي.
ربطت هذه الأعمال الفنية بمشاهد مسرحية أعدها عبد الرحمن الحمدان، وكذلك مقاطع شعرية فصحى، وتابع إعداد العمل وأشرف عليه شخصياً الأمير بدر، سانده كل من محمد جبر الحربي وعبد الرحمن الحمدان وناصر السبيعي.
عن أهمية سوق عكاظ ومكانته التاريخية قال الشاعر محمد جبر الحربي، مدير رواق الإبداع في المؤسسة في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «يمثل سوق عكاظ بعداً تاريخياً وحضارياً مهماً للمملكة العربية السعودية، وللعرب بشكل عام، ليس فقط كقيمة شعرية ولغوية، بل كونه قيمة حضارية كسوق تجاري، وكطريق من أهم الطرق التجارية في تاريخ الجزيرة العربية»، مضيفاً أنّ إحياء سوق عكاظ من منظور ثقافي وإبداعي وتراثي وسياحي، سيحقق نجاحاتٍ متعدّدة على المستوى المحلي والعربي، وربما في المستقبل القريب على المستوى الدولي، لافتاً إلى أنّ تجربته الناجحة ستفتح باباً اقتصاديا مهماً، إن أُحسن التعامل معها، وجرى تكرارها على معالم تاريخية وتراثية كثيرة بطول المملكة وعرضها.
وأكد الحربي بأنّ جهد مؤسسة الأمير بدر بن عبد المحسن الحضارية، كان محصوراً في حفل الافتتاح، ولم تساهم في بقية مناشط سوق عكاظ المتعددة، وأنها تلقت كل الدعم والمؤازرة من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني التي تولّت مسؤولية سوق عكاظ 11، وأوكلت مهمة الحفل الغنائي لمؤسسة البدر الحضارية، مبيناً بأنّ مؤسسة بدر بن عبد المحسن الحضارية مؤسسة خيرية غير ربحية، وأن العمل نُفّذ في وقت قياسي لم يتجاوز ستة أسابيع، كما قال: «إن أي عمل جديد سيجد المؤيدين والمعارضين والمتذوقين المسرورين به والناقدين غير المحبذين له كلياً أو جزئياً، وفي هذا التناقض والجدل ما يفيد التجربة، ويثريها، لتكون أجمل وأقوى في العام المقبل، فنحن نتقبل الإطراء بالشكر، ونستدل به على مكامن نجاحنا، وكذلك نتقبل النقد الهادف ونجد فيه ما يصحّح قصورنا أو أخطاءنا إن وُجدت». وشكر الحربي شركة (mbc)، على تعاونها الكامل، وتهيئتها الكوادر الفنية المميزة لإنجاح العمل.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».