«رباعي النورماندي» يحاول الاتفاق على التسوية الأوكرانية

«وصفة ماكرون» لم تحل الأزمة... وسلاح أميركي لمواجهة «التهديد الروسي»

«رباعي النورماندي» يحاول الاتفاق على التسوية الأوكرانية
TT

«رباعي النورماندي» يحاول الاتفاق على التسوية الأوكرانية

«رباعي النورماندي» يحاول الاتفاق على التسوية الأوكرانية

بعد مضي سنوات على توقيع «اتفاقيات مينسك» لتسوية الأزمة الأوكرانية، ما زال التوتر سيد الموقف في منطقة الدونباس Donbass، الواقعة بجنوب شرقي أوكرانيا التي تضم مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك. ويبدو أن قادة الميليشيات المحلية الموالية لروسيا في الدونباس يشعرون بإحباط غير مسبوق، الأمر الذي دفعهم إلى إعلان تأسيس «دولة جديدة» أطلقوا عليها اسم «مالوروسيا»، أي روسيا الصغرى. وفي خلفية هذا المشهد المعقد يواصل «رباعي النورماندي» جهوده لوضع «اتفاقيات مينسك» على مسار التنفيذ، واندفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أمل تفعيل دور بلاده في النزاعات الإقليمية، وأعلن عن اقتراحات للتسوية في أوكرانيا، وهو ما أطلق عليه «وصفة ماكرون» للحل. وهذا، بينما تعلق موسكو الآمال على تسوية للأزمة الأوكرانية، لتتخلص من بؤرة نزاع متاخمة لحدودها، ولترتاح قليلا من عبء العقوبات الغربية، وتزيل جانباً من التعقيدات في العلاقات الثنائية مع أوروبا والولايات المتحدة.
استعادت أخيراً الجهود الدولية لتسوية الأزمة الأوكرانية بعض الزخم، لا سيما بعد تنصيب إيمانويل ماكرون رئيساً للجمهورية في فرنسا، وبعد اللقاء الأول الذي عُقِد بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترمب على هامش «قمة العشرين» في هامبورغ يوم 7 يوليو (تموز).
وفي حين تلعب واشنطن دورها مستقلة في الأزمة الأوكرانية، فإن كلا من باريس وبرلين تُسهِم في جهود التسوية من خلال «رباعي النورماندي»، وهو الإطار الذي يضم رؤساء كل من روسيا وفرنسا وأوكرانيا ومستشارة ألمانيا، وتم تشكيله عقب لقاء أول جمع الزعماء الأربعة في فرنسا صيف عام 2014، خلال الاحتفالات بالسنوية السبعين لإنزال الحلفاء في شاطئ النورماندي بشمال غربي فرنسا.
ويجري ضمن «رباعي النورماندي» بحث عملية التسوية الأوكرانية بصورة خاصة. ولقد عقد قادة المجموعة لقاءات عدة حول الوضع في أوكرانيا، فضلاً عن اتصالات هاتفية رباعية وثنائية كثيرة خلال العامين الماضيين، إلا أن المحادثات بين موسكو وباريس بصورة خاصة شهدت فتوراً في الأشهر الأخيرة من فترة رئاسة فرنسوا هولاند، بسبب انتقادات فرنسية شديدة اللهجة للقصف الروسي على مدينة حلب السورية حينها. ولكن لاحت في الأفق معالم تحرك فرنسي بنبض جديد مختلف لتسوية الأزمة الأوكرانية بعد الانتخابات الرئاسية في فرنسا، حيث أظهر ماكرون رغبة واستعدادا لمواصلة الحوار مع بوتين حول ملفات الأزمات الإقليمية والدولية، وهو ما تلقاه الكرملين بارتياح. وضمن هذه الأجواء وصل الرئيس الروسي في زيارة إلى فرنسا وأجرى محادثات موسعة مع ماكرون يوم 29 مايو (أيار)، أي بعد ثلاثة أسابيع فقط على فوز الثاني في الانتخابات الرئاسية.
وعقب تلك المحادثات قال ماكرون إنه بحث مع ضيفه الرئيس الروسي «مختلف التفاصيل حول تنفيذ اتفاقيات مينسك الخاصة بتسوية الأزمة الأوكرانية»، وأكد على رغبة فرنسية - روسية مشتركة تبلورت خلال المحادثات، للدعوة للقاء جديد لـ«رباعي النورماندي»، والاستماع إلى تقرير بعثة «منظمة الأمن والتعاون في أوروبا» حول تفاصيل ما يجري في أوكرانيا. وشدد على أن باريس تأمل بالتوصل إلى تهدئة للنزاع في جنوب شرقي أوكرانيا في إطار عملية مينسك الخاصة بالأزمة الأوكرانية.

الموقف الفرنسي
بيد أن هذه الأجواء الإيجابية للعلاقات الفرنسية - الروسية، لم تكن تعني، كما اتضح لاحقاً، أي تغير في الموقف الفرنسي من الأزمة الأوكرانية، لا سيما تحميل روسيا المسؤولية عما يجري. هذا ما أكدته محادثات أجراها الرئيس ماكرون في باريس بنهاية يونيو (حزيران) الماضي مع نظيره الأوكراني بترو بوروشينكو، وخلالها وصف ماكرون روسيا بأنها «دولة معتدية» على أوكرانيا. وفي رده على التصريحات الفرنسية، قال ديمتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الكرملين: «لسنا متفقين مع الزملاء الفرنسيين حول تلك الصيغة التي صدرت فيها تصريحات الرئيس الفرنسي». وأكد أن «الجانب الروسي دون شك يواصل بصبر توضيح حقيقة الوضع في أوكرانيا، وموقفه من الأزمة هناك». إذ يتهم الغرب روسيا بأنها طرف مباشر في النزاع المسلح الدائر جنوب شرقي أوكرانيا بين السلطات الحاكمة في كييف والميليشيات المحلية في لوغانسك ودونيتسك التي تحظى بدعم عسكري وسياسي روسي. ومن جانبها، ترفض روسيا تلك الاتهامات وتكرّر دوماً أنها ليست طرفا في النزاع.
الرئيس الفرنسي عرض على ضيفة الأوكراني رؤية حول آليات تنفيذ «اتفاقيات مينسك». وعقب المحادثات قال الرئيس الأوكراني بوروشينكو: «ما اتفقنا عليه (مع ماكرون) أننا سنضع على الورق مشروع الحلول الممكنة ضمن رباعية النورماندي، وسيطلق عليها «وصفة ماكرون». وأعرب عن قناعته بأنه حينها «سنتمكن من عرض خطة لتحقيق السلام، وأنها احتلال شرق أوكرانيا». وذكر قسطنطين يليسييف، نائب مدير إدارة الرئاسة الأوكرانية، إن تلك الوصفة تقوم على «خطوات صغيرة لكن محددة»، وأوضح أن «تلك الوصفة تنص على عمل مشترك هادف، بغية ضمان التنفيذ التام لاتفاقيات مينسك، عبر خطوات صغيرة محددة». وأكد أن الآلية التي عبر عنها الرئيس الفرنسي «تعكس إدراكاً لحقيقة أن الأولوية تبقى لحل المسائل المتصلة بحزمة الأمن في الاتفاقيات»، مشدداً على أن البداية ستكون من وقف إطلاق النار والسماح بتنقل حرّ للمراقبين في منطقة النزاع.

تجدد الآمال
بعد هذا النشاط من جانب الرئيس الفرنسي الجديد، والاهتمام من جانب الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالوضع في جنوب شرقي أوكرانيا، تجدّدت الآمال بإمكانية التوصل إلى اتفاق حول آلية لتنفيذ اتفاقيات مينسك، وإنهاء الأزمة الأوكرانية. والجدير بالذكر أن «اتفاقيات مينسك» - كما سبقت الإشارة - وثيقة تتضمن رؤية لتسوية الأزمة الأوكرانية توافق عليها قادة «رباعي النورماندي»، أي الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والروسي فلاديمير بوتين والأوكراني بيوتر بوروشينكو والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، خلال مباحثات أجروها في العاصمة البيلاروسية مينسك عام 2015. وتنص «الاتفاقيات» على سحب الجانبين للقوات لمسافة معينة بعيدا عن خطوط التماس، وإجراء انتخابات محلية في منطقتي لوغانسك ودونيتسك، واستعادة السلطات الأوكرانية السيطرة على كامل الحدود مع روسيا، وخروج كل القوات والميليشيات الأجنبية من الأراضي الأوكرانية.
وخلال السنوات الماضية كانت هناك محاولات عدة لإطلاق العمل بموجب تلك الاتفاقيات، غير أن التصعيد العسكري كان وما زال يحول دون ذلك، ويحمل كل طرف المسؤولية عن فشل الاتفاق للطرف الآخر، ويؤكدان في الوقت ذاته تمسكهما بتلك الاتفاقيات كحل وحيد للخروج من الأزمة.

تعقيدات الأزمة
بيد أن مدى التعقيد حول الأزمة الأوكرانية برز بوضوح بعد محادثات أجراها الرئيس الروسي في هامبورغ مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وكذلك بعد المحادثات الثلاثية هناك بمشاركة زعماء روسيا وفرنسا وألمانيا، وكان الرئيس الأوكراني غائباً لأن أوكرانيا ليست عضوا في «مجموعة العشرين».
يومذاك انتهت المحادثات الثلاثية حول إيجاد حل للنزاع في أوكرانيا من دون إحراز تقدم، ما يعكس الأزمة المستمرة منذ سنوات في محادثات السلام. وأعلن ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين أن الرئيس الروسي والمستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي «اتفقوا خلال المحادثات في قمة مجموعة العشرين على ضرورة اتخاذ خطوات للتغلب على تعثر وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه عام 2015». ومن جهته، قال متحدث باسم الحكومة الألمانية: «كان هناك اتفاق بشأن ضرورة تنفيذ وقف إطلاق النار بشكل شامل»، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية.

ولادة «مالوروسيا»
ومع عدم التقليل من أهمية الحراك الفرنسي والنشاط الأميركي على المحور الأوكراني، فإن كل ذلك كله لم يأت بعد بأي نتائج ملموسة على الأرض. وتراوحت الحال في جنوب شرقي أوكرانيا ما بين «استعادة الأمل» و«خيبة الأمل» مجدداً، بينما استمرت انتهاكات وقف إطلاق النار في منطقة النزاع، الأمر الذي دفع قادة الميليشيات المسلحة في مناطق جنوب شرقي أوكرانيا إلى الإعلان عن مبادرة يرون أنها تمثل الحل السلمي الوحيد المتاح للأزمة الأوكرانية. وحسب تلك المبادرة أعلن قادة الميليشيات في الدونباس عن تأسيس «دولة» جدية تكون بديلاً وخلفاً لأوكرانيا، وزعموا أن «الدولة الأوكرانية» بشكلها الحالي انتهت، وعوضاً عن ذلك سيصبح اسمها «مالوروسيا»، أي (روسيا الصغرى). وللعلم، كان ألكسندر زاخارتشينكو، رئيس ما يُسمى «جمهورية دونيتسك المعلنة من جانب واحد»، إضافة إلى ممثلي 19 مقاطعة أوكرانية، أصدروا يوم 18 يوليو نص وثيقة دستورية للدولة الجديدة، جاء فيها: «نحن، ممثلي أقاليم أوكرانيا السابقة، نعلن تأسيس دولة جديدة، تكون وريثة قانونية لأوكرانيا. واتفقنا على أن تحمل الدولة الجديدة اسم مالوروسيا، لأن تسمية أوكرانيا فقدت مصداقيتها». وتم تحديد مدينة دونيتسك عاصمة للدولة الجديدة، بينما تصبح كييف مركزها الثقافي - التاريخي.
وبعد «الإعلان الدستوري» عبر زاخارتشينكو عن قناعته بأن قيام «مالوروسيا» يمثل مخرجاً سلميّاً من الأزمة الأوكرانية الحالية، وأن سلطات كييف «فاقدة للشرعية وعاجزة عن وقف الحرب».
هذه الخطوة، أكدت حالة شديدة من الإحباط في أوساط القوى السياسية جنوب شرقي أوكرانيا إزاء آفاق تطبيق «اتفاقيات مينسك»، ووضع نهاية للحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات في المنطقة، وعبّر زاخارتشينكو بوضوح عن هذه الحالة، حين قال إن «الوضع وصل إلى طريق مسدود»، ووصف الإعلان عن مالوروسيا بـ«خطة لإعادة اندماج البلاد»، و«مخرج من الحرب عبر إعادة تأسيس الدولة». وأضاف أن «هذا مخرج سلمي لكنه يتطلب عدة شروط، أولها أن يحظى بدعم الأوكرانيين أنفسهم»، وأكد أن مشاورات جرت بهذا الشأن مع النخب السياسية ورجال الأعمال في الأقاليم، قبل اتخاذ قرار إعلان الدولة الجديدة، وعبر عن أمله بالحصول على تأييد المجتمع الدولي.
ولكن كان لافتاً التوافق بين موسكو وكييف على رفض مبادرة إقامة دولة «مالوروسيا». وقال بيسكوف المتحدث باسم الكرملين، إن تصريحات زاخارتشينكو رئيس «جمهورية دونيتسك الشعبية» تمثل «مبادرة شخصية منه». وأضاف أن «موسكو علمت بهذا الأمر من تقارير وسائل الإعلام». وشدد بيسكوف في الوقت ذاته على التزام روسيا بـ«اتفاقيات مينسك» الخاصة بتسوية النزاع شرق أوكرانيا.
من جانبه، قال بوريس غريزلوف، ممثل روسيا لدى مجموعة الاتصال الدولية لتسوية الوضع في أوكرانيا «إن هذه المبادرة لا تتوافق مع عملية مينسك... واعتبر هذا الأمر مجرد دعوة للمناقشة، لأن هذا الإعلان لا عواقب قانونية له». كذلك أعرب عن قناعته بأن «هذه المبادرة مرتبطة، على الأرجح، بالحرب الإعلامية وليست جزءاً من السياسة الواقعية». ولم يستبعد أن يكون إعلان دولة «مالوروسيا» جاء «ردّاً على التصريحات الاستفزازية، التي يدلي بها المسؤولون السياسيون رفيعو المستوى في كييف، وتعتبر غالباً غير مقبولة على الإطلاق». ومن جانبه، وردّاً على الإعلان عن الدولة الجديدة، تعهد الرئيس الأوكراني بيوتر بوروشينكو، بفرض السيادة واستعادة السيطرة على جميع أراضي الدونباس، وقال إن مصير «مالوروسيا» سيكون نفسه مصير «نوفوروسيا» في إشارة إلى «الدولة» التي أعلنت القوى في جنوب شرقي أوكرانيا عن تأسيسها بداية الأزمة، وبقيت حبراً على ورق.

دفعة للرباعي
إن الإعلان عن دولة جديدة اسمها «مالوروسيا» وإن بقي حبر على ورق، لكنه شكل رسالة دفعت «رباعي النورماندي» إلى التحرك. إذ أجرى الرؤساء ماكرون وبوتين وبوروشينكو والمستشارة ميركل محادثات خلال اتصالٍ هاتفي يوم 25 يوليو، استغرقت ساعتين، ركزوا فيها على بحث تطورات الأزمة الأوكرانية، لكن يبدو أنها كانت دون نتائج تذكر، أو على الأقل لم يتوصل قادة «رباعي النورماندي» إلى اتفاق حول آليات تنفيذ «اتفاقيات مينسك». واقتصر الأمر على إعلانهم عن «النية بالتوصل إلى اتفاق حول الخطوات في مجال الأمن»، ومواصلة العمل على تنفيذ اتفاقيات مينسك. ولهذا الغرض توافق القادة على عقد لقاء، يتوقع أن يكون في شهر أغسطس (آب) المقبل، لكن قبل ذلك سيجري مستشاري قادة «الرباعي» محادثات تمهيدية، لم يعلن بعد متى وأين ستجري. وقال المكتب الصحافي في الكرملين إن القادة المشاركين في المحادثات الرباعية «تبادلوا وجهات النظر حول الوضع في جنوب شرقي أوكرانيا»، على خلفية التصعيد المستمر هناك، واتفقوا على «الاتصالات اللاحقة بما في ذلك على أرفع مستوى».
في أي حال، كشفت المحادثات الهاتفية الأخيرة تمسك الرئيس الأوكراني بفكرة إرسال قوات حفظ سلام دولية بتفويض من الأمم المتحدة إلى منطقة النزاع، و«إطلاق سراح كل الرهائن، بما في ذلك الموقوفون بصورة غير شرعية في روسيا». وكان الرئيس الأوكراني قد دعا وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون خلال محادثات في شهر أبريل (نيسان) إلى تنشيط العمل عبر الأمم المتحدة على إرسال قوات دولية إلى منطقة النزاع. حينها رفض الكرملين الاقتراح الأوكراني، وعلق بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية، بأنه لا بد من بحث هذا الاقتراح بين الأطراف المتنازعة بداية، أي السلطات الشرعية في كييف والميليشيات في منطقة الدونباس. ثم شدد على ضرورة أخذ وجهات نظر جميع أعضاء «رباعي النورماندي» بالحسبان. وكانت روسيا قد رفضت نشر قوة بوليسية من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا على الحدود الروسية - الأوكرانية. وحتى الآن تبقى محاولات تنفيذ «اتفاقيات مينسك» معطلة بسبب خلاف رئيسي حول النقطة التي يجب أن يبدأ التنفيذ منها... هل هي الفقرات المتعلقة بالأمن؟ أم الفقرات المتعلقة بالجانب السياسي؟
تنص الأولى على استعادة القوات الأوكرانية السيطرة على مناطق الدونباس، بما في ذلك الحدود مع روسيا. بينما تنص الفقرات السياسية على تثبيت وضع خاص للدونباس في الدستور الأوكراني، وإجراء انتخابات للقيادات المحلية، والسماح لتلك المناطق بتشكيل شرطة من أبناء المنطقة. وتريد روسيا تنفيذ الشق السياسي أولاً بينما يصر الجانب الأوكراني على الشق الأمني بداية.
هذا التباين الواضح في المواقف ينذر باستمرار النزاع في جنوب شرقي أوكرانيا، الأمر الذي في الوقت ذاته يعني بقاء التوتر مهيمناً على العلاقات بين روسيا والغرب، لا سيما أن الوزير الأميركي تيلرسون أكد للأوكرانيين أن العقوبات على روسيا ستبقى، وكذلك وافق الرئيس الأميركي ترمب أخيراً على مشروع قانون توسيع العقوبات ضد روسيا، لأسباب، بينها الأزمة الأوكرانية. أما كورت فولكر، ممثل الإدارة الأميركية في الأزمة الأوكرانية، فقد حمّل موسكو مسؤولية «الحرب» في شرق البلاد. وخلال جولة أجراها يوم 25 يوليو في مقاطعة دونيتسك قال فولكر: «هذه ليست أزمة جامدة. إنها حرب ساخنة وأزمة فورية نحتاج جميعاً إلى أن نتعامل معها بأسرع ما يمكن». وأضاف المبعوث الأميركي - الذي كان يرتدي بزة واقية للرصاص للصحافيين: «أردتُ أن أحضر إلى هنا وأن أرى الوضع مباشرة على طول خط الأزمة».
وتابع: «إنه حقّاً مستوى عالٍ من المعاناة... هناك كلفة بشرية كبيرة في هذا النزاع وهذا سبب آخر لوجوب تعاملنا معه بشكل عاجل». وأردف قائلاً ومتعهداً إن الولايات المتحدة ستنظر في إمكانية إرسال أسلحة دفاعية للقوات الأوكرانية التي تشارك في القتال في الدونباس، وأشار إلى أن «أسلحة دفاعية كتلك التي تسمح بتعطيل دبابة على سبيل المثال، من شأنها أن تساعد في واقع الأمر بوقف روسيا التي تهدد أوكرانيا».



منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».