الأجزاء الثانية للمسلسلات... طريق السلامة أم سكة الندامة؟

«الزيبق» و«الهيبة» و«حدائق الشيطان» و«كلبش»

TT

الأجزاء الثانية للمسلسلات... طريق السلامة أم سكة الندامة؟

كم مرة قرأت على الشاشتين الكبيرة والصغيرة تلك الإشارة بعد كلمة النهاية، إلى اللقاء مع الجزء الثاني. حدث ذلك مؤخرا في المسلسل الرمضاني «الزيبق» الذي كان يتناول بطولة رجال المخابرات العسكرية المصرية في اقتحام الموساد الإسرائيلي، حيث ينتظر الجمهور أن يذهب البطل كريم عبد العزيز من «أثينا»، حيث شهدت العاصمة اليونانية القسط الأكبر من الأحداث المتعلقة بتجنيده لحساب إسرائيل، ليبدأ في الجزء الثاني، المشوار الأكثر إثارة عندما ينتقل البطل إلى «تل أبيب».
كما كُتب مع نهاية عرض الحلقة الأخيرة من مسلسل «الجماعة 2» الذي أثار الكثير من تباين وجهات النظر إلى اللقاء مع «الجماعة 3»، حيث يواصل الكاتب وحيد حامد توثيق تنظيم «الإخوان» وفضح مخططاتهم، بينما في مسلسل «الهيبة» كما قال لي بطل المسلسل تيم حسن، إنهم استشعروا فعلا النجاح أثناء عرض المسلسل في رمضان الماضي، وقرروا وقتها تقديم جزء ثان، إلا أنهم لم يكتبوا ذلك في «تترات» الحلقة الأخيرة، حتى تُصبح بمثابة مفاجأة للجمهور، لكنهم بالفعل تعاقدوا مع الجميع على تصوير هذا الجزء، أما أطرف الأجزاء الثانية فهو ما حدث مع مسلسل «كلبش» الذي شهد جماهيرية واضحة للبطل أمير كرارة، لكنه أعتذر عن تقديم جزء ثان، وتعاقد بالفعل هو والمخرج بيتر ميمي على تقديم مسلسل آخر في رمضان المقبل، لكن هذا لم يوقف شركة الإنتاج عن تنفيذ الفكرة، حيث قررت استغلال قوة الدفع التي حققتها الشخصية المحورية ويبحثون حاليا عن نجم آخر لبطولة «كلبش 2».
كما أن التصوير قد بدأ فعلا في مسلسل «حدائق الشيطان 2» كان الجزء الأول قد عرض قبل نحو 11 عاما، ومن بعدها تم تدشين جمال سليمان بطلا جماهيريا في الدراما المصرية، قبلها كان معروفا فقط بطلا محليا للدراما السورية، وتعددت من بعده عدد مرات الاستعانة بنجوم من سوريا أبطالا في الدراما المصرية، وفي السنوات الأخيرة عاد التفكير مجددا لاستكمال المسلسل، الذي تشهد إعادة عروضه في الفضائيات نجاحا ضخما، وبينما اعتذرت البطلة سمية الخشاب عن المشاركة في التجربة مجددا خوفا من ألا يحقق لها المسلسل النجاح المرتقب، تحمس جمال سليمان، وفي الوقت نفسه انضمت صابرين للتجربة الجديدة لتصبح هي الشخصية النسائية الرئيسية.
بين الحين والآخر يحدث بين الجمهور والعمل الفني نوع من التوحد، وتجد أن أول ما يفكر فيه صُناع العمل الفني هو الإعلان عن الإعداد لجزء ثان مستغلين قوة الدفع الجماهيري التي حققها الجزء الأول، بينما مثلا لم يكن هذا ما يدفع الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة لكتابة أجزاء تالية، ولكن القماشة الدرامية الثرية هي ما يعيد توجيه المؤشر، فهو مثلا لم يستسلم لإغراء تقديم أجزاء تالية لمسلسلات حققت نجاحا ضخما مثل «الراية البيضاء»، لكنه فعلها مع آخر مسلسلاته «مصراوية» وقبلها «زيزينيا» قدم بالفعل جزأين، وكتب قبل رحيله الجزء الثالث الذي لم يشرع أحد في تنفيذه حتى الآن.
ربما تعتبر أن هذا هو نصف الكوب الملآن من الصورة الدرامية، في قضية المسلسلات المتعددة الأجزاء، إلا أن الأمر لا يخلو كالعادة من النصف الفارغ للكوب، وهو أن يحقق المسلسل فشلا ذريعا، وكرد فعل للدفاع عن النفس يقرر صُناع العمل الفني الإعلان في كل أجهزة الإعلام، أنه وبناء على طلب وإلحاح الجماهير المنقطع النظير فسوف يقدمون جزءا ثانيا، رغم أن الكل موقن أن هذا العمل توصيفه الصحيح أنه «منقطع الجماهير» وأنه قد مات دراميا بـ«السكتة الجماهيرية»!
مثل هذه الأخبار الدعائية لا تمكث في العادة كثيرا في الذاكرة، حيث يمر زمن ولا يحدث شيء والناس كذلك تنسي، إلا أن السؤال، هل نجاح عمل فني يعني بالضرورة استكماله بجزء ثان أو ثالث له؟، بالتأكيد لا، ولكن الضرورة الدرامية هي التي تحدد ذلك، أشهر مسلسل عربي متعدد الأجزاء هو المسلسل السعودي «طاش ما طاش» وصل إلى الجزء رقم 18، لم يصل أي مسلسل عربي آخر حتى الآن إلى هذا الرقم، وهو يتجاوز الدائرة الخليجية في المتابعة ليحقق نجاحا عربيا، المسلسل الذي بدأ عرضه عام 1993 من الممكن توصيفه في إطار النقد الاجتماعي، وبخاصة أن بطله ناصر القصبي صارت له مساحة عربية عريضة من الحضور، بعد ذلك المسلسل السوري «باب الحارة» حيث وصل للجزء التاسع، بدأ عام 2006 أي أنه لم ينتظم بالعرض السنوي؛ فلقد واجه الكثير من العثرات، المخرج بسام الملا من الممكن اعتباره هو الأب الشرعي للمسلسل بالتأكيد يتفاوت المستوى بين حلقاته، تتعدد أيضا الشخصيات المشاركة في التأليف والإخراج والبطولة، لكن المسلسل لا يزال قادرا على الصمود في الساحة العربية، ومن المنتظر أن يصل للجزء العاشر في رمضان المقبل، بينما أطول مسلسل مصري متعدد الأجزاء هو «ونيس» وصل قبل عشرة أعوام للجزء الثامن.
استند المسلسل السوري «باب الحارة» في تطوره الزمني إلى التاريخ الذي تعيش فيه الشخصيات، لكن هناك أيضا منهجا آخر ومرجعية مغايرة في بناء الأجزاء، مثل تلك التي اتكأ عليها محمد صبحي في مسلسليه «سنبل» ثم «ونيس» التركيبة الدرامية للشخصية الرئيسية تضعها في إطار المحرك للأحداث، بل هي بؤرة الحدث، مع تواجدها في ظروف درامية متباينة تمنحها القوة على الاستمرار، وبالطبع بعد نهاية سنبل بجزأيه الأول «رحلة المليون» والثاني «بعد المليون»، بدأت رحلة «ونيس»، الذي كان يرصد فكرة المعايير الاجتماعية داخل الأسرة ومن ثم في البلد وتغييرها بسبب تعاقب الأجيال واختلاف القيم، وهو لا يتمسك بكل ما هو قديم، لكنه فقط يضع أمامه هدف انتقاء الجمال من الماضي أو الحاضر.
المسلسل المصري التالي في تعدد الأجزاء «ليالي الحلمية» الذي قُدم خمس أجزاء انتهت عام 1995، في رمضان قبل الماضي تقرر تقديم جزء سادس لرصد السنوات العشر الأخيرة من حياتنا، وبالمناسبة يحيى الفخراني بطل الأجزاء الخمسة الأولى، قال لي وقتها إنه يرحب ولا يصادر على خيال أحد، وأن الكاتب أيمن بهجت قمر مؤلف الجزء السادس اتصل به استأذنه ووافق، رغم أنه لا يوجد امتداد درامي لدور «سليم البدري» الذي لعبه يحيى الفخراني، ولا لمنافسه العجوز «سليمان الغانم» صلاح السعدني.
ولكن يبقى أن «الشعبطة» في الوقوف على أكتاف عمل فني حقق كل هذه الجماهيرية في ضمير المشاهد المصري والعربي وباتت شخصياته وكأنها اخترقت شاشة التلفزيون لتستقر في البيت والشارع من خلال مرحلة زمنية كان فيها المسلسل أقرب إلى وثيقة درامية تكشف وتروي حالنا منذ نهاية الثلاثينات حتى الثمانينت، بقدر ما هي فكرة شائقة فإنها مغامرة أيضا شائكة، الدخول إلى «ليالي الحلمية» حتى ولو كان برؤية زمنية تمس اللحظة كان يبدو وقتها رهانا صعبا وقفزة إلى المجهول وبالفعل حقق المسلسل فشلا ذريعا.
كان الجزء «الخامس» من «الحلمية» هو أضعف حلقاتها، وجاءت تجربة الجزء السادس منها مخيبة لكل الآمال، المسلسل عانى كثيرا أثناء العرض، ولم يرحب به في الفضائيات ولم يتم تسويقه، وكان هناك أكثر من مشروع مماثل لاستغلال أسماء مسلسلات قديمة حققت نجاحا شعبيا لتقديم أجزاء عصرية جديدة لها فتوقفت كل المشروعات خوفا من الفشل الذي كان يُطل على الباب، ورغم ذلك، فأنا ضد إصدار أحكام مسبقة ومطلقة فلا مصادرة على المستقبل.
وتظل التجربة الفنية هي فقط التي تملك أن تدافع عن نفسها لو لديها منطق وضرورة وعصرية في التناول لتُصبح هي طريق النجاح والسلامة، أما لو كانت مجرد استثمار لنجاح قديم، فتغدو في هذه الحالة هي الطريق السريع إلى سكة الندامة!



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».