القضاة اليونانيون يتهمون الحكومة بشن حملة لإخضاعهم

TT

القضاة اليونانيون يتهمون الحكومة بشن حملة لإخضاعهم

رد القضاة في اليونان بغضب على جملة من الانتقادات ساقتها الحكومة بحقهم، بشأن أحكام صدرت أخيراً، مشبهين ذلك بحملات القمع التي تشنها السلطات في تركيا وبولندا.
وفي بيان احتجاج خلال عطلة نهاية الأسبوع، أفادت رابطة القضاة والمدعين بأن الحكومة «تحاول بشكل منهجي إخضاع القضاء، والسيطرة عليه»، وفق تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وأضافوا أن «الوزراء والنواب يطلقون اتهامات لا أساس لها بشكل يومي (...)؛ إنهم يسعون إلى تقليص هيبة نظام العدالة اليوناني (...) على خطى تركيا وبولندا»، وتابعت الرابطة أنه «بإمكان الشعب اليوناني فهم الأخطار التي تمثلها (سلطة) تنفيذية شرهة تسعى إلى العمل دون ضوابط». واندلع الخلاف عقب قرار المحكمة، في وقت سابق هذا الشهر، سجن خريجة جامعية شابة متهمة بارتباطها بإحدى الجماعات اليسارية المتشددة الأكثر نشاطاً في البلاد. وحكم على خريجة العلوم اللغوية البالغة من العمر 29 عاماً، التي تم التعريف عنها باستخدام اسمها الأول، أريانا، بالسجن 13 عاماً في يونيو (حزيران)، بتهمة التواطؤ مع مجموعة «مؤامرة خلايا النار» الفوضوية. وتفيد الشرطة بأنها وجدت رابطاً بينها وبين جزء من بصمة على مخزن طلقات أحد المسدسات، وجد مخفياً مع أسلحة أخرى في إحدى حدائق أثينا عام 2011.
وتنفي أريانا الاتهامات الموجهة إليها، فيما يشير فريق الدفاع عنها إلى أن البصمات التي تم العثور عليها مجتزأة لدرجة تجعل شبه مستحيل استخدامها كدليل قاطع. وأشعل التحرك لسجنها مظاهرات غاضبة في وقت سابق من هذا الشهر، حضر بعضها أعضاء من حزب رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس «سيريزا» اليساري. وتوالت هجمات الوزراء والنواب على القضاء، على خلفية الحكم.
وكان من بين المنتقدين وزير العدل ستافروس كونتونيس الذي وصف قرار منع الإفراج عن أريانا بانتظار الاستئناف «مفاجأة غير سارة». واعتبر في كلمة أمام أعضاء البرلمان الأسبوع الماضي أن «أقل ما يمكن قوله هو إنه من الغريب أن يسمح بالإفراج عن أشخاص مدانين بتهريب المخدرات بانتظار المحاكمة»، فيما تسجن أريانا.
ومن جهته، وصف المتحدث باسم الحكومة اليونانية ديميتريس تزاناكوبولوس الخطوة بـ«التطور السيئ» الذي سيضاف إلى «سجلات العدالة اليونانية المعتمة».
وفي محاولة لتخفيف حدة الغضب، ألقى رئيس أكبر محكمة إدارية يونانية (مجلس الدولة) خطاباً نادراً تطرق فيه إلى القضية، الاثنين. وقال نيكوس ساكيلاريو إن «القضاة (...) لا يتلقون الأوامر» من الحكومة والنواب، مضيفاً أن «على القضاة أن يكونوا محايدين سياسياً».
ويبدو أن ساكيلاريو اختار موعد إلقاء خطابه بعناية، حيث تزامن مع الذكرى الـ43 لعودة الديمقراطية إلى اليونان، بعد ديكتاتورية قمعية استمرت 7 أعوام.
ومنذ أكتوبر (تشرين الأول)، أثارت صحيفة مؤيدة للحكومة غضب القضاة، عندما ذكرت عشية صدور حكم مهم، بشأن مناقصة تتعلق بقناة تلفزيونية خاصة، أن أحد قضاة المحكمة التي تنظر في القضية سبق أن أقام علاقة غير شرعية. وفي هذا السياق، أشارت رابطة القضاة، الأحد، إلى أن الحكومة «استخدمت أقذر الوسائل المتوفرة للدولة (صحافيون تم الدفع لهم)، من أجل السيطرة على القضاء».
ولكن هناك أصواتاً تدعو كذلك إلى ضرورة الرقابة على القضاء. فقبل عقد من الزمن، صدرت أحكام قاسية بحق عدد من القضاة، بعدما أدينوا بتلقي رشى، والابتزاز، واستغلال السلطة.
وفي قضية ثانية أزعجت الحكومة، طلب مدعي المحكمة العليا إعادة فتح التحقيق المتعلق بالمدير السابق لجهاز الإحصاء اليوناني، وهي قضية تحاول إدارة تسيبراس طيها منذ زمن طويل.
ويواجه رئيس جهاز الإحصاء إنرياس جورجيو اتهامات بأنه ضخم أرقام العجز في اليونان بهدف مساعدة الدائنين الدوليين على فرض شروط أقسى لخطة إنقاذ عام 2010، التي تبلغ قيمتها عدة مليارات يورو.
وبدا أن الرئيس اليوناني بروكوبيس بافلوبولوس، الذي يعد بين أهم خبراء القانون في اليونان، وحليف تسيبراس، يوجه اللوم إلى الحكومة الاثنين، فقال: «لا يمكن للمرء العيش إلا وسط حرية تؤمن فصلاً بين السلطات».
وأضاف، في خطابه في ذكرى عودة الديمقراطية، أن على القضاء العمل «دون تدخل أو انحياز»، وهو يستحق أن «تُحترم استقلاليته» عن السلطات التنفيذية والتشريعية. ويشير خبراء إلى أن النزاع يهدد بتعميق الشرخ في البلد الأوروبي الذي يعاني أصلاً من ضغوط هائلة جراء أزمة مالية مستمرة منذ 7 أعوام.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟