قصة اختلاس ثلاثة آلاف مليار تومان

قصة اختلاس ثلاثة آلاف مليار تومان
TT

قصة اختلاس ثلاثة آلاف مليار تومان

قصة اختلاس ثلاثة آلاف مليار تومان

هرب أو «مغادرة» محمود رضا خاوري، المدير العام السابق لمصرف ملي إيران (المصرف الوطني الإيراني) ترك كثيرا من الأمور المتعلقة بهذا الملف مبهمة.
قبل ثلاثة أعوام وفي مثل هذه الأيام انتشر خبر اختلاس ثلاثة آلاف مليار تومان، وأصبح حديث مجالس الناس في الشارع، والسوق، والجامعة، والسياسة، والاقتصاد والشبكات الاجتماعية. دخل الموضوع عالم الفكاهة وأرسلت رسائل إلكترونية بلغة بسيطة جدا في محاولة لتوضيح طريقة الاختلاس. ثم نشرت كثير من التحليلات المتناقضة للموضوع، وفي هذا الجو الملتهب رفع الطرفان أصابع الاتهام للإشارة نحو بعضهما البعض؛ ولكن كان من الواضح أن مجوعتين فرعيتين من التيار المسمى بالتيار الأصولي كانتا تقومان بتصفية حسابات سياسية.
خلال موضوع الاختلاس تم طرح أسماء مدراء كبار وتنفيذيين وحكوميين منهم أحد نواب رئيس الجمهورية، وزير الاقتصاد آنذاك، وزير الطرق آنذاك، وزير الصناعة في التشكيلة الحكومية العاشرة، وكيل وزير الصناعة والمناجم آنذاك، القائم مقام السابق للبنك المركزي، المدير العام السابق لبنك «صادرات»، ومدير عام مصرف «ملي إيران» آنذاك وفي هذا الخضم كان كل شخص يسعى إلى تبرئة ساحته بذكر أسباب وتبريرات وتغيير جهة أصابع الاتهام الموجهة نحوه.
في هذه الأثناء غادر محمود رضا خاوري إلى لندن بحجة المشاركة في اجتماع عمل بعد جلستي تحقيق معه ثم أرسل إلى طهران فاكسا من فندقه يقدم فيه استقالته ويطلب المعذرة، وبالنظر إلى أنه يحمل جنسيتين فإنه سافر من هناك ليلتحق بعائلته في تورنتو.
إن هذا التصرف الذي قام به خاوري ونشر صورة منزله الذي تبلغ قيمته ثلاثة ملايين دولار أدى إلى تعزيز موجة الاتهامات الموجهة إليه وجعل شبهة شراء المنزل بالأموال المختلسة أقرب إلى اليقين. ولكن وفقا لتقرير وسائل الإعلام الكندية، فإن خاوري قد اشترى هذا المنزل في شهر يوليو (تموز) عام 2007 أي قبل الإعلان عن الاختلاس بأربعة أعوام، وحسب كلام حسین دهدشتي ممثل مدينة آبادان في مجلس النواب، فإن خاوري كان يعمل في الفترة ما بين 2004 و2008 خارج البلاد ولحسابه الخاص، وبالنظر إلى تنصيبه مديرا لبنك «ملي إيران» في عام 2008 من قبل وزير الاقتصاد آنذاك، فإن هنالك علامة سؤال كبيرة حول العلاقة بين الاختلاس ومنزل خاوري الذي تبلغ قيمته ثلاثة ملايين دولار.
هرب أو «مغادرة» محمود رضا خاوري، المدير العام السابق لمصرف ملي إيران (المصرف الوطني الإيراني) ترك كثيرا من الأمور المتعلقة بهذا الملف مبهمة. خاوري الذي درس فرع الحقوق والتكنوقراطية حصل على شهادة البكالوريوس في الحقوق من جامعة طهران، وحصل على شهادة الماجستير في نفس الفرع من جامعة الشهيد بهشتي، وقد جاء في سيرة عمله حصوله على منصب رئيس مديرية الدعاوي في مصرف «الصناعة والمناجم»، والمدير القانوني لمصرف «سبه»، ومستشار المدير العام لشركة «فولاذ مباركة الوطنية»، ونائب رئيس الهيئة الإدارية وقائم مقام المدير العام لبنك «سبه»، وكذلك الإدارة العامة لبنك «سبه»، بالإضافة إلى التدريس وتأليف كتب قانونية، وفي عام 2010 بصفته المدير العام لمصرف «ملي إيران» ترك مجال عمله بعد ارتباط اسمه باختلاس الثلاثة آلاف مليار تومان الفريد من نوعه. مه آفرید خسروي من المتهمين الرئيسيين في قضية اختلاس 3000 مليار تومان والذي حكم بالإعدام، قال في اعترافاته إن خاوري أخذ رشوة تبلغ أكثر من سبعة مليارات في هذه القضية.
بعد خروجه من إيران اختار خاوري الصمت إزاء جميع الاتهامات، وحتى أنه لم يجب عن طلبات المراسلين الأجانب للقاء به. ولكن وكالة «إيسنا» للأنباء قامت بلقاء مع خاوري مع بداية الإعلان عن خبر الاختلاس، وقد قامت بنشر المقابلة بعد تأخير دام لعام لبعض الأسباب، اللقاء يعكس أن خاوري لم يكن يؤمن بوجود اختلاس لأنه استخدم اسم الاستغلال المالي.
في هذا اللقاء وضح خاوري أن في هذا الاختلاس تم سحب مبالغ من المصرف من دون مقابل، وبين أن المختلس استطاع عبر التزوير والاستغلال أن ينقل مبالغ كبيرة، واعتبر خاوري أن قيام مصرف «ملي إيران» بدفع المبالغ هو أمر عادي وأن أصابع الاتهام تتجه نحو مصرف «صادرات»، لأن هذا المصرف حسب قول خاوري عمل من دون الاهتمام بتحذير البنك المركزي حول إصدار خطابات الاعتماد، فقام بإصدار خطاب اعتبار وتسبب بإلزام المصرف بالدفع، وكذلك الأمر بالنسبة لسبعة مصارف أخرى خصوصية وحكومية تعمل مع مصرف صادرات. رفض خاوري بشدة كون المستندات مزورة، وأصر على السؤال القائل: أي تزوير هذا الذي لم يكتشفه أي بنك من سبعة بنوك؟ وكذلك عرض مستندات تتكون من مجموعة من الرسائل وشهادات صحة صدور بين المؤسسات والمديريات ذات العلاقة تثبت أنه تم العمل «بصورة قانونية» في كل المراحل.
قام مصرف «ملي إيران» بدفع أكبر كمية من الأموال في هذا الاختلاس وبلغت أكثر من 1160 مليار تومان بتقاضيه أرباحا مقدارها 20 في المائة من كل دفعة. يعتقد خاوري أنه لم يكن يعلم بأمر الدفعات ولكن لو أن هيئة إدارة المصرف كانت قد اتصلت به فإنه لم يكن ليرفض دفع هذه الأموال بالنظر إلى أن المستندات رسمية لأن مصرف «صادرات» يدعمها وكذلك بالنظر إلى الأرباح البالغة 20 في المائة.
من ناحية أخرى تم عزل محمد جهرمي، المدير العام لمصرف «صادرات» الخصوصي آنذاك ووزير العمل والأمور الاجتماعية السابق والذي اعتبر من المتهمين الرئيسيين في هذه القضية، من منصبه.
وفي رده على موجة الانتقادات بشأن صدور خطابات اعتماد من قبل مصرف «صادرات» أكد على أن المستندات المذكورة مزورة وأشار بإصبع الاتهام نحو خاوري.. بعد عزله نشر جهرمي إعلانا دافع فيه عن نفسه وقال إن خاوري هرب إلى كندا بسبب انتشار الفساد في مصرف «ملي إيران» فيما يخص هذه القضية وقضايا أخرى. وإنه لو كان متورطا مثل خاوري أو أنه قد أخذ رشوة لهرب من البلاد. جهرمي كان أول من طرح موضوع هروب خاوري. ولكن خلال هذه الفوضى قام مهركان خسروي، أحد المتهمين الهاربين في قضية الاختلاس، بالرد على كلام جهرمي في لقاء وأعلن أن المستندات لم تكن مزورة وأن الهيئة الإدارية لمصرف «صادرات» خصصت لمجموعة آريا خطاب اعتماد بقيمة 600 مليون يورو.
على أثر ردود الأفعال هذه، واجه فرار خاوري «أو خروجه المتفق عليه» من إيران تحليلات مختلفة. بالنظر إلى كون الملف سياسيا. يعتقد البعض أن خروجه من البلد كان حركة محسوبة وبعلم من المسؤولين، فعلى الرغم من دور مصرف «ملي إيران» في هذا الاختلاس، فإن وزارة الأمن رغم علمها بحمل خاوري لجنسيتين لم تمنعه من مغادرة البلاد، وإن خاوري راجع الأمر مع وزارة الأمن قبل خروجه من البلاد.
وبهذا فإن خروج خاوري منع توسع أبعاد القضية، ودفع ذلك الفريقين السياسيين المتورطين في القضية إلى بر الأمان، وبذلك تم تسجيل الاختلاس باسم خاوري والموظفين الأقل أهمية والذين تمت محاكمة 39 شخصا منهم وحكم على أربعة منهم بالإعدام وعلى شخصين بالحبس المؤبد. أما باقي المتهمين في القضية فقد تم الحكم عليهم بالسجن لفترات طويلة بينما حصل شخص واحد على البراءة.
السبب الأخر الذي يؤيد كون خاوري مأمورا، هو أنه خلال التحقيق في القضية، لم يتم الاهتمام بدور خاوري كما كان متوقعا بصفته المشارك الأساسي في الجريمة ومن المتهمين الرئيسيين فيها.
وفي هذا الخضم لم تبذل جهود حقيقية من أجل إعادة خاوري، وقد تم إهمال هذا الموضوع إلى درجة أنه على الرغم من مرور ثلاثة أعوام على هذا الموضوع، فإن القاضي المكلف بالقضية غير مستعجل لتشكيل المحاكمة الغيابية التي وعد بها وبحضور محامي خاوري، وإن القاضي يعقد الأمل على إعادة خاوري إلى إيران بمساعدة منظمات حقوق الإنسان أو وزارة الخارجية الكندية والإنتربول، وبسبب عدم وجود اتفاقية لتبادل المجرمين بين إيران وكندا، فإن هذا الأمر يبدو مستبعدا جدا.
لذلك لو كان خاوري يعتبر لاعبا مهما وأساسيا في هذه القضية لماذا لم تبذل جميع الجهود من أجل إعادته إلى البلد ولماذا يتم الحديث عن جميع زوايا القضية ما عدا دور خاوري. على الرغم من أنه يمكن ذكر خاوري على اعتباره من اللاعبين الرئيسيين في هذه القضية ولكن يبدو أن هنالك لاعبين أكبر وأهم مسؤولين عن هذا الاختلاس الكبير. قال مه آفرید خسروي في الجلسة الثانية عشرة من جلسات المحكمة أن إعدامه لن يقود إلى إصلاح المجتمع وانتقد اختفاء بعض المتسببين رفيعي المستوى، إن الأدلة ومسار المحكمة يدلان على أن كثيرا من المسؤولين الكبار عن هذه القضية على الرغم من أنهم عزلوا من مناصبهم أو أجبروا على الاستقالة، فإنهم كانوا في مأمن من أي تحقيق حقيقي وقضائي.
التحليل الثاني هو أن خاوري وبسبب تفشي الفساد في مصرف «ملي إيران» وعلاقته بالاختلاس كان يتوقع إلقاء القبض عليه، وبمعرفته بالنظام، فإنه ربما عندما علم متى ستتم التضحية به فإنه فر إلى كندا بمساعدة السياسيين الذين دعموه في فعلته تلك.
بالطبع بالإضافة إلى اختلاس ثلاثة آلاف مليار فإن اسم خاوري تردد على ألسنة الناس مرة أخرى في شهر مارس (آذار) 2012 وكان ذلك عندما أعلن تقرير لخبر «أون لاين» أن عباس مومن آبادي، مستشار مدير هيئة النزاهة العامة في البلاد والمدير العام لهيئة النزاهة في محافظة هرمزكان كشف عن مخالفة مالية لمصرف «ملي إيران» بقيمة 100 مليون يورو، وقال إن مسؤولي المصرف آنذاك ارتكبوا كثيرا من المخالفات القانونية خلال دفع تسهيلات مقدارها 100 مليون يورو لشركة خاصة. وكذلك أكد أن مخالفات خاوري لا تنحصر في الفترة التي تولى خلالها الإدارة العامة لمصرف «ملي إيران» وإنه خلال فترة توليه لمنصب المدير العام لمصرف سبه (2002 - 2004) قام كذلك بمنح تسهيلات للشركة المذكورة والأمر يتم التحقيق فيه حاليا. حسب التقارير فإن هذه الشركة حصلت على تسهيلات مصرفية من المصارف الداخلية من أجل تنفيذ عدة مشاريع في خارج البلاد وإن هذه الأمور رافقتها مخالفات كبيرة.
عقب ذلك بفترة وجيزة وتحديدا يوم 2 من مارس نشرت لجنة العلاقات العامة لهيئة النزاهة العامة في البلاد تقريرا حول هذا الأمر. في ذلك التقرير، قام مصطفی بورمحمدي، المدير العام لهيئة النزاهة في البلاد آنذاك باتهام خاوري بأن التسهيلات التي منحت إلى تلك الشركة من قبل مصرف «ملي إيران» كانت على أساس موافقة خاوري، في السابع من مارس في نفس العام أكد غلام حسین اجه ای الناطق باسم القوة القضائية في مؤتمر صحافي مخالفات خاوري ونفوذه في هذه القضية.
ناصر سراج، رئيس هيئة النزاهة العامة في إيران والقاضي المكلف بقضية اختلاس ثلاثة آلاف مليار تومان قال في يوم الاثنين المصادف 9 سبتمبر (أيلول) 2013 إن الحكم على المتهمين في هذه القضية اكتسب درجة القطعية ومن المقرر أن تنفذ المحكمة الأحكام.
في هذا الخضم يجب أن نرى في حال عودة خاوري المحتملة أو حضوره في جلسات المحكمة ما هو بعد المخالفات المالية والاختلاس الكبير الذي سيتم الكشف عنه.



هل النفط هو الدافع الحقيقي وراء التصعيد الأميركي ضد فنزويلا؟

ناقلة نفط ترفع علم بنما مستأجرة من شركة «شيفرون» تنتظر تحميل النفط الخام قرب ميناء باجو غراندي في فنزويلا (رويترز)
ناقلة نفط ترفع علم بنما مستأجرة من شركة «شيفرون» تنتظر تحميل النفط الخام قرب ميناء باجو غراندي في فنزويلا (رويترز)
TT

هل النفط هو الدافع الحقيقي وراء التصعيد الأميركي ضد فنزويلا؟

ناقلة نفط ترفع علم بنما مستأجرة من شركة «شيفرون» تنتظر تحميل النفط الخام قرب ميناء باجو غراندي في فنزويلا (رويترز)
ناقلة نفط ترفع علم بنما مستأجرة من شركة «شيفرون» تنتظر تحميل النفط الخام قرب ميناء باجو غراندي في فنزويلا (رويترز)

وضع التصعيد الأخير من إدارة الرئيس دونالد ترمب ضد حكومة الرئيس نيكولاس مادورو، بما في ذلك التهديدات وضربات جوية على قوارب في البحر الكاريبي، الثروة النفطية الفنزويلية تحت المجهر.

يقول مادورو إن الدافع الحقيقي وراء التعزيزات العسكرية الأميركية الضخمة في منطقة البحر الكاريبي هو النفط. فبلاده تمتلك أكبر احتياطات مؤكدة من النفط في العالم، حيث إنه بحسب تقديرات «أويل آند غاز جورنال»، تملك ما يزيد على 300 مليار برميل، أي ما يعادل 17 في المائة تقريباً من الاحتياطي النفطي العالمي المعروف.

لكن وزارة الخارجية الأميركية تنفي ذلك، وتصرّ على أن الغارات الجوية على القوارب التي أودت بحياة أكثر من 80 شخصاً، والانتشار العسكري الواسع قبالة سواحل أميركا الجنوبية، جزء من حملة لمكافحة تهريب المخدرات.

رغم امتلاك فنزويلا أكبر احتياطات من النفط، فإن المفارقة تكمن في الإنتاج. فرغم ثروتها الهائلة، فإن فنزويلا تنتج حالياً أقل من 1 في المائة من النفط المستخدم عالمياً. وقد انخفض إنتاجها بشكل حاد من ذروته في عام 1997 (نحو 3.5 مليون برميل يومياً) ليصل إلى نحو 903 آلاف برميل يومياً في عام 2024، وفق ما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز». هذا الانهيار ناتج عن سنوات من سوء الإدارة والفساد ونقص الاستثمار، بالإضافة إلى العقوبات الأميركية القاسية، وصعوبة استخراج خامها الثقيل واللزج.

صهريج لتخزين النفط تابع لشركة «بتروليوس دي فنزويلا» (رويترز)

هل دافع ترمب حقيقي؟

يزعم مادورو وحلفاؤه أن النفط هو الدافع الحقيقي وراء التصعيد العسكري الأميركي الهائل في المنطقة، وأن واشنطن تسعى إلى «الاستيلاء على أكبر احتياطي نفطي في الكوكب بالقوة العسكرية». وقد وصف الرئيس الكولومبي اليساري، غوستافو بيترو، الحملة بأنها «مفاوضات حول النفط».

لكن التحليل يختلف: المحللون يرون أن الصورة ليست بهذه البساطة. يشدد فرانسيسكو ج. مونالدي، مدير برنامج الطاقة في أميركا اللاتينية بجامعة رايس، في تصريح إلى صحيفة «الغارديان» البريطانية، بأن النفط قد يكون «جزءاً من الصورة، لكن ليس الدافع الرئيسي»، لأن فنزويلا حالياً «لاعب صغير جداً» في السوق العالمية.

كما أن خبراء آخرين يشيرون إلى أن ترمب لو أراد صفقة احتكارية للنفط الفنزويلي، لكان قد قبل عرض مادورو الأخير بفتح جميع مشروعات النفط والذهب الحالية والمستقبلية للشركات الأميركية.

مظاهرة احتجاجية على سياسة الولايات المتحدة تجاه فنزويلا في براتلبورو بفيرمونت (أ.ب)

تحديات الخام الثقيل

تتطلب عودة إنتاج فنزويلا إلى مستويات ما قبل الانهيار (4 إلى 5 ملايين برميل يومياً) استثمارات ضخمة تقدر بنحو 100 مليار دولار، وتستغرق 10 سنوات على الأقل. ويواجه قطاع النفط تحديات هيكلية:

  • نوعية الخام: معظم احتياطي فنزويلا هو خام «ثقيل حامض» (Heavy Sour Crude)، وهو أكثر صعوبة وتكلفة في الاستخراج مقارنة بالخام الخفيف المتوفر في الولايات المتحدة.
  • التاريخ السياسي: في أعقاب إضراب عمال النفط في أوائل العقد الأول من القرن الـ21، طرد مادورو وسلفه هوغو تشافيز أعداداً كبيرة من العمال، وعززا سيطرة الدولة على شركة «بتروليوس دي فنزويلا» (PDVSA). وفرضت الحكومة على الشركات الأجنبية حصة ملكية لا تقل عن 51 في المائة والتحكم التشغيلي، مما أدى إلى طرد شركات عملاقة مثل «كونوكوفيليبس» و«إكسون موبيل».
  • العقوبات: بعد أن فرضت إدارة ترمب الأولى حظراً على واردات النفط الفنزويلي في 2019، تراجع الإنتاج بشكل كبير. ورغم تخفيف الرئيس السابق جو بايدن للقيود سابقاً، فإن ترمب أعاد فرضها بعد الانتخابات الفنزويلية الأخيرة.

دور الشركات الغربية

رغم الاضطرابات، فإن حفنة من الشركات الغربية لا تزال تستمر في العمل في فنزويلا، مراهِنةً على أن الجهد سيؤتي ثماره على المدى الطويل بسبب ضخامة الاحتياطي:

  • «شيفرون»: أكبر الشركات الأميركية المتبقية، وتنتج نحو ربع نفط فنزويلا. تمكّنت «شيفرون» من الحفاظ على عملياتها، رغم تقليصها، واستفادت من قرار ترمب في يوليو (تموز) بأن تُستخدم الإتاوات لتغطية التكاليف التشغيلية وسداد ديون فنزويلية قديمة للشركة. وتستورد «شيفرون» حالياً ما بين 150 ألفاً و160 ألف برميل يومياً إلى الولايات المتحدة.
  • شركات أوروبية: تعمل «إيني» الإيطالية و«ريبسول» الإسبانية في مجال الغاز الطبيعي البحري الذي تستخدمه فنزويلا لتوليد الكهرباء. وقد واجهتا صعوبات في السداد بعد أن حظرت الولايات المتحدة عمليات المقايضة النفطية.

في سياق متصل، لا تزال شركة «سيتغو بتروليوم» (Citgo Petroleum)، المملوكة لشركة «بتروليوس دي فنزويلا» وتدير 3 مصافٍ أميركية، محور معركة قانونية لتمكين الدائنين من استيفاء ديونهم. وقد أمر قاضٍ فيدرالي ببيع المصفاة مؤخراً لـ «أمبر إنرجي» مقابل 5.9 مليار دولار، وهو جزء بسيط من الديون المستحقة التي تتجاوز 20 مليار دولار.

محطة وقود تابعة لشركة «سيتغو» في هيوستن (أ.ف.ب)

أهمية استراتيجية

تظل الموارد الفنزويلية ذات قيمة استراتيجية للولايات المتحدة. وفي حال استمرار نمو الطلب العالمي على النفط حتى منتصف القرن الحالي، وتوقف النمو السريع للإنتاج الأميركي، يصبح تأمين مصادر جديدة خارج الشرق الأوسط وروسيا أمراً بالغ الأهمية.

يُعد النفط الفنزويلي جذاباً بشكل خاص للمصافي الأميركية على ساحل الخليج، لأنها مصممة لمعالجة مزيج من الخام الثقيل الرخيص (المتوفر في فنزويلا) والخام الخفيف الأكثر تكلفة. كما أن الشحن السريع إلى مصافي الخليج يعزز قيمته.

ويتفق المحللون على أن المعوقات أمام الاستثمار في فنزويلا هي في الغالب «فوق الأرض» (سياسية وقانونية)، لكن ضخامة المورد تضمن استمرار اهتمام الشركات العالمية بالبقاء، أو العودة لاسترداد الأصول التي استولت عليها الحكومة في الماضي.


السعودية تعيد رسم اقتصاد المياه العالمي عبر «مؤتمر الابتكار»

مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
TT

السعودية تعيد رسم اقتصاد المياه العالمي عبر «مؤتمر الابتكار»

مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)

يعكس «مؤتمر الابتكار في استدامة المياه 2025» الذي تستضيفه مدينة جدة الأسبوع المقبل، قدرة السعودية على قيادة تحول عالمي يعيد تعريف اقتصاد المياه، ويرسخ نموذجاً يدمج بين الابتكار والاستثمار والسياسات الفاعلة، ليُعيد تشكيل مستقبل أحد أهم قطاعات الاقتصاد العالمي.

يأتي المؤتمر في لحظة يصفها الاقتصاديون بأنها نقطة ارتكاز في تطور «اقتصاد المياه» خلال العقد المقبل، وتتسارع فيها التحولات المرتبطة بتلك الصناعة عالمياً، وتعيد تشكيل ميزان الابتكار والاستثمار في واحد من أكثر القطاعات الاستراتيجية تأثيراً على الأمن الغذائي والطاقة والنمو الاقتصادي.

وتحوّل الحدث الدولي الذي يقام خلال الفترة بين 8 و10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، إلى منصة اقتصادية تُطلق شراكات، وتقدّم حلولاً جاهزة للتطبيق، وتستكشف أسواقاً جديدة، حيث تُمثل السعودية مركز إنتاج للابتكار المائي.

ويجمع المؤتمر نحو 11 ألف مشارك من 137 دولة، إلى جانب عدد من كبرى شركات المياه والطاقة والتقنيات النظيفة، ما يجعله أحد أهم التجمعات الدولية التي ترسم خريطة الاقتصاد المائي الجديد، ويعكس مكانة السعودية ودورها المتنامي في صياغة مستقبل هذا القطاع عالمياً.

المياه... قطاع اقتصادي مرتبط بالأسواق العالمية

يتناول المؤتمر المياه بوصفها قطاعاً اقتصادياً يرتبط مباشرة بالأسواق الدولية، مثل الطاقة والتقنية والتمويل، ويتمحور حول أربع ركائز رئيسية تشغل المستثمرين عالمياً، تتمثل في: «الاقتصاد الدائري للمياه» الذي يُعتبر سوقاً صاعدة تجذب شركات الكيميائيات النظيفة والطاقة المتجددة، ثم «الرقمنة والذكاء الاصطناعي» حيث التوسع في إدارة الشبكات الذكية وتحليل الطلب، فـ«تكامل المياه والطاقة» عبر ابتكار متسارع في تقنيات التحلية منخفضة الانبعاثات، وأخيراً «الاستثمار والتمويل» بدخول أكبر للصناديق والبنوك التنموية مع توسع مشاريع إعادة الاستخدام.

يجمع الحدث 11 ألف مشارك من 137 دولة وشركات كبرى بمجالات المياه والطاقة والتقنيات النظيفة (واس)

وتعكس تلك التحولات واقعاً جديداً، إذ لم تعد المياه بمثابة خدمة أساسية فحسب، بل فرصة استثمارية طويلة الأجل، ويُعدّ الابتكار اليوم محوراً اقتصادياً تعتمد عليه الحكومات والشركات الكبرى لمواجهة تحديات شُحَّها وارتفاع تكاليف الإنتاج وتزايد الطلب الصناعي.

«جائزة الابتكار» تُعزِّز اقتصاد المياه

تحوَّلت «الجائزة العالمية للابتكار في المياه»، المتزامنة مع المؤتمر، إلى منصة تُقرأ من خلالها مبكراً ملامح التقنيات التي ستقود اقتصاد المياه في السنوات المقبلة؛ إذ باتت الأرقام التي تُسجِّلها الجائزة كل عام تعكس حجم التحول العالمي نحو الابتكار، بوجود 2570 ابتكاراً مقدّماً من 300 جامعة ومعهد تمثل 119 دولة، مما يكشف عن سباق دولي واسع لإنتاج حلول جديدة، ويعكس أهمية الجائزة التي أضحت مرصداً عالمياً لاتجاهات التقنية، ويحدد ملامح المستقبل في أحد أكثر القطاعات ارتباطاً بحياة الإنسان والتنمية.

«مياهثون» تجمع المبتكرين والمستثمرين

وتعدّ فعالية «مياهثون» المصاحبة للمؤتمر منصة تنافسية تسهم في توليد شركات ناشئة ونماذج تطبيقية، ويتفق المختصون على أن قوة هذا المشروع تكمن في جمع المواهب والمنظمين والمستثمرين على مساحة واحدة، وهو عنصر تفتقر إليه منظومات الابتكار المائي عالمياً.

بناء حلول الاستدامة عبر الابتكار

يكشف المؤتمر عن أن الابتكار أصبح منهجاً لبناء حلول تمتد آثارها إلى مجالات واسعة باتت اليوم في قلب التحول المائي؛ فمجالات الطلب الزراعي وإعادة الاستخدام والسياحة والاقتصاد والمجتمع تمثل محاور رئيسية في نقاشات المياه، يستهدفها الابتكار لخفض الهدر، وتعزيز الكفاءة، ورفع قيمة العائد التنموي.

ويضطلع المؤتمر بدور محوري في توسيع آفاق الابتكار عبر استعراض وتبنّي التقنيات الحديثة التي تُعزِّز الكفاءة التشغيلية، وتُرسِّخ مفهوم الاستدامة البيئية، لا سيما في القطاعات المرتبطة بالطاقة والعمليات الصناعية.

وتتجلى قدرة الابتكار على دعم الأمن الغذائي، ورفع كفاءة الطاقة، وزيادة مرونة المدن، وتمكين الاقتصادات من مواجهة ندرة المياه وتزايد الطلب، ما يؤكد أن مستقبل المياه يُعاد تشكيله اليوم عبر حلول أوسع من التقنية وحدها، وأكثر التصاقاً بحاجات التنمية الشاملة.

مكاسب دولية تعزّز مكانة السعودية

ينعقد المؤتمر فيما تحقق المملكة حضوراً متقدماً في أبرز المؤشرات الدولية المرتبطة بالمياه، إذ جاء اعتراف الأمم المتحدة بالنموذج السعودي في تحقيق الهدف السادس ليؤكد نجاعة السياسات الوطنية في إدارة الموارد وتعزيز الاستدامة، فيما شكّل توقيع ميثاق المياه العالمي في الرياض نقطة تحول عمّقت الشراكات الدولية، ورسّخت دور البلاد في قيادة الحوار العالمي حول أمن المياه.

وعزَّز إطلاق «المنظمة العالمية للمياه» صدارة السعودية للدول القادرة على صياغة الأطر الجديدة لهذا القطاع الحيوي، كما باتت المملكة أحد أهم الفاعلين في تشكيل مستقبل السياسات المائية عالمياً، بما تملكه من مبادرات رائدة وحضور مؤسسي مؤثر ورؤية واضحة لأمن المياه.

مركز إنتاج للابتكار المائي العالمي

تحوّل المؤتمر إلى منصة اقتصادية تُطلق شراكات، وتقدّم حلولاً جاهزة للتطبيق، وتستكشف أسواقاً جديدة، حيث تُمثل السعودية مركز إنتاج للابتكار المائي، إذ تقود تحولاً عالمياً يعيد تعريف اقتصاد المياه، ويرسخ نموذجاً يدمج بين الابتكار والاستثمار والسياسات الفاعلة، ليُعيد تشكيل مستقبل أحد أهم قطاعات الاقتصاد العالمي.


النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
TT

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز»، في تقرير محدث، سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة، مع إدراجها ضمن مسار إيجابي يرتفع إلى نسبة 3.5 في المائة خلال العامين المقبلين، ومع التنويه بأنّ هذه الأرقام «قابلة للتحسّن في حال تنفيذ الإصلاحات بشكلٍ سريع».

وتتلاقى مبرّرات الوكالة ضمنياً، مع تقديرات صندوق النقد الدولي التي تلاحظ أن التقدم المسجّل في ملف إبرام اتفاق مشترك مع لبنان، لا يزال «بطيئاً للغاية»، ويتعرض لانتكاسات تشريعية وقانونية، ما يؤكد مجدداً أن الأزمة لا تزال تتطلب توافقاً سياسياً جدياً لسن القوانين الإصلاحية الضرورية التي تمنح الصندوق الثقة الكافية للموافقة المكتملة على اتفاق يتضمن برنامج تمويل بمبالغ تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار، وقابلة للزيادة أيضاً.

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال اجتماعه مع وفد من صندوق النقد الدولي (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

ورغم التباين في تقديرات النمو المتوقعة لهذا العام، فإن التبدلات الطارئة على المناخات السياسية وانضمام مسؤول مدني إلى اللجنة العسكرية المعنية بوقف الأعمال العسكرية بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، قلّصت نسبياً من مخاوف توسّع الأعمال الحربية، وأنعشت بالتالي، بحسب مسؤول مالي معني تواصلت معه «الشرق الأوسط»، التطلعات الحكومية لتصحيح الأرقام، وربما فوق مستوى 5 في المائة، ربطاً بكثافة النشاط التجاري والسياحي المعتاد في فترة الأعياد والعطلات بنهاية العام.

وتعدّ عودة الاقتصاد المحلي إلى مسار النمو الإيجابي، وبمعزل عن التفاوت في النسب المحققة أو المرتقبة، تحولاً نوعياً لتأثير عودة الانتظام إلى عمل المؤسّسات الدستورية، بعد 5 سنوات متتالية من الأزمات الحادة والتخبط في حال «عدم اليقين» سياسياً واقتصادياً. ثم تُوّجت باندلاع حرب تدميرية طاحنة، أودت إلى اتساع فجوة الخسائر الإعمارية والقطاعية بما يزيد على 7 مليارات دولار.

وتكفلت تضافر هذه الوقائع السلبية المتتالية بانكماش حاد للناتج المحلي من أعلى المستويات البالغة نحو 53 مليار دولار عشية انفجار الأزمة إلى نحو 20 مليار دولار في ذروة الانهيارات المالية والنقدية، والمعزّزة بإشهار الحكومة الأسبق بتعليق دفع مستحقات الديون العامة، قبل أن يستعيد الاقتصاد حيوية هشّة دفعت أرقامه إلى حدود 31.6 مليار دولار بنهاية عام 2023، وفق رصد إدارة الإحصاء المركزي، ليصل بعدها إلى نحو 43 مليار دولار، وفق تقرير مصرفي محلي، بدفع من مؤشرات متنوعة تشمل السياحة وزيادة الاستيراد واستمرار التضخم واستدامة التحويلات الخارجية، ولا سيما من المغتربين والعاملين في الخارج.

رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام يُشير بيده أثناء حديثه خلال اجتماع مع وفد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (أ.ف.ب)

إعادة هيكلة القطاع المالي

لكن بلوغ مرحلة النمو المستدام للاقتصاد، والاستفادة من التزام الدول المانحة بدعم لبنان، يظل مشروطاً بتطبيق برنامج الإصلاح المعدّ من قبل صندوق النقد الدولي، حيث تتمحور المطالب الرئيسية حول إعادة هيكلة القطاع المالي، واعتماد استراتيجية متوسطة الأجل لتعبئة الإيرادات وترشيد النفقات، وخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي واستعادة الاستدامة المالية، فضلاً عن أولويات معالجة ضعف الحوكمة وتعزيز إطار مكافحة الفساد، وإجراء عمليات تدقيق موثوقة لمجمل المؤسسات والحسابات العامة.

وليس خافياً في هذا السياق، ملاحظة إدارة الصندوق أن موازنة الحكومة للعام المقبل، لم ترتقِ إلى مستوى التطلعات الإصلاحية المطلوبة، والاستجابة لضرورة الشروع بإعادة هيكلة الديون الخارجية للبلاد، والتي تشمل سندات «اليوروبوندز» المقدرة بأكثر من 41 مليار دولار، كجزء لا يتجزأ من استعادة القدرة على تحمل الديون. في حين تنبّه إلى أن الحكومة تستمر في الاعتماد على سياسة التقشف القاسي بغية فائض تشغيلي جزئي في الخزينة، بدلاً من التركيز على الإصلاح الهيكلي، والنظر في إصلاح السياسة الضريبية لإتاحة الحيز المالي اللازم للإنفاق على الأولويات مثل إعادة الإعمار والحماية الاجتماعية.

كما تبرز التباينات التي تقارب التناقضات في نقاط محددة بشأن منهجية معالجة الفجوة المالية ستظل عائقاً محورياً على مسار المفاوضات المستمرة بين الحكومة وصندوق النقد، خصوصاً في مقاربة مسألة الودائع التي تناهز 80 مليار دولار، حيث تعلو التحذيرات والانتقادات الحادة لمنحى «الاقتراحات المسرّبة» من اللجنة الحكومية التي تعكف على إعداد مشروع القانون الرامي إلى تغطية عجز القطاع المالي، والمتضمنة صراحة أو مواربة شطب ما يصل إلى 30 مليار دولار من إجمالي المدخرات لدى المصارف، وحصر الضمانة للسداد بمبلغ 100 الف دولار، وإصدار سندات «صفرية» الفوائد لمدة تتعدى 20 عاماً للمبالغ الأكبر.

وقد حافظت «موديز» على تصنيف لبنان السيادي عند الدرجة «سي»، وعلى النظرة المستقبليّة «المستقرّة» في تحديثها للتقييم الائتماني السيادي للحكومة اللبنانيّة، مؤكدة أن هذا التصنيف يعكس احتماليّة كبيرة بأن تتخطّى خسائر حاملي سندات الدين الدولية (اليوروبوندز) نسبة 65 في المائة. في حين يتم تداول هذه السندات حالياً في الأسواق الدولية بأسعار تقارب 25 في المائة من قيمتها الدفترية، بعدما انحدرت خلال الحرب الأخيرة إلى 6 في المائة فقط.

ولم يفت الوكالة الإشارة إلى أنّ تصنيف لبنان سيبقى على حاله، إلا إذا تمّ تطبيق إصلاحات جوهريّة على مدى سنوات عدّة من جهة، وتحسين القدرة على تحصيل الإيرادات وحصول تقدّم ملحوظ في ديناميكيّة الدين، كالنموّ الاقتصادي ومستويات الفوائد وإيرادات الخصخصة والقدرة على تسجيل فوائض أولية كبيرة من جهة موازية، وذلك لضمان استدامة الدين في المستقبل.