قادة روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا يبحثون الأزمة الأوكرانية

TT

قادة روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا يبحثون الأزمة الأوكرانية

حث القادة الروسي والأوكراني والفرنسي والألماني، أمس، في اتّصال هاتفي سبل حل النزاع في شرق أوكرانيا، غداة توجيه المسؤول الأميركي الجديد حول المفاوضات الأوكرانية اتهامات إلى موسكو.
وأعلن الكرملين في بيان أن القادة الأربعة استمعوا إلى تقرير مسؤولين في بعثة مراقبة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا حول احترام وقف إطلاق النار. وأضاف البيان: «تبادل القادة الأربعة الآراء حول الوضع في شرق أوكرانيا، آخذين بعين الاعتبار العقبات الخطيرة أمام تنفيذ اتفاق مينسك للسلام المبرم في فبراير (شباط) 2015». وأشار إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «شرح بالتفاصيل مقاربة روسيا لبنود الاتفاق الرئيسية».
وتأتي هذه المحادثات غداة تصريحات ممثل واشنطن الجديد في المفاوضات الأوكرانية، كورت فولكر، الذي حمّل موسكو مسؤولية «الحرب» في شرق البلاد.
ويهدف اتفاق مينسك الموقع في فبراير 2015 إلى تحقيق هدنة وبدء حوار سياسي بين الانفصاليين الموالين لروسيا وحكومة كييف، لكن هناك صعوبة في تنفيذ الاتفاق.
وأدّت موجة جديدة من العنف منذ الأربعاء إلى مقتل 11 جنديا أوكرانيا في شرق البلاد. وأسفر النزاع الدائر في أوكرانيا منذ ثلاث سنوات عن مقتل أكثر من 10 آلاف شخص. وتتّهم كييف والغربيون روسيا بدعم المتمردين ماليا وعسكريا، الأمر الذي تنفيه موسكو.
وجاء كلام كيرت فولكر، الذي عين هذا الشهر ممثلا خاصا للخارجية الأميركية بشأن المفاوضات المتعلقة بالأزمة الأوكرانية، خلال زيارته شرق البلاد عشية مباحثات هاتفية بين قادة أوكرانيا وروسيا وألمانيا وفرنسا.
وقال فولكر في مدينة كراماتورسك في منطقة دونيتسك: «هذه ليست أزمة جامدة، إنها حرب ساخنة وأزمة فورية نحتاج جميعا إلى أن نتعامل معها بأسرع ما يمكن». وأضاف المبعوث الأميركي الذي كان يرتدي بزة واقية للرصاص للصحافيين: «أردت أن أحضر إلى هنا وأن أرى الوضع مباشرة على طول خط الأزمة». وتابع: «إنه حقا مستوى عال من المعاناة، كان هناك كلفة بشرية كبيرة في هذا النزاع وهذا سبب آخر لوجوب تعاملنا معه بشكل عاجل».
وتأتي زيارة فولكر عقب تجدد القتال في شرق أوكرانيا ما أدى إلى مقتل 11 جنديا في الأيام الماضية، وهي حصيلة الضحايا الأكبر في الأشهر الماضية. ورد فولكر إيجابا عندما سئل عما إذا كان يعتبر «العدائية الروسية» سبب الأزمة وأنها ليست مجرد حرب أهلية أوكرانية.
وقال السفير الأميركي السابق لدى حلف الأطلسي: «نفهم الطريقة التي بدأت بها الأزمة، ونفهم طريقة إدارتها اليوم، ولهذا السبب من المهم أن تزيد الولايات المتحدة مشاركتها أكثر».
وأجرى فولكر، أمس، محادثات مع السلطات الأوكرانية في كييف، كما سيزور فرنسا وبلجيكا والنمسا وبريطانيا هذا الأسبوع المقبل قبل العودة إلى واشنطن لإعطاء «بعض التوصيات حول كيفية مشاركة الولايات المتحدة بطريقة أفضل».
وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات ضد روسيا، لكن الجهود لتحقيق اتفاق سلام أوكراني توقفت مع استمرار القتال. ودفع النزاع الذي ترافق مع ضم روسيا لمنطقة القرم عام 2014 بالعلاقات بين موسكو والغرب إلى أدنى مستوى منذ الحرب الباردة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟