أطفال أصيلة يحتفلون بإبداعاتهم الفنية في موسمها الثقافي

80 طفلاً شاركوا في رسم جدارية فنية

محمد بن عيسى في زيارة لمعرض الأطفال - رفقة الفنانين التشكيليين المشاركين في الموسم
محمد بن عيسى في زيارة لمعرض الأطفال - رفقة الفنانين التشكيليين المشاركين في الموسم
TT

أطفال أصيلة يحتفلون بإبداعاتهم الفنية في موسمها الثقافي

محمد بن عيسى في زيارة لمعرض الأطفال - رفقة الفنانين التشكيليين المشاركين في الموسم
محمد بن عيسى في زيارة لمعرض الأطفال - رفقة الفنانين التشكيليين المشاركين في الموسم

استعرض أطفال أصيلة، في اليوم ما قبل الأخير من اختتام موسمها الثقافي الـ39، حصيلة أعمالهم الفنية التشكيلية التي اشتغلوا عليها خلال الموسم، والتي زينت بعضها الجدران، وأخرى قدمت في معرض خاص بإبداعهم وخيالهم الفني.
وقام محمد بن عيسى، الأمين العام لمنتدى أصيلة، بزيارة معرض الأعمال التشكيلية الخاصة بالأطفال تكريماً لإنتاجاتهم، استهلها بزيارة لجدار مدرسي زينته مجموعة كبيرة من الأطفال من خلال بصم أصابعهم الصغيرة بالصباغة، ورسم ما في مخيلتهم من جمال وفن، وتلته زيارة أخرى لمعرض آخر للأطفال، يقام كل سنة في الموسم الثقافي، ويجمع أطفال المدينة لتلقينهم دروساً في الفن والتشكيل، ويتوج في الأخير بمعرض خاص بهم يجمع إبداعهم وخيالهم في لوحات مميزة.
وشكلت الزيارة الجماعية، التي شارك فيها التشكيليون والمسؤولون في مؤسسة منتدى أصيلة، مصدر فخر للأطفال الذين شاركوا في رسم الجداريات واللوحات، وكذا حافزاً كبيراً لإكمال مسيرتهم التشكيلية، سواء في ورشات الموسم أو خارجه.
وقالت بدرية الحساني، المشرفة على تأطير الأطفال لرسم جدارية ضخمة بإحدى مدارس أصيلة، إن فكرة الجدارية اقترحتها من أجل أن تعم دروس الفن والتشكيل كل المدينة، خصوصاً أن جل الجداريات والأعمال الفنية تتركز وسط المدينة، في حين أن الأحياء البعيدة لا يستفيد أطفالها من الفن، فجاءت الفكرة من أجل تعويد الأطفال البعيدين على رؤية وممارسة الأعمال الفنية، لتساهم في بناء شخصيتهم في المستقبل.
وأضافت الحساني أن الجدارية شارك فيها نحو 80 طفلاً، تم تقسيمهم إلى دفعات، بمعدل 20 طفلاً في كل مرحلة، بالإضافة إلى أن جل الأطفال في الأحياء كان لهم الحق في المشاركة، من خلال خط ورسم كل ما يجول ببالهم، وحتى ببصم أناملهم وأياديهم الصغيرة التي زينت الجدار بالألوان.
وبالعودة إلى ورشة الأطفال في مرسم قصر الثقافة، احتفلت دفعة أخرى من الأطفال من خلال عرض حصيلة بالأعمال التي اشتغلوا عليها طوال الموسم، في حفل حضره المسؤولون والآباء والأمهات وفنانون تشكيليون عبروا عن إعجابهم الكبير بالخيال والإبداع الذي يمتلكه الأطفال، والذي تجلى بوضوح في لوحاتهم.
وبهذه المناسبة، قال حسين ميرزا، الفنان التشكيلي البحريني المسؤول عن ورشة الأطفال، إن مدينة أصيلة ولادة للفن والفنانين، وهذا أمر يظهر جلياً على أطفال أصيلة العاشقين للتشكيل، وتوقع من خلال ورشات الرسم السنوية أن تنتج فنانين تشكيليين كباراً، خصوصاً أن ورشاته كانت تضم أكثر من 70 طفلاً في الفترتين الصباحية والمسائية، وهذا دليل على حب الأطفال وإقبالهم على الفن، وهو أمر عايشه ميرزا طوال 4 سنوات أشرف وأطر فيها ورشة الأطفال بموسم أصيلة.
وعن تأثير أصيلة المدينة في مخيلة الأطفال، أكد ميرزا أن التأثير واضح جلي، فأول ما يختاره الطفل كلون عند رغبته في الرسم هو اللون الأزرق، وأول ما يخطر بباله ليرسمه هو البحر، لذا لا يمكن أن يفصل فنه عن المدينة التي تؤثر في الصغار كما في الكبار، سواء كانوا فنانين أم لا، مشيراً إلى أن مجموعة من الأطفال الذين شاركوا في الدورات السابقة بدأ مستواهم في التحسن أكثر فأكثر في كل موسم جديد، وتوقع أن يخرج منهم فنانون يكملون المسيرة ويغنون مدينة أصيلة بمواهب جديدة مبدعة.
أما عبد الله كمال، الفنان التشكيلي التونسي، فقال إن مواهب الأطفال في هذا المعرض هي فن حقيقي، فالصغار برأيه هم فنانون بالفطرة، ويجب التعلم منهم لأنهم يمتلكون أشياء يبحث عنها الفنان دائماً في مخيلته، مستشهداً بالفنان العالمي بيكاسو الذي قال: «في عمر السبعين سنة، أرسم مثل الطفل الصغير»، وهذا يعني أن رحلة الفنان هي دائماً نحو الطفل، وهنا نتفاجأ بأعمال لا يستطيع أن يتخيلها الكبار، لكن الطفل وحده يستطيع تخيلها لأنه يتعامل مباشرة مع الألوان من دون خوف من النتيجة، ومع الحوادث والمفاجآت ينهي لوحته، وهذا أفضل شيء في الفن.
وشهد البرنامج الفني والثقافي لهذه الدورة أيضاً تنظيم كثير من ورش العمل، بما في ذلك الكتابة والتعبير الأدبي للأطفال، اللوحة الجدارية، والنقش والرسم والسيراميك، ومعرض الفنون البصرية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».