الرسوم الكاريكاتيرية في الصحافة الإيرانية شهدت «تراجعا لأسباب سياسية»

كامبيز درم بخش: الساسة في بلادنا لا يطيقون هذا الفن

درم بخش في فضاء ساربان للرسم بطهران مع رسومه التي تحمل عنوان «الروايات المصورة 3»
درم بخش في فضاء ساربان للرسم بطهران مع رسومه التي تحمل عنوان «الروايات المصورة 3»
TT

الرسوم الكاريكاتيرية في الصحافة الإيرانية شهدت «تراجعا لأسباب سياسية»

درم بخش في فضاء ساربان للرسم بطهران مع رسومه التي تحمل عنوان «الروايات المصورة 3»
درم بخش في فضاء ساربان للرسم بطهران مع رسومه التي تحمل عنوان «الروايات المصورة 3»

في الوهلة الأولى، تلاحظ خطوطا بسيطة، ولكن عندما تتعمق فيها سترى رسوما كاريكاتيرية ارتسمت على الصفحة باحتراف، وهي التي ستشغل تفكيرك، كأنك تقرأ قصة قصيرة، أو تشاهد فيلما بأسلوب المينيمال أرت، أو تقرأ قصائد الهايكو اليابانية الشهيرة التي تتكون من بيت واحد، وهي أقصر الأشكال الشعرية في العالم. كانت هذه لمحة عن ميزات الرسوم الكاريكاتيرية لكامبيز درم بخش التي جرى عرضها في فضاء ساربان للرسم بطهران وهي تحمل عنوان «الروايات المصورة 3».
يزاول كامبيز درم بخش مهنته في مجال تصميم الرسوم، وفن الكاريكاتير، وتصمیم غرافيكس لأكثر من 55 سنة، متعاونا مع عدد من الصحف الإيرانية والعالمية البارزة. ولقد حاز جوائز أفضل رسام كاريكاتيري في الكثير من مسابقات الرسوم الكاريكاتيرية الدولية في اليابان، وألمانيا، وإيطاليا، وسويسرا، وبلجيكا، وتركيا، والبرازيل، وجمهورية يوغسلافيا السابقة، وشارك في الكثير من لجان التحكيم للمهرجانات، والمعارض الدولية للرسوم الكاريكاتيرية.
وقام درم بخش بتأليف الكثير من الكتب في فن الرسوم الكاريكاتيرية، وجرى نشرها في مختلف دول العالم، منها كتاب «من دون تعليق» الصادر في إيران، وكتاب «الفن الساخر المعاصر في إيران» الصادر في النمسا، و«كتاب كامبيز» في إيطاليا، و«العالم بيتي» في فرنسا.
في ما يلي نص الحوار الذي أجرته «الشرق الأوسط» مع الفنان الإيراني بخش بمناسبة إقامة معرضه الجديد للرسوم الكاريكاتيرية في طهران.
* ما الأسلوب الذي تعتمده في الرسوم المعروضة في هذا المعرض؟ ومن أين استلهمت فكرة الرسوم؟
- ليست هذه الأعمال بجديدة، حيث تعود فكرة هذه الرسوم إلى أول كتاب يحمل عنوان «من دون تعليق» قمت بنشره في 1976. ويضم الكتاب عددا من الشرائط المصورة التي قمت برسمها. ويعد فن الشرائط المصورة التي يعتمدها الكثير من رسامي الكاريكاتير في العالم أحد فروع الرسوم الكاريكاتيرية. وتتكون الرسوم الكاريكاتيرية من عدة فروع؛ منها: الرسوم من دون التعليق، والسياسية، ورسم الوجوه، والرسوم التشخيصية. وقد تمركزت رسوماتي خلال الآونة الأخيرة على الرسوم «الرومانسية»، التي تشكل هي الأخرى صنفا من أصناف الرسوم الكاريكاتيرية.
* ولماذا اخترت الرسوم الكاريكاتيرية الرومانسية؟
- يمنحني هذا الصنف في الرسوم الكاريكاتيرية انطباعا جيدا، كما تعطي الرسوم الرومانسية شعورا جيدا للآخرين. نحن بحاجة إلى أجواء نقية نتنفس من خلالها الصعداء. تأتينا المشاكل من كل حدب وصوب، من القنوات التلفزيونية، والصحافة التي تقوم بنشر الأخبار السيئة والمصاعب التي نتعرض لها على غرار غلاء الأسعار، والفقر، وسائر المشاكل السائدة، في إيران خاصة، وفي العالم عامة. يجب على الفنان أن يمنح هؤلاء الأشخاص الذين يشعرون بالإرهاق، والتعب، والعجز، والاستياء شعورا جيدا حتى ولو للحظات. باختصار، لقد وصلت في رسوماتي إلى أجواء لطيفة وشاعرية، وكانت هذه الأعمال تشبه فيلما يضم عدة مشاهد ولكن موقع بثه على الورق، فسميتها الفيلم الورقي. إن أعمالي عبارة عن رسوم متحركة قصيرة، إذ صناعة هذا الفيلم لا تكلف كثيرا، كما أن المتلقي غير مضطر إلى أن يشتري تذكرة ويستغرق ساعات طويلة لمشاهدته. عندما تتأمل هذه الرسوم البالغ عددها 300 رسمة، كأنك تشاهد 300 رسم متحرك قصير من دون أن تضطر إلى دفع مبلغ كبير لمشاهدتها. قد تكون تكلفة هذه الرسوم التي ارتسمت بالريشة على الورق زهيدة، غير أنها تكشف عن سنوات طويلة من العمل المستمر، والتجربة.
* يبدو أن مجلة «همشهري» الإيرانية قامت بنشر أعمالك الفنية التي لاقت ترحيبا واسعا. ما قصة نشر المجلة أعمالك؟
- طلبت مني رئيسة تحرير مجلة «همشهري»، نفيسة مرشد زادة، منذ ثلاث سنوات، أن أتعاون مع المجلة. وقلت لهم إنني سأعطيكم روايات مصورة للنشر، كون المجلة كانت تنشر روايات وقصصا. نحن نقرأ القصة أولا، ومن ثم كل واحد يقوم بتصويرها في مخيلته. وسميت المجموعة «الروايات المصورة»، وهو عنوان قصير وموجز، أو بالأحرى الروايات التي قمت بتصويرها. وقد رحب مسؤولو المجلة بهذه الفكرة التي لقيت ترحيبا واسعا من الرأي العام والقراء، وأصبح لديها معجبون كثر. وتضم رسوماتي أساليب رسم كثيرة، ولكنني اكتفيت بـ«الرواية المصورة» لأنها تمكنت من كسب جمهور واسع.
* لقد تحولت رسوماتك إلى ماركة ثابتة، أي إنك تعتمد أسلوبا واحدا في كل أعمالك، هل هذا صحيح؟
- نعم. هذا صحيح. أسلوب رسوماتي واضح وقد تحول إلى علامة ثابتة. قال لي أحد الأشخاص: كأن أعمالك منتجات صناعية، كلها متشابهة، وتتمتع بنظم خاص. تتميز رسوماتي بالبساطة على غرار أسلوبي في الرسم الذي أستخدم فيه قلما من الرصاص، وورقة، وممحاة. وأقوم بمزج الألوان إذا لزم الأمر.
لقد قمت في مجموعة «المهرجين» بمزج الألوان. إذا تمركزت رسوماتي على اللونين الأسود والأبيض، فهذا لا يعني أنني غير قادر على الرسم بالألوان، ولكن العمل بالأسود والأبيض يمنحني ويمنح المتلقي شعورا جيدا، كأنك تشاهد دوما أفلاما تلفزيونية ملونة، وفجأة تستمتع بمشاهدة فيلم بالأبيض والأسود.
* هل تستلهم الموضوعات التي تتناولها في رسوماتك والتي تشبه أحيانا قطعة أدبية من الحياة اليومية؟
- لقد عملت سنوات في هذا الحقل، وبدأت الرسم الكاريكاتيري وأنا في الرابعة عشرة من عمري، كما أنني كنت أتابع أعمال الرسامين الآخرين. إن أعمالي الفنية ثمرة التجارب التي اكتسبتها خلال هذه السنوات. أعتقد أن الفنانين مرتبطون بعضهم ببعض كحلقات السلسال. كما أنني أستمتع وأستخدم أساليب غيري في رسوماتي، فآخرون يفعلون الشيء نفسه.
إن الفنانين القدماء الذين كانوا ينقشون على الحجر هم الوحيدون الذين لم يستلهموا أعمالهم من أحد. يستفيد الفنانون دوما من تجارب بعضهم، وهذا لا يعني أنهم يقومون بسرقة أعمال غيرهم أو استنساخها. قد يوجد الكثيرون الذين يقومون بسرقة أعمال نظرائهم، ولكنهم يفشلون في النهاية. الفنان الناجح هو الذي يستفيد من تجارب الآخرين في أعماله الخاصة.
* إذن، هذه الأعمال الفنية هي ثمرة سنوات من التجربة التي اكتسبتها في الرسم؟
- نعم، هذا صحيح. لقد مارست أنواع الرسوم الكاريكاتيرية كافة، منها تلك المنشورة في الصحافة. لقد رسمت أفضل رسوماتي الكاريكاتيرية التي تحمل طابعا سياسيا وساخرا، مارست الرسم، والغرافيكس، أعددت ملصقات، وأنتجت أفلاما. تبلورت النشاطات التي قمت بها خلال هذه السنوات في أعمالي الفنية في الوقت الحاضر. بلغت أعمالي مرحلة من الشفافية وهو مصطلح أدبي. على سبيل المثال، عندما كنت أرسم لم أكن أعلم شيئا عن قصائد الهايكو، ولكن من يشاهد أعمالي يجد وجها للتشابه بينها وبين الهايكو.
* ما تقييمك لمكانة الرسوم الكاريكاتيرية في الصحافة الإيرانية والعالمية؟
- تشهد الصحافة والرسوم الكاريكاتيرية تراجعا في إيران والعالم. وهذا الأمر يشمل الرسوم الكاريكاتيرية في الصحافة الإيرانية وذلك لأسباب سياسية، لأن الساسة في البلاد لا يطيقون النقد، ولقد جرى إغلاق عدد من الصحف الإيرانية للسبب نفسه. لا يجازف مديرو الصحف بنشر الرسوم الكاريكاتيرية. فلهذا لا نلاحظ رسوما كاريكاتيرية تعبر بشكل واضح أو تحمل انتقادات حادة للأوضاع القائمة.
* وهل ينطبق الأمر على الصحافة العالمية أيضا؟
- نعم. ينطبق الأمر نفسه على الصحافة العالمية، وأصبح تراجع دور الرسوم الكاريكاتيرية في التعبير عن حالة اجتماعية أمرا عاديا في الدول المتقدمة التي لم تعد تتأثر بالأمر. على سبيل المثال، منذ 60 سنة ورسامو الكاريكاتير يتناولون القضية الفلسطينية وأنا منهم. ولكن ماذا حصل؟ لا شيء. بالأحرى، إن هذا النوع من الرسوم فقد تأثيره، ولم تعد تجد الرسوم الكاريكاتيرية انتباها من الساسة، ولم تعد الرسوم الكاريكاتيرية تستطيع أن تحدث تغييرات في المعتقدات، والآراء.
* يحمل كتابك الذي جرى إصداره أخيرا في إيران عنوان «المنمنمات السوداء»، ولقي الكتاب ترحيبا واسعا. هلا شرحت لنا باختصار الأعمال المطروحة في الكتاب؟
- لقد قمت بنشر الرسم الأول الذي يتناوله الكتاب منذ 40 سنة. وجرى نشر رسومات هذا الكتاب في الأعوام 1973 إلى 1975 التي تناهض جهاز الاستخبارات التابع للنظام السابق والمعروف بـ«السافاك»، والطابع الديكتاتوري للنظام السابق. ولقد جرى منعي من ممارسة الرسم مرتين في عهد الشاه بسبب هذا الكتاب. يضم هذا الكتاب مجموعة من أفضل رسوماتي السياسية والاجتماعية التي استخدمت فيها فن المنمنمات. وكنت أنا أول رسام يقوم بهذا العمل في تلك الفترة، ولم تفقد هذه الرسوم بريقها بعد مرور كل هذه السنوات، ولقد قمت بتحويل تلك الرسوم إلى كتاب قيم أوشكت على إصدار الطبعة الثانية منه. وكتب جواد مجابي مقدمة الكتاب الذي صدر عن دار «تاش» للنشر. وتولى «حسن كريم زادة» و«أنوشة» الأعمال الفنية للكتاب.

* اعداد {الشرق الأوسط} بالفارسية (شرق بارسي)



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».