المعارضة الفنزويلية تصعّد بإضراب و«محكمة ظل»

احتجاجات ضد مشروع الرئيس تعديل الدستور وتوسيع صلاحياته

جانب من المواجهات بين المعارضة والشرطة في كراكاس مساء أول من أمس (إ.ب.أ)
جانب من المواجهات بين المعارضة والشرطة في كراكاس مساء أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

المعارضة الفنزويلية تصعّد بإضراب و«محكمة ظل»

جانب من المواجهات بين المعارضة والشرطة في كراكاس مساء أول من أمس (إ.ب.أ)
جانب من المواجهات بين المعارضة والشرطة في كراكاس مساء أول من أمس (إ.ب.أ)

دعت المعارضة الفنزويليّة إلى إضراب عام يومي الأربعاء والخميس المقبلين احتجاجا على مشروع الرئيس نيكولاس مادورو تعديل الدستور بما يمنحه صلاحيات أوسع.
وقال النائب سيمون كالساديا: «إننا ندعو كلّ الشعب وكل فئات المجتمع إلى إضراب لمدة 48 ساعة»، مضيفاً أن الإضراب سينتهي بمسيرة ستقام يوم الجمعة من أجل مطالبة مادورو بسحب مشروع انتخاب جمعية تأسيسية المقرر إجراؤه في 30 يوليو (تموز) الحالي.
وأطلقت قوات الأمن مساء أول من أمس قنابل غاز مسيلة للدموع على متظاهرين معارضين شاركوا في مسيرة نحو مقر المحكمة العليا في كراكاس للمطالبة برحيل مادورو، في وقت تراوح الأزمة المستمرة منذ أشهر مكانها. وهدفت المسيرة كذلك إلى دعم 33 قاضياً سمّتهم المعارضة الجمعة في إطار «محكمة الظل»، ليحلّوا محل قضاة المحكمة العليا الحاليين في فنزويلا والمحسوبين على مادورو وغالباً ما يصدرون أحكاماً لصالحه. وبعد اندفاعة قوية وفرها الإضراب العام الخميس الذي شل أجزاء من العاصمة ومدنا أخرى، نظمت المعارضة مراسم قسَم رمزية الجمعة لقضاة «محكمة الظل».
وكان تم تعجيل تعيين عدد من قضاة المحكمة العليا قبيل خسارة الحزب الحاكم للغالبية التي كانت تحظى بها في الكونغرس.
وذكر منظمو مظاهرة أول من أمس أن «محكمة الظل» تحظى بتأييد قوي من المتظاهرين. وقال القيادي في المعارضة فريدي غيفارا نائب رئيس البرلمان على «تويتر»: «الجميع أعطوا دعمهم للمحكمة العليا الجديدة». وقال المتظاهر لويس توريالبا، 43 عاما، الذي شارك في التظاهر مع زوجته وابنه «نحن ندعم القضاة الجدد لأنهم سيعيدون استقلالية المحكمة العليا».
وسلك المتظاهرون المعارضون للحكومة طريقاً سريعاً رئيسياً في طريقهم للمحكمة العليا في وسط المدينة، لكنّ دراجين من قوات الحرس الوطني باللباس الرسمي قطعوا الطريق عليهم وأطلقوا قنابل غاز مسيل للدموع لتفريقهم. وجرح خلال المظاهرة عازف الكمان ويلي ارتياغا، الذي اشتهر بعزفه خلال مسيرات المعارضة، وتم نقله إلى عيادة لتلقي العلاج. وهو قال في وقت لاحق إنه أصيب بطلقة. وقال اريتاغا في فيديو على «تويتر»: «لن يتمكنوا من إخافتي». وأضاف خلال ظهوره في الفيديو على سرير مستشفى مع ضمادات على وجهه وتورم في شفتيه «سنستمر في القتال». واعتقلت أجهزة الاستخبارات الفنزويلية انخل زيربا ابونتي، أحد قضاة «محكمة الظل»، حسبما أعلن البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة عبر حسابه على «تويتر». ودانت الحكومة الفنزويلية قسَم «محكمة الظل»، واعتبرته «تحريضاً على التخريب» وبمثابة «خيانة»، وهدد مسؤولون بحبس المعارضين.
وبعد أن كانت فنزويلا أغنى دول أميركا الجنوبية بفضل ثروتها النفطية، تعاني اليوم أزمة سياسية واقتصادية حادة مع نقص خطير في الأدوية والأغذية وازدياد في التضخم. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد طالب بإلحاح نظيره الفنزويلي بسحب مشروعه تشكيل جمعية تأسيسية متوعدا إياه بـ«إجراءات اقتصادية قوية وسريعة». وتعهد مادورو، الذي تنتهي ولايته في ديسمبر (كانون الأول) 2018، بالمضي قدماً في مشروعه انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية الـ545 في 30 يوليو، لصياغة دستور جديد رغم الاحتجاجات العارمة التي يواجهها.
نظمت مظاهرة أول من أمس، على غرار كل التظاهرات التي تنظمها المعارضة منذ أبريل (نيسان) الماضي، بدعوة من تحالف «طاولة الوحدة الديمقراطية»، الذي يضم عدداً من أطياف المعارضة. وبلغت حصيلة قتلى المظاهرات في فنزويلا منذ أبريل 103 قتلى، أي بمعدل قتيل في اليوم الواحد.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟