حالة بحث الكهول عن زوجات لبدء حياة جديدة تكاد تصبح ظاهرة في المجتمع السوري الذي ضربته في العمق موجات الهجرة الكبيرة المتتابعة، خلال السنوات الأربع الأخيرة، حيث ارتفعت نسب الطلاق إلى أكثر من 120 في المائة، وفق الأرقام الرسمية في المحاكم، والتي تشير أيضا إلى أنه قبل اندلاع الثورة ضد النظام عام 2011 كانت المحكمة توثّق نحو 3 آلاف حالة طلاق في العام الواحد، لكنها تزايدت خلال السنوات الخمس الأخيرة مع نشوب الحرب لتبلغ 7300 حالة سنويا، وفي المقابل ازدادت معدلات الزواج لا سيما ما بات يعرف بـ(زواج الحرب)، وتشير الأرقام إلى وجود نحو 30 ألف حالة زواج سنويا، غالبيتها حالات زواج متسرع بسبب الظروف القاهرة التي يعيشها المجتمع السوري.
ويعد الخلاف حول الرغبة في الهجرة أحد أهم الأسباب في وقوع الطلاق. وأيضا في الزواج كحل للمشكلة التي خلفتها الهجرة، وتفكك العائلة.
أبو عماد (67 عاما) طلب من جارته المساعدة في البحث عن عروس تؤنس وحدته وترعاه بعد أن التحقت زوجته بأولادها الذين هاجروا بالبحر إلى أوروبا قبل عامين. وحدد أبو عماد مواصفات العروس المطلوبة بأن «يتراوح عمرها بين 30 و35 عاما، لا أرملة ولا مطلقة. وليس لديها تجارب سابقة، وطالبة الستر». ولا يخفي أبو عماد رغبته في تجديد شبابه والاستمتاع بما بقي من العمر لذا يريدها شابة تعينه في شيخوخته القادمة على عجل. يقول: «من حقي الزواج مرة ثانية وزوجتي هجرتني لتلتحق بالأولاد، هي اختارت ما يريحها ومن حقي أن اختار أيضا ما يريحني».
أما أبو عصام (59 عاما) وصاحب ورشة خياطة، فرفض فكرة الهجرة لأن أعماله ما تزال مستمرة وخسائره لم تكن فادحة كغيره وبالإمكان تعويضها، إلا أنه لم يتمكن من إقناع أولاده في البقاء بعد هجرة أعمامهم وأخوالهم وأصدقائهم. ومع أن زوجته كانت متفقة معه على رفض الهجرة، إلا أنها وبعد سفر الأولاد والأقارب أصيبت بالكآبة وكانت تبكي على مدار الساعة مما جعل أبو عصام يطلب منها الالتحاق بأولادها، يقول: «لم احتمل تحولها من دينامو مرح وحيوية، إلى كتلة حزن. كان هذا الخيار الأفضل لي ولها وهي طلبت مني أن أتزوج كي لا أبقى وحيدا». ويبحث أبو عصام عن زوجة: «مستورة ترعى شؤوني لا يتجاوز عمرها الأربعين، ولا يهم أن تكون أرملة أو مطلقة، أو حتى لديها أولاد لعلي أكسب فيها ثوابا».
وفي حالة راما (30 عاما) والتي تعمل في معهد تعليمي خاص، فقد وافقت على الزواج من صديق والدها وعمره ضعف عمرها، بعد مغادرة أفراد عائلته إلى ألمانيا. وتقول إن عائلتها عارضت هذا الزواج لأن العريس كبير في السن ولديه عائلة، لكن راما بررت إصرارها على القبول به، لا بل هي من عرضت عليه الزواج، بالقول: «إذا انتظرت مجيء العريس الشاب فربما يدركني الشيب قبل أن يأتي. البلد خلت من الشباب فغالبيتهم هاجروا، ولم يبق من الذكور سوى الأطفال والكهول». وتتابع: «أريد أن أنجب طفلا وأستمتع بأمومتي وأريد مستوى ماديا يشعرني بمتعة الحياة».
في ظل الحرب وما تفرضه من معايير مستجدة على المجتمع المهشم، يغدو الخوف من الوحدة، دافعا للزواج والمؤانسة عند الكهول بمنتصف العمر، بينما الخوف من الفقر والعنوسة هو الدافع الأقوى لدى الصبايا لزواج غير متكافئ، أما الثكالى من أرامل الشهداء والمغيبين القسريين والمطلقات التعسات والفقيرات النازحات، فلا هاجس غير هاجس «الستر» في بلد انتهكت الحرب «ستره».
7:57 دقيقة
انتشار «زواج الحرب» في مجتمع سوري مزقه النزاع
https://aawsat.com/home/article/978881/%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B4%D8%A7%D8%B1-%C2%AB%D8%B2%D9%88%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8%C2%BB-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D9%85%D8%B2%D9%82%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B2%D8%A7%D8%B9
انتشار «زواج الحرب» في مجتمع سوري مزقه النزاع
انتشار «زواج الحرب» في مجتمع سوري مزقه النزاع
مواضيع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة